شريعة حمورابي

مسلة حمورابي التي نقشت عليها شريعة حمورابي
تعتبر شريعة حمورابي-سادس ملوك مملكة بابل القديمة - من أقدم الشرائع المكتوبة في التاريخ البشري . وتعود إلى العام 1790قبل الميلاد وتتكون من مجموعة من القوانين. وهناك العديد من الشرائع المشابهة لمثل شريعة حامورابي والتي وصلتنا من بلاد آشور منها مجموعات القوانين والتشريعات تتضمن مخطوطة أور-نامو، ومخطوطة إشنونا، ومخطوطة لبت-إشتار ملك آيسن إلا أن تشريعات حمورابي هي الأولى في التاريخ التي تعتبر متكاملة وشمولية لكل نواحي الحياة في بابل.

وهي توضح قوانين وتشريعات وعقوبات لمن يخترق القانون. ولقد ركزت على السرقة، والزراعة (أو رعاية الأغنام)، وإتلاف الممتلكات، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق العبيد، والقتل، والموت، والإصابات. وتختلف العقوبات على حسب الطبقة التي ينحدر منها المنتهك لإحدى القوانين والضحية. ولا تقبل هذه القوانين الاعتذار، أو توضيحٍ للأخطاء إذا ما وقعت.

على العكس من بقية ملوك تلك الفترة، فلم يزعم حمورابي أنه سليل آلهة أو ذو ذات إلهية، إلا أنه وصف نفسه بخليل الآلهة. وفي الجزء العلوي من العمود ظهر حمورابي أمام عرش إله الشمس. رُقمت البنود من 1 إلى 282 (مع الإشارة إلى أن البند 13، والبنود من 66 لـ 99، و110، و111 مفقودة) على عمود طوله 8 أقدام،2.5 متر، والمكون من حجر البازلت. ولقد اكتشف هذا العمود عام 1909 في سوسا- بمحافظة خوزستان حاليا- بإيران من قبل عالم الآثار المصرية جوستافو جيكوير Gustave Jéquier السويسري الأصل.وقد نقلت إلى إيران حين أخذها ملك العيلاميين شوتروك ناخونته Shutruk-Nakhunte كغنيمة في السنة الثانية عشر قبل الميلاد . ويُعرض العمود الآن في متحف اللوفر في باريس، فرنسا. مرسوم على حجر الملك حمورابي وهو يستمع إلى إله الشمس الذي يسمى شمش الجالس على عرشه وهناك كاتب تحت حمورابي يسجل القوانين ووضع الحجر في مكان عام وسط مدينة بابل لفتح المجال أمام الجميع لرؤية هذه التشريعات الجديدة كي لا يتم التذرع بجهل القوانين كعذر.

ولقد تمت الإشارة إلى هذه الشريعة كأول مثال لمفهومٍ قانوني يشير إلى أن بعض القوانين ضرورية وأساسية حتى أنها تتخطى قدرة الملوك على تغييرها. وبنقش هذه القوانين على الحجر فإنها دائمة، وبهذا يحيى المفهوم والذي تم تكريسه في الأنظمة القانونية الحديثة وأعطت المصطلح منقوش على الحجر ماهيته في الأنظمة الحالية.

ويرى باحثون أبرزهم السيد سامي البدري رئيس قسم علم الأديان المقارن- المعهد الإسلامي في بريطانيا يرى أن حمورابي جاء بعد إبراهيم ب300 عام وليس قبله وأن تسمية حمورابي تعني خليل الرب (وليس الآلهة) وما شريعة حمورابي إلا نسخة متصرف بها من لصحف النبي إبراهيم ولذا نجد التقارب بينها وبين التوراة ممكنا مع عدم أخذ اليهود أي من القوانين من البابليين بل هو الشبه الحاصل بين صحف النبي إبراهيم وصحف النبي موسى وهذا الأمر الذي حاول الكثيرون الالتفاف حوله لأسباب دينية أو سياسية

الفرق بين شريعة حمورابي وشريعة موسى

بحسب التلمود، ولد النبي موسى بعد حمورابي بـ 400 سنة وتحتوي شريعة موسى بعض الأجزاء المطابقة لأجزاء معروفة من شريعة حمورابي، وبسبب هذا التطابق زعم بعض العلماء أن العبرانيين استسقوا قوانينهم منها. بينما نصَّ كتاب وثائق من وقت العهد القديم: "أنه لا أساس لافتراض أن العبرانيين استعاروا بعضاً من قوانين البابليين. ومع اختلاف مجموعتي القوانين في الصياغة، فإنهما مختلفين في الجوهر".

تحتوي شريعة النبي موسى على الكثير من أحكام القتل بحق مخالفيه في الأفكار والمعتقدات وتمتد هذه الاحكام لتشمل اقوام بمجموعها فمثلا" ذكر في سفر تثنية الاشتراع في (الأصحاح العشرين) تحت عنوان (شرائع حصار وفتح المدن البعيدة) في الفقرة العاشرة وما بعدها: (حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح 11 فان اجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك 12 وان لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها 13 واذا دفعها الرب الهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف 14 واما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك 15 هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا في حين حاولت تشريعات حمورابي تنظيم الحياة المدنية داخل المدن ومعاقبة المتسببين بأعمال تودي بالأمن والسلم الأهلي للمدينة. ومع ذلك لم تخلُ تشريعات حمورابي من أحكام بالموت على مرتكبي الجنح والجرائم التي لاتسحق الموت بمفهومنا اليوم ولكنها كانت ضرورية كما يبدو في حينها.

المشابهات بين قانون حمورابي وشريعة التوراة

تتطابق بعض قوانين التوراة مع قوانين حمورابي وسنورد في ما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

قانون حمورابي إذا سرق سيد ثوراً أو شاة أو حماراً أو خنزيراً أو قارباً، إذا كان (المسروق) يعود للإله أو للقصر، فعليه أن يعطي 30 مثلاً. أما إذا كان يعود إلى مسكين، فعليه أن يدفع 10 أمثال كاملة، إذا لم يكن لدى السارق ما يعوّض به فإنه يعدم.

قانون التوراة: إذا سرق رجل ثوراً أو شاة فذبحه أو باعه فليعوض بدل الثور خمسة من القطيع. وبدل الشاة أربعة من الخراف. (خروج 21: 37).

قانون حمورابي 129 إذا قبض على امرأة مضطجعة، مع سيد فيجب عليهم أن يوثقوهما ويلقوهما في الماء. ويمكن لزوج المرأة أن يبقي زوجته على قيد الحياة إذا رغب، كما يمكن للملك أن يخلّي حياة أمته.

قانون التوراة: وإن أخذ رجل يضاجع امرأة متزوجة فليمُت كلاهما. (تثنية 22:22)

قانون حمورابي 195 إذا ضرب ولد والده فعليهم أن يقطعوا يده

قانون التوراة من ضرب أباه وأمه فليقتل قتلاً (خروج 21: 15).

قانون حمورابي 196 إذا، فقأ سيد عين ابن أحد الأشراف، فعليهم أن يفقؤوا عينه.

قانون التوراة الكسر بالكسر والعين بالعين والسن بالسن (لاويين 24:20).

قانون حمورابي 197 ـ 200 إذا كسر سيد عظم سيد آخر، فعليهم أن يكسروا عظمه. إذا قلع سيد سن سيد من طبقته، فعليهم أن يقلعوا سنه.

قانون التوراة هو ذات القانون السابق.

قانون حمورابي 245 إذا استأجر أحدهم ثوراً وأماته بسبب الإهمال أو الضرب، يعوّض صاحب الثور بثور مثله.

قانون التوراة ومن قتل بهيمة، فليعوّض مثلها، نفساً بدل نفس (لاويين 24:18).

قانون حمورابي 250 إذا عجل، وهو مار في الطريق، نطح رجلاً ما وأماته، هذه القضية لا تستوجب التعويض.

قانون التوراة وإن نطح ثور رجل أو امرأة فمات، فليرجم الثور ولا يؤكل من لحمه، وصاحب الثور براء (خروج 21:28).

قانون حمورابي 251 إذا كان عبد أحدهم، يدفع ثلث منة، من الفضة (المنة: تساوي بابل 505 غرام).

قانون التوراة وإن نطح الثور عبداً أو أمة، فليؤد إلى سيده ثلاثين مثقالاً من الفضة والثور يرجم (خروج 21:32).

وتجمع الكثير من المصادر التاريخية على ان إبراهيم الخليل خرج من مدينة أور، أي من سهل شنعار من بلاد بابل الجنوبية على أيام حكم حمورابي، وعليه فإن إبراهيم حاملاً معه شرائع بلاده الأصلية التي بقيت تراثاً لدى أبنائه وأحفاده على التوالي يعملون بها ويتقاضون بموجبها. علماً أن التوراة تشير مع العلماء الباحثين في أسفارها أن الملك أمرافيل المذكور في سفر التكوين (1:14- 12). ويذكر ان زواج إبراهيم من هاجر أمر منصوص عليه في قوانين حمورابي. للسيد ان يتزوج على زوجته العاقر (سارة)، لينجب منها في حين يغيب هذا الامر في قوانين العهد القديم. فقد ورد في قانون حمورابي المادة 145 ما نصه: «إذا تزوج سيد زوجة، ولم تهد له أولاداً، وقرر أن يأخذ جارية فلهذا الرجل أن يأخذ ويأتي بها إلى بيته أنها امرأة ثانية».

وفي التوراة ورد ما نصه: «فقالت ساراي لأبرام: هوذا قد حبسني الرب عن الولادة فأدخل على خادمتي، لعل بيتي يبنى منها» (تكوين 2:16). لذلك عمليا إن إبراهيم، في زواجه من هاجر، طبّق قانوني حمورابي، ثم إن النزاع الذي حصل بين سارة وهاجر مذكورة أسبابه في قانون حمورابي كما ورد في المادة 145: «... لا تكون مساوية للزوجة» والتوراة تنص: «فلما رأت هاجر أنها قد حملت هانت سيدتها في عينها. فقالت ساراي لأبرام: ظلمي عليك، إني وضعت خادمتي في حضنك. فلما رأت أنها قد حملت، هنت في عينيها. ليحكم الرب بيني وبينك». (تكوين 16: 4- 5).

لذا فان تظلم سارة قانوني، بحسب شريعة حمورابي ويمتد الامر ليشمل نهاية قصة إبراهيم مع هاجر إذ لم يبع إبراهيم هاجر، حسب عادة الأسياد مع العبيد، بل طردها من المنزل؟ بموجب قانون حمورابي الذي ينص بحسب المادة 146 ما يلي: إذا سيد تزوج زوجة وأعطت لزوجها جارية فولدت أولاداً، وإذا أرادت هذه الجارية أن تتساوى بعد ذلك مع سيدتها لأنها ولدت أولاداً، لا يجوز لسيدتها أن تبيعها بالفضة أو تضعها في السلاسل أو تعدها من الإماء».

والتوراة تشير إلى هذه الناحية بقولها: «فقالت (سارة لإبراهيم): اطرد هذه الخادمة وابنها» (تكوين 21: 10). لذا بعد ولادة إسماعيل ، وحسب قانون حمورابي، لم يعد باستطاعة إبراهيم أن يبيع هاجر أو أن يعاقبها. لذلك كان الحل الوحيد أمام سارة أن تطردها من المنزل.

وتذكر المصادر بأن الشكل النهائي لنص التوراة يعود تأليفها إلى فترة ما بعد العودة من السبي البابلي (القرن الخامس قبل الميلاد)، لذلك فالكاتب عاش مدة سبعون عاماً في العالم البابلي وتعرّف على عاداته وتقاليده.

المجتمع البابلي و قانون حمورابي

لقد تم التمكن، بفضل قانون حمورابي، من أخد فكرة عن المجتمع البابلي في عهده، ذلك أن هذا المجتمع يتكون من ثلاث فئات :الأحرار ونصف أحرار و العبيد، إذ ميز القانون بين هذه الفئات على مستوى نوعية العقوبات و الغرمات والقصاص. ويعتبر الأب سيد الأسرة في المجتمع البابلي، فيتم الزواج بعقد مكتوب، الأمر الذي لم يكن موجود لدى السومريين، كما أن تعدد الزوجات معترف به. وهكذا لاتقتصر منجزات حمورابي على الجانب القانوني فقط، بل شهد الاقتصاد والمجتمع تطورا مهما في عهده.

المصدر