معركة الفلوجة الثانية
معركة الفلوجة الثانية هي معركة وقعت في الفترة ما بين 7 نوفمبر، 2004 و23 ديسمبر من نفس العام ضمن معارك الجماعات المسلحة العراقية بعد الغزو الأمريكي للعراق. وقعت المعركة بعد هزيمة الجيش الأمريكي في معركة الفلوجة الأولى في أبريل، وقد شاركت بها القوات العراقية ووالبريطانية بجانب الأمريكية.
جاءت معركة الفلوجة الثانية في النصف الثاني من رمضان 1424 هـ، الموافق نوفمبر 2004 - كما هو معروف – بعدما ضاعفت القوات الأمريكية تعزيزاتها 7 مرات عن المعـركة الأولى في أبريل 2004،وبلغت أعداد جنودها أكثر من 15ألف جندي، مقابل حوالي 1000 مقاتل كانوا متحصنين داخل المدينة.
وبعد أن كانت قد أنهكت واستنزفت سكان المدينة ومقاتليها بالمفاوضات العبثية التي تمت في ظل وساطة مشبوهة قام بها إخوان العراق (الحزب الإسلامي) وبعض الشخصيات المشاركة في مجلس الحكم العميل وهذا أولا، وبالحصار الخانق بحيث قطعت عنهم التموين والمدد من الخارج نهائيا ،ثانيا ،وثالثا بالضربات الجوية المتواصلة والتي لم تتوقف منذ هزيمتها المخزية في معركة الفلوجة الأولى في أبريل 2004،وحتى بداية هذه المعركة، وذلك رغم أن ما كان يسمى بـ "المفاوضات" كانت جارية طوال هذه المدة، والتي كان واضحا أنها فقط لكسب الوقت وللحصول على مزيد من المعلومات حول المقاومة بداخل المدينة، ولاختراق صفوف المقاتلين في المدينة والحصول على معلومات حول مواطن قوتهم ومواطن ضعفهم، وأرادت القوات الأمريكية هذه المرة أن تمحوا المدينة عن بكرة أبيها، وكان هذا لسان حال المارينز الأمريكي، فعندما سألت صحيفة أوروبية ضابطا من المارينز في بغداد عن وجهته.. قال لها بلهجة صارمة : نحن ذاهبون لمحو الفلوجة.
وقد بدأت القوات الأمريكية معركتها الثانية على الفلوجة بهجوم مكثف واسع النطاق قام بها قوات مشاة بحرية الولايات المتحدة على المدينة، مستخدمين مختلف الطائرات العمـودية والمقاتلة من الجو، والدبابات والمدافع الثقيلة والصواريخ من البر، وكل ذلك ضد حوالي 1000 مقاتل من أهالي الفلوجة، وبعض العـرب والذين لم يكونوا يملكون إلا أسلحة خفيفة وفوق الخفيفة وإلا سلاح الأيمان والعقيدة.
ولما عجزت القوات الأمريكية عن اقتحام المدينة بعد عدة محاولات لاختراقها من جهاتها الأربعة, وتلقت ضربات موجعة جدًااضطرت إلى استقدام طائراتB52 العملاقة وقاذفات أخرى من الخليج ،واستمرت القوات الأمريكية في تطوير وتيرة هذا الهجوم، وتصعيده حتى وصل إلى ذروة الوحشية والهمجية : بكل ما تضمنته معنى الوحشية، والهمجية، من إستخدام الكيميائي، والفسفور الأبيض، إلى القنابل العنقودية، والقنابل فائقة الوزن إلى الإجهاز على الجرحى والعبور عليهم بالعربات، إلى التمثيل بجثث الشهداء، وسحلهم بحبال الدبابات.
وعن أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا التي إستخدمتها القوات الأمريكية ضد مجاهدي الفلوجة وإخوانهم من المقاتلين العرب، والتي أدت بعد ذلك إلى سقوطها بيد الأمريكان، رغم صلابة المقاتلين وإستماتتهم المتناهية في الدفاع عن مدينتهم، وبعد أن كانت قد استعصت عليها وردت على أعقابها خائبة مدحورة في أبريل عام 2004، عن كل ذلك ينقل لنا أحد الكتاب رواية أحد الأطباء في مستشفى الفلوجة، حول أنواع تلك الأسلحة وعن المذبحة التي إرتكبتها القوات الأمريكية في الفلوجة – بواسطة هذه الأسلحة: وهي مذبحة تسربت أنباؤها إلى وسائل الإعلام على الرغم من التعتيم الإعلامي الشديد الذي حرصت واشنطن على فرضه على الجميع سواء داخل العراق أو خارجه : وتلك الأسلحة وإن قد تم الكشف عنها إلا أن رواية الطبيب العراقي تفصح عن شيء هام، ألا وهو التكتيكات التي أتبعتها المقاومة للوقاية من المخاطر المهلكة لتلك الأسلحة الفتاكة، والمحرمة دوليا. وهي التكتيكات التي – بالتالي – مكنت المجاهدين من ذلك الصمود البطولي النادر ضد أعتى قوة على الأرض، وفي التكيف مع أسلحة الدمار الشامل التي تم إستخدامها ومواصلةالقتال ضدها لأطول فترة ممكنة بل وتكبيدها خسائر فادحة، بالرغم من إفراط القوات الأمريكية في استخدام تلك الأسلحة الفتاكة. فقد أشار هذا الطبيب العراقي - وهو أحد الذين شهدوا الأحداث الكاملة للمعركة - أشار إلى أن: 90% من شهداء الفلوجة قتلوا بالكيماوي، والفسفور، وقال : لو لم يستخدم الإحتلال الأسلحة المحرمة والفتاكة، لما دخلها أبدًا، ولبقيت الفلوجة عاصية عليهم حتى الآن. وأضاف: استخدم الاحتلال أول الأمر القنابل العنقودية.. وألقى في الأسبوع الأول على الفلوجة أكثر من 170 حاوية عنقودية، ومعذلك فشلت!! فقد وجد مقاتلو الفلوجة الحل بمواجهتها عن طريق "حفر خنادق شقية ضيقة "تحوي "سواتر ترابية في مقدمة الشق، تفجر عندها القنبلة، كي لا تنزل عليهم، وقد حفظالله رجال المقاومة بتلك الخطة. ثم استخدموا – أي الأمريكان - الغاز الخانق، وقد وجدت المقاومة حلاً أيضًا، حيث وضعوا على وجوههم "شماغ" فيه سكر مذاب، منع من دخول الغاز على رئتيهم.ثم استخدموا آخر المطاف الفسفور الأبيض، وٱستشهد الكثير منهم بفعله، واحترقوا بالكامل، إلا أنهم لا زالوا غير قادرين على كسر المقاومة، فعمدوا في نهاية الأمر إلى استخدام الكيماوي مع الفسفور، وهو ما أحرق الأخضر واليابس، فقد استشهد في يومواحد أكثر من 200 مقاوم حرقًا، حيث أذاب الفسفور والكيماوي حتى العظم، فلم تبق حياة في الفلوجة - حتى الكلاب والقطط نفقت، والأشجار يبست. وعندها تمكنوا من الفلوجة، فقد دخلوا إليها أرضًا سوداء جرداء، بلا حياة على الإطلاق، وأعلنوا نصرهم المزعوم، على جثث متفحمة منصهرة، تتعدى 400 جثة. وقدمت المدينة المجاهدة خيرة شبابها ورجالها شهداء... وتم تخريب وتدمير مساجدها وأبنيتها وأحياءها، وتعرّض من تبقى من أهلها علي قيد الحياة إلي التشريد في البراري وفي المدن القريبة، أما الشهداء فقد تحولت بهم شوارع المدينة وساحاتها إلي مقابر جماعية. وقد أعلنت القوات الأمريكية عن مقتل 1600 مقاوم، واعتقال 1050 شخصا من أهالي الفلوجة. وقد ترك القتلى في الشوارع ولم يقم أحد باخلائهم، حتى سارت الدبابات الأمريكية فوق جثثهم. واستمرت رائحة الجثث المتعفنة لضحايا الهجمات الأمريكية تفوح في العديد من المناطق.
ولم تكن تلك هي الحصيلة الكاملة للقتلى حيث أن كثيرا من أهالي الفلوجة دفنوا تحت أنقاض منازلهم التي هدمها القصف فوق رؤوسهم والذين تركوا تحتها لعدة أيام قبل أن تسمح قوات الاحتلال بعملية إخراجهم من تحتها، بل و: لا تزال – والكلام لا زال للطبيب العراقي السابق - حتى يومنا هذا (ديسمبر 2006) جثثًا موجودة تحت الأنقاض، تصلنا بين فترة وأخرى، واحدة أو اثنتان، يعثر عليها أهل المدينة، تحت أنقاض المنازل، والمحال التجارية، والعمارات السكنية، على الرغم من مرور قرابة العامين على تلك المعركة، وقد وصلتنا جثثٌ بعضها يوحي إليك كأنه قتل قبل يوم أو يومين، فوالله وصلتنا جثة سوري وجدت تحت أنقاض عمارة الفلوجةالقديمة، كأن صاحبها قد مات أمس أو أول أمس، وتم دفنه في جنازة مهيبة في مقبرة شهداء المدينة. " ان الفلوجة تبدو وكأن اعصاراُ كــ " تسونامي " قد ضربها " هكذا وصف المشهد أحد الأطباء العراقيين الذين شهدوا معركة الفلوجة الثانية.