ميلاد يسوع
ميلاد يسوع وهو حديث ميلاد يسوع المسيح أو تجسده حسب العقائد المسيحية، ويحتفل بها في ثلاث مناسبات هي عيد الميلاد تذكار الميلاد الجسدي وعيد رأس السنة وهو عيد الميلاد حسب الشرع اليهودي وأساس التقويم الميلادي وذكرى ختانة المسيح؛ وعيد الغطاس وهو الميلاد الروحي. ويدعى الزمن الفاصل بين المناسبة الأولى في 25 ديسمبر (7 يناير في التقويم اليولياني) والثالثة في 6 يناير (19 يناير حسب التقويم اليولياني) زمن الميلاد، ويسبقه عادة صوم في الكنائس الأرثوذكسية وصلوات خاصة في الكنيسة الكاثوليكية.
تذكر حادثة الميلاد في إنجيل لوقا وإنجيل متى من زاويتين مختلفتين، وتشكل أحد أهم أركان الإيمان المسيحي، ولد المسيح حسب الأناجيل القانونية في بيت لحم، من أم عذراء، في مكان مقفر إذ لم يجدا مكانًا في النزل، بينما ظهرت ملائكة للرعاة، وحضر المجوس الثلاثة، في حين حاول هيرودس الملك قتله، فهربت العائلة إلى مصر.
رواية الحدث
في الإنجيل
تُذكر رواية الميلاد في إنجيلي متى ولوقا، وتغدوا الرواية في إنجيل لوقا أكثر تفصيلاً؛ عناصر الرواية الإنجيلية للميلاد مفادها أن مريم قد ظهر لها جبرائيل مرسلاً من قبل الله وأخبرها أنها ستحبل بقوّة الروح القدس بطفل "يكون عظيمًا وابن العلي يدعى، ولن يكون لملكه نهاية"،[لوقا 1/32] وعندما اضطرب يوسف النجار خطيب مريم من روايتها ظهر له الملاك أيضًا في الحلم تصديقًا لرواية مريم وتشجيعًا له، ويتفق متى ولوقا أن الميلاد قد تمّ في بيت لحم مدينة النبي داود لا في مدينة الناصرة حيث كانا يعيشان وحيث تمت البشارة، يعود ذلك تتميمًا للنبؤات السابقة حول مكان الميلاد سيّما نبؤة النبي ميخا، أما السبب المباشر فهو طلب أغسطس قيصر إحصاء سكان الإمبراطورية الرومانية تمهيدًا لدفع الضرائب، ولذلك سافر يوسف مع مريم وكان حينها قد ضمها إلى بيته كزوجته دون أن تنشأ بينهما علاقة زوجية، وعند وصولهما إلى بيت لحم لم يجدا مكانًا للإقامة في فندق أو نزل وحان وقت وضع مريم، فبحسب إنجيل لوقا وضعت طفلها في مذود ولفته بقماط.[لوقا 2/7] وإن ذكر المذود هو الدافع الأساسي للاعتقاد بوجود المغارة أو الحظيرة، لأن الحظائر عادة كانت عبارة عن كهوف أما المذود فهو مكان وضع علف الحيوانات، وكان أوريجانوس قد أثبت المغارة وقال أنه نقل القصة عن تقاليد أقدم،[3] وتُجمع تفاسير آباء الكنيسة أن ميلاد يسوع بظروف "فقيرة حقيرة" لتعليم البشر التواضع وكمثال على الترفع عن الأمور الماديّة، كذلك فإن المناخ اليهودي حينها كان ينتظر قدوم "الماشيح" ملكًا ومحررًا من السلطة الرومانية، وبالتالي فإن مولد المسيح يجب أن يكون كقائد عسكري أو ملك في قصر لا مذود، وفي ذلك إشارة إلى كون ملك المسيح ملكًا روحيًا لا دنيويًا.
في غضون ذلك، كان ملاك من السماء قد ظهر لرعاة في المنطقة مبشرًا إياهم بميلاد المسيح، وظهر في إثره جندٌ من السماء حسب المصطلح الإنجيلي، مُسبحين وشاكرين، أما الرعاة فقد زاروا مكان مولده وشاهدوه مع أمه ويوسف وانطلقوا مخبرين بما قيل لهم من قبل الملاك، ولذلك هم أول من احتفل بعيد الميلاد وفق التقليد. ولعلّ زيارة المجوس الثلاثة هي من أشد الأحداث اللاحقة للميلاد ارتباطًا به، ولا يُعرف من رواية إنجيل متى عددهم غير أنه قد درج التقليد على اعتبارهم ثلاث للهدايا الثلاث التي قدموها وهي الذهب والبخور والمر،[متى 2/11] بعد أن سجدوا له. كما أنّ أغلب الدراسات الحديثة تشير إلى أنهم جاؤوا من الأردن أو السعودية حاليًا، وأما التقاليد القديمة فتشير إلى أنهم جاؤوا من العراق أو إيران حاليًا. وقد قام نجم من السماء بهداية المجوس من بلادهم إلى موقع الميلاد، وكان النبي بلعام قد أشار إلى "نجم من يعقوب" سابقًا، وأشار الباحثون إلى أن النجم اللامع المذكور في إنجيل متى قد يكون اقتران كواكب المشتري وزحل والمريخ الذي تم بين عامي 6 و4 قبل الميلاد، وقدّم باحثون آخرون تفسيرات مختلفة. وبكل الأحوال فإن قدوم المجوس مع الرعاة يحوي إشارتين الأولى لاجتماع الأغنياء والفقراء حول يسوع والثانية اجتماع اليهود والوثنيين حوله أيضًا، بما يعني عمومية رسالة يسوع لجميع البشر. أما أبرز الأحداث اللاحقة للميلاد فهي ختان يسوع في القدس، وهرب العائلة إلى مصر خوفًا على حياته من هيرودوس الذي أراد قتله، ومن ثم عودة العائلة من مصر بعد وفاة الملك. ويذكر أيضًا، أن عيد الميلاد هو عيد ميلاد يسوع المسيح بالجسد أما من حيث الوجود، فهو منذ الأزل، وبالتالي وكما جاء في قانون الإيمان هو مولود غير مخلوق.
في الكتابات المنحولة
بحسب إنجيل يعقوب المنحول، فإن سالومة وهي أيضًا إحدى قريبات العذراء إضافة إلى قابلة مشرفة على ولادتها حضرا الميلاد؛ بحسب الإنجيل المنحول أيضًا فقد كانت سالومة تشكك في أن مريم قد حبلت فعلاً من الروح القدس وأنها كانت وستبقى عذراءً، فعندما ولدت العذراء تعجبت القابلة وسالومة فقد ظلت مريم عذراءً على الرغم من ولادتها، إذاك هتفت سالومة وتهللت وآمنت بكل ما كانت مريم قد أخبرتها به.
رواية الأناجيل المنتحلة عمومًا غير مأخوذ بها في الكنيسة أو في العقائد المسيحية غير أنها هامة لدراسة الفكر الديني لدى المسيحيين في القرون الأولى، كما أنها تعكس إكرام العذراء منذ العصور المبكرة في المسيحية، أما في رواية الميلاد الرسمية لا تذكر سالومة أو القابلة، لكن يذكر رعاة وقد ظهر لهم ملائكة وأرشدوهم إلى مكان الميلاد: "وجاؤوا مسرعين فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في مذود."[لوقا 16/2] وتختم رواية الميلاد: "وأما مريم فكانت تحفظ هذه الأمور جميعًا وتتأملها في قلبها."[لوقا 19/2]
التأطير التاريخي للحدث
رغم أن التقويم الميلادي يتخذ من ميلاد المسيح أساسًا لحساب السنوات، إلا أنّ غياب الدقة في الحساب من جهة، والأخطاء في طول السنة الشمسية من جهة ثانية حتى أصلحت في القرن السادس عشر من جهة ثانية، قد جعلت تاريخ ميلاد المسيح ينزاح عن الموعد الافتراضي له، الممثل في بداية التقويم الميلادي. ولما كانت الأناجيل القانونية الأربعة لا تذكر تاريخ ميلاد المسيح بشكل صريح، فإن استجلاء تاريخ الميلاد، يتم اعتمادًا على بعض التلميحات التاريخية، ومقاطعتها مع الأدلة الخارجية.
إن إنجيل لوقا، يذكر أن يوحنا المعمدان بدأ دعوته في السنة الخامسة عشر من حكم طيباريوس قيصر، وأن يسوع اعتمد بعد فترة وجيزة وكان له من العمر ثلاثين عامًا. ملك طيباريوس قيصر شراكة مع أخيه عام 11 ومتفردًا عام 14، وبالاعتماد على التقويم الأول يكون يوحنا قد بدأ دعوته عام 26-27 وبالتالي يحدد تاريخ ميلاد المسيح بالعام 4 قبل الميلاد؛ وهو يتفق بذلك مع إنجيل لوقا وإنجيل متى اللذان يذكران بأن المسيح قد ولد في عهد الملك هيرودس، والذي حدد معظم الباحثين تاريخ وفاته عام 4-3 قبل الميلاد، استنادًا إلى يوسيفوس فلافيوس. هناك دليل فلكي يعتدّ به عدد من الباحثين، فإن إنجيل متى، يذكر نجمًا عظيمًا ظهر تزامنًا مع ميلاد المسيح ولعلّه هو اقتران كواكب المشتري والزهرة والمريخ الذي تم نحو 6-4 قبل الميلاد. هناك نظرية أخرى، وهي الأقرب للتقليد، باعتبار المسيح، ولد نحو العام 2-0 قبل الميلاد، وتقوم على احتساب السنوات الخمس عشر لحكم طيباريوس قيصر من حكمه منفردًا عام 14، هذا يجعل العماد نحو 28-30 أي الميلاد نحو 2-0 قبل الميلاد/الميلاد، داعموا هذه النظرية يؤخرون تاريخ وفاة هيرودس الكبير لنحو العام 4 للميلاد.
المصدر
انظر ايضا