المجتمع العراقي

اذا اردنا ان ندرس اوضاع اي مجتمع من المجتمعات,يتوجب علينا اولاً معرفة الخصوصيات التي تتمحور حول هذا المفهوم,وبيان حقيقتها من الناحية الفلسفية, بعيداً عن التعريفات العلمية السطحية,والتي لاتسلط الضوء بالصورة المباشرة والدقيقة.فالمجتمع وفق الرؤية العلمية يظهرعلى شكل خلية مجتمعة لها تقاليدها وثقافتها الخاصة,وهذا التعريف غير جدير بأن يبرز المعالم الحقيقية للمجتمع,مالم يتم البحث في هذا المفهوم بالصورة المتعمقة والموضوعية, والتي تتناول الخوض في جميع الجوانب سواء كانت خارجية ام داخلية,لذا سوف نتبنى في بحثنا الوجه الاخير من التعريف اخذين بالاعتبار الجوانب المهمة والمؤثرة فقط,هذا بالاضافة الى تسهيل المطالب وفق طرح الامثلة التي تقوم بدور التبسيط الفكري للرؤيا التي سوف يقوم عليها بحثنا.

اما من ناحية ابراز المجالات الجزئية في توجهات افراد المجتمع وادوارهم الذاتية, فهو موكول الى ابحاث اخرى,كونه يعتمد على تشخيص الظروف الموضوعية للفرد, من ثم دراستها وفق اطار شخصي تكون احكامه قصيرة المدى,ومتعلقة بمطلب لايمكن تحويله الى نظرية شمولية.ولهذا السبب سوف يكون اتجاهنا في البحث قائم على اساس تفسير الظواهر العامة للمجتمع,من خلال معالجة جذورها الاصيلة والمسببة لها,من ثم دراسة مجتمعنا العراقي على النحو الاخص بنفس الاسلوب الاول. وانا برأيي ان دراسة الظواهر العامة للمجتمع وفق مبدا جوهري لايشكل سوى اسهاب في الحديث دون فائدة.وقد اخذ الكثيرون بهذا الجانب في دراستهم للمجتمع العراقي,غير مكترثين بالاسباب التي ادت الى تنشئة هذه الظواهر والطبائع, لذا كانت النتائج التي توصلوا اليها سلبية وقاسية بحق المجتمع العراقي,من ثم قادتهم استدلالاتهم الى تصنيف التقاليد والتوجهات سواء كانت عامة ام فردية على اساس انها صفات جوهرية تمثل حقيقة نابعة من الذات العراقية,او انها تُعبرعن خليط من افكار المجتمعات القريبة.

علماً ان ثقافة الانسان وطبائعه ليست الا قضايا عرضية مُكتسبة من خلال المحيط الاجتماعي والتجارب الخاصة.وهذه المكتسبات متعرضة للزوال والتغيير بتغير الظروف المحيطة بذلك الانسان.لذا لايمكن لنا ان نصنف المظاهرعلى انها جوهر خاص ثابت,ولايمكننا ايضا ان ندرس اي ظاهرة بدون الاحاطة الكاملة بالظروف التي خلقت هذه الظاهرة والتي ادت الى نشأتها.والنقطة الاهم في هذا المدلول هو ان اكتساب اي صفة اجتماعية من المجتمعات الاخرى لاتتم بدون توفر الارضية الكاملة لقبول هذه الصفة,وتقبل المجتمع لها يتم على نحوين.اولهما الخضوع المباشر بسبب الظرف القسري, كالحصار الاقتصادي الذي عانى منه الشعب العراقي, ثانيا توفر الشروط الموضوعية والميول النفسية لدى الافراد لتطبيق هذا الامر.ولدرجة التفاعل النفسي اثرا خاصا وفعالاً في هذا الجانب,حيث تمثل احدى الشروط المهمة التي يتوجب علينا الالتفات لها بموضوعية تامة. بالاضافة الى انها تُعتبر جانبا من صنيعة المؤثرات الخارجية والداخلية,وموضوع تفاديها وتغييرها من قبل المجتمع يُعتبر من الامور الصعبة الى حد ما.فليس من السهل على الفرد العراقي ان يطبق اي معالم لثقافة جديدة مالم تتوفر له ميول نفسية ,ومالم يتوفر تفاعل نفسي مع هذا الامر.بغض النظر عن كيفيته من الناحية السلبية او الايجابية.

وهذه الميول ان وجدت, فانها تعيش حالة صراع وتناقض مع الحدود الخلقية التي تُفرض من الجانب الذاتي والجانب الاجتماعي,ولتبيان هذا الامر نذكر هذا المثال البسيط.-لو كان هناك شخصاً تعود على ارتداء زي محتشم في مجتمع معتدل ومنضبط ,وفجأة اراد تغيير هذا الزي الى الاتجاه المغاير, اي -الغير محتشم ,فانه سيواجه صراعا مع المكتسبات الاجتماعية في ذاته والتي ترفض هذا الزي الجديد, وسيواجه صراعا اخر مع المجتمع الذي يحيط به كونه اصبح مخالفا لنظرائه من الناس.وندرك من خلال هذا المثال, ان هناك حدود اخلاقية ذاتية ,واجتماعية عامة ,والذاتية تكون دائما من صنيعة العرف الاجتماعي والاكتسابي سواء كانت على مستوى التجربة الخاصة ام من خلال التلقين الاسري. اما العامة فهي تمثل صنيعة المؤثرات الخارجية والداخلية .لذالك يتوجب علينا ان نبحث اولا في هذه المؤثرات بالصورة التفصيلية مسلطين الضوء على اهمها واكثرها شأناً في بناء الاعراف والتقاليد,فضلا عن تكويين المعايير الخلقية والثقافية لدى المجتمع والافراد..

المجتمع وأساسياته

يمثل هذا المصطلح اي -المجتمع- مفهوم اعتباري مُنتزع من الخارج,وهو في حد ذاته يعبر عن مجموعة من الافراد لها تقاليدها واعرافها الخاصة كما ظهر في التعريف العلمي السابق,وهذه التقاليد والاعراف هي وليدة لعوامل شتى,اولها واهمها شأناً ,العامل الاقتصادي, ثم الجغرافي ,والبيئي, والنفسي,والديني,وكل هذه المؤثرات تأخذ ادوار متعددة في التأثيرعلى مجالات الحياة بأنواعها,فتارة تتخذ دور الدافع وتارة تتأثر هي بالعوامل الاخرى.وحال هذه المؤثرات ينطوي تحت ما يسمى الحلقة المفرغة, او الدائرة المستمرة في الحركة .حيث ان كل واحد من هذه المؤثرات يتعرض الى حالتين,تارة محرك ودافع,وتارة متحرك بالغير,فالعامل الاقتصادي قد يؤثر على العامل النفسي, وقد يكون الحال معاكساً بنفس الوقت,وهذا هو الحال بالنسبة لبقية العوامل.اما بالنسبة لانفراد عامل واحد في ادارة المجتمع وتحريك بناه الفوقية,فهذا القول قالت به الماركسية,مرجحة العامل الاقتصادي كعامل اوحد في حد الفكر الاجتماعي بتنوعاته.

الا ان هذه النظرة تساقطت قواعدها امام الواقع,الى ان صرح انجلز في كتاب_ضد دوهنرك_بانه قد بالغ كثيرا في هذا الامر مع ماركس من اجل معاندة خصومهم.والجهة الاخرى التي تبنت تفسير حركة المجتمع على اساس العنصر الواحد,كانت ضمن رؤى فرويد التحليلية والتي ادعى من خلالها بان العامل الجنسي هو الدافع الاول والمحرك لدى الفرد في داخل المجتمع.الا ان البعض من علماء النفس قد اثار تأويل حول هذه النظرية,واشار الى ان فرويد لم يكن متبنياً هذا العامل بالصورة الحرفية التي ظهرت في النظرية,وانما كان يريد المجال العاطفي برمته,اي بما يسمى -اللبيدو-واي تفسير يكون؟, فمن الخطأ تصور تحركات الفرد وميوله تنبع وفق عنصر احادي الدور.علماً ان التأويل الذي اُثير تجاه نظرية فرويد لم يأت بشئ جديد فهو كما يقول -ان الانسان يتحرك بقواه-وهذا الامر ثابت بثبوت الموضوع, ولاحاجه لابراز ثبوتيته.

وعلى ضوء هذه التصورات نلاحظ ان النظريات التي تناولتها الماركسية والفرويدية يغلب عليها طابع الملاحظة,والبعيد جدا عن المستوى التجريبي.لذا نرى فرويد في احد مؤلفاته يطرح صورة نظيرة للتصور الماركسي,فينقل عنه _د اسبورن في كتاب الماركسية والتحليل النفسي-ان الاساس الذي يرتكز عليه المجتمع الانساني هو في النهاية من طبيعة اقتصادية-.وفي الحقيقة ان اي تفسير ينطلق من اساس العنصر الواحد سوف يُبلى بالفشل,مادامت هناك عناصر عديدة تقوم بدور المحرك والمُغير للفكر والتوجه الاجتماعي.فلايمكننا ان نتصور بأن رغباتنا في التفكير والتزاماتنا الاتجاهية في المجتمع هي وليدة او محدودة بتأثير العامل الاقتصادي فقط,ولايمكن ان تكون جميع الانفعالات والمؤثرات الخارجية خاضعة للعامل الاقتصادي مادام هو ذاته متعرض للتأثير من قبل عوامل اخرى.ومن هنا طُرحت تساؤلات عديدة تجاه المذهب الاقتصادي في تفسير البنى الفوقية حول السبب الذي لم يجعل المجتمع برمته يفكر باسلوب واحد مادام العنصر المؤثر بالنتيجة هو واحد فقط.وقد اجاب بليخانوف وهو احد المنتسبين الى هذا المذهب بقوله.-كتاب الفن والتصور المادي للتاريخ- يستطيع علم القذافة ان يحدد مسار كل قنبلة,ولكنه لايملك ان يقول لماذا سقطت هذه الشظية هنا ولم تسقط هناك.-.يلاحظ من كلام بليخانوف العجز في فهم الاسباب التي جعلت الناس تفكر بصور مختلفة,في حين انه يلتزم بالعامل الاقتصادي كمؤسس رئيسي لحد المجتمع بصورة معينة من التفكير,وقد جمهر استدلالاته في كتابه المذكور لدعم نظريته من خلال الاحداث التي جرت في بعض الدول الغربية,متبعاً اسلوباً مشابهاً للذي اتخذه ماركس في دعم نظريته -المادية التاريخية-.اما نحن فلسنا بصدد الكشف عما عجز عنه بليخانوف,ولكن النقطة المهمة التي غابت عن تصوراته هي ان المؤثرات التي تهيمن على المجتمع هي بالضرورة تقع على الفرد اولا, وكل فرد له كيانه الذاتي الخاص الذي يتبلور من خلال التجارب والظروف الخاصة, هذا بالاضافة الى تدخل العامل الوراثي في كثير من القضايا البيولوجية والنفسية والتي لم نرى اي اشارة اليها من قبل متبعي العامل الاقتصادي.والمسألة الاخرى والتي يكمن بها جوهر الاهمية هو ان تفاوت الكم والكيف في العامل المؤثر له الدور الاكبر في خلق تفاوتات في التأثير والنتيجة,وفي الوقت ذاته اختلاف كيفية وكم المتأثر تخلق ايضا نتيجة مختلفة.ولتبسيط الامر نأخذ هذين المثالين-لو قمت بتجربة على ثلاث اشخاص متناسبي الاعمار لتناول اقراص منشطة وتناول احدهم قرصين بينما البقية تناولوا قرص واحد, فمن المؤكد ان يكون التأثير اكبر بالنسبة للشخص الذي تناول القرصان كون كم المؤثر وقع بنسبة اكبر.

اما اذا اعطيت الجميع نسبة واحدة من الاقراص فهل هذا يعني ان نتيجة التاثير ستكون متساوية؟والجواب كلا, فمن المحتمل ان تكون الظروف الموضوعية التي تحيط بكل الاشخاص هي مختلفة فيما بينها ,لذا يكون الانفعال مطردا بالاختلاف,فقد يكون احدهم صاحب بنية غير قوية فيحتاج الى نسبة اكبر او نوعية خاصة,او يكون احدهم غير مهيأ نفسياً لتلقي هكذا اقراص فتكون النتيجة سلبية في حقه.وهكذا يظهر من خلال المثالين وجوب الالتفات الى المتأثر- المنفعل- كونه شريك مباشر في النتيجة.والسبب الذي جعل بيلخانوف عاجز عن فهم الاختلاف هو اقتصار دراسته على العامل الفاعل دون المنفعل كما ظهر في مثاله المذكور..

الثبوتية في صفات المجتمع واصالتها الجوهرية

كل ماهو موجود يتأثر بالضرورة بعوامل خارجية وداخلية.والمجتمع احد هذه الموجودات التي تزاحمها المؤثرات بالصورة الدائمية,هذا بالاضافة الى ان هذه المؤثرات تساهم تارة في خلق المجتمع وتارة الى تغييره.ومن هنا ندرك ان الثبوتية في التوجه الاجتماعي امرا لايتفق مع الواقع,وان المجتمع يتعرض الى حالتين اولهما الخلق والثانية التغيير المستمر.حيث انه لايمكن لنا ان نصف اي مجتمع ما بوصف ينبع من تراثه وثقافته, معتبرين ان هذا الوصف هو امر قائم الى ما لا نهاية.بل يجب علينا ان ندرك,ان المجتمع قائم على هذه الاساسيات بتوفر العوامل واستمرارها.لان النظم الاجتماعية تستمد خصائصها وتوجهاتها دائما من المؤثرات.فاذا ولد الفرد العراقي بدولة تختلف من ناحية التكوين الخُلقي والثقافي والمناخي,فيكون حينها شخصا مغايراً للاطباع والثقافة العراقية ,كون الثقافات والتقاليد لا تورث,بل تكتسب من المحيط الخارجي.ولهذا السبب نجد ان الكثيرين من الافراد الذي ولدوا في المهجر يحملون ثقافة مغايرة لثقافات اوطانهم.بينما يبقى الانسان الذي يعيش في وطنه حاملا لنفس التراث والتقاليد الاصيلة في مجتمعه.واذا اردنا ان ندرك حقيقة المكتسبات بصورة مبسطة نطرح المثال التالي-لو جلبت قطعة من الحديد وسلطت عليها حرارة بكيفية معينة فأن هذه القطعة سوف تكتسب الحرارة وتتمدد ما دام التسليط مستمراً,اما اذا رفعت الحرارة عن هذه القطعة ,فسوف يعود الامر الى سابقه,وينتفي الحال الثاني,كونه امراً عرضياً لاجوهرياً,وعلى ضوء هذا الامر نرى ان الصفات المكتسبة هي امور ليست من الثوابت بل تتكون من خلال العلل والمؤثرات.لذا لا يمكننا ان نصنف اخلاقيات المجتمع وطبائعه على انها جوهر ذاتي.في حين يمكننا تصور التقبل نحو التغيير هو امر جوهري وثابت لدى الافراد.فكل فرد من الافراد يحمل حقيقة جوهرية تسمى -التغيير-وهذه القضية تُعتبر من القضايا الذاتية وتدخل ضمن التركيب النفسي والتكويني للانسان,الا ان كيفية التغيير تتعلق بأمرين مهمين,اولهما مدى تعلق الانسان بأفكاره وثقافته الاولى,والثانية درجة التفاعل النفسي مع الثقافة والفكر الجديد,ويعتمد كلاهما على ظروف خاصة تُبنى من خلالها اساسيات التحول ..

المعايير الخلقية ودورها في المجتمع

تشترك جميع المجتمعات بالزي الاخلاقي والذي يمثل الشريعة او القانون المدني الحاكم ,وهذا الزي بحد ذاته هو وليد لحقبة طويلة من الاحداث والصراعات التي دارت داخل المجتمعات.الا انه يختلف نوعيا من حيز الى اخر.وهذا الاختلاف هو نتاج الافتراقات الجغرافية والبيئية والاوضاع التي تجمهرت وشكلت نظماً اجتماعية خاصة لكل مجموعة من المجاميع.ونستطيع ان ندرك من خلال هذا الاختلاف انه لايوجد اي نظام اجتماعي يمثل كل الكيانات الثقافية.لذا علينا ان نفرق مابين الاخلاق بالوجه الاعم والمذهب الاخلاقي بالوجه الاخص,فالاول يُتناول بحثه تحت ما يسمى علم الاخلاق وهو يهتم في تفسير الظواهر الاخلاقية وتحديد ماهيتها,والوجه الاخص يمثل اتجاه او اسلوب معين في البناء,كالتقاليد العراقية والاخلاقيات التي يسير عليها العراقيين في مجتمعهم. وللقوانين الاخلاقية رؤى خاصة من قبل بعض المفكرين,حيث انها لاتشكل بالنسبة اليهم سوى قانون مدني طارئ اوجدته القبائل البدائية من اجل تذليل بعض الصعوبات او تسيير بعض المناهج الفكرية في المجتمع.ويرى اخرون ممن عاصر سقراط,ان الاخلاق عبارة عن اداة يستخدمها الضعيف كسلاح بوجه القوي, وهي بحد ذاتها نوع من انواع الخوف المبُرر.اما نتشه صاحب فلسفة المطرقة,فهو لايؤمن بأي شي يجسد الاخلاق,فهي بنظره ليست سوى كبت للغرائز,وسدود عالية تقف بوجه سعادة الانسان .ولنظرة نتشه المادية تجاه العالم الدورالاكبر في جعل الاخلاق بالنسبة اليه مصداقا للبؤس الظلامي.وهناك كثير من الاراء لايسعفنا المجال لدراستها, قد حكمت على الاخلاق بطرائق سلبية وغير موضوعية,والسبب في ذالك هو التوجه المادي لتفسير مظاهر الحياة,ثانيا الاختلاف الاخلاقي بين المجتمعات وعدم وجود نسق واحد لتحديد ماهية الاخلاق,مما أدى الى خلق تصور يُنفى من خلاله اي حقيقة تصورية لمبادى الاخلاق.

وفي الواقع ان نفي موضوعية الاخلاق وفائدتها في بناء الكيان الاجتماعي هو امر لايُعد ان يكون ناتج من دراسة سطحية ومادية الطابع كما ظهر من موقف نتشه.-فالاخلاق عبارة عن حاكم نفسي يُسير الانسان نحو خلق كمالاته الشخصية,ويقف بوجه الاخطاء التي تشكل خطرا عاماً لذاتيته,فلو نظرنا الى الحياة وقوانيها سواء كانت مدنية ام دولية ,سوف نجد انها لاتسد الحاجات الانسانية والاجتماعية والتي تفيض في كل لحظة.فالقانون الدولي لاتتجاوز حدوده المرئيات والحسيات في كبح الاخطاء والجرائم.اما القانون الاجتماعي فهو يشترك مع القانون الدولي في مسيرته الا انه لايحد بنفس الصورة التي يتبناها القانون الاول .ومن هنا نرى ان الحاجة الى القانون الثالث وهو الاخلاقي الشخصي,والذي يمثل الرقيب الغيبي على نفس الانسان.او نستطيع ان نطلق عليه الضمير الاخلاقي,والذي يحد بالانسان من اقتراف الاخطاء ويُسيره على المنهج الصحيح..

المجتمع العراقي

بعدما طرحنا المقدمات الاساسية لكيفية دراسة المجتمع بالنحو الاعم, نقوم الان بتسليط الضوء على مجتمعنا العراقي,باحثين في محتواه بالصورة الحيادية والبعيدة عن العاطفة والرؤى الشخصية الناتجة عن التجارب الذاتية,والتي لايسعها المجال للتعميم ,بالاضافة الى استخلاصاتها الغير ايجابية والقاسية.-علما ان دراستنا سوف تشمل فترة الثمانينات ابتدائاً ,وانتهائاً بأيامنا هذه.وسوف نتناول اهم محاور وجذور البنى الفوقية الاجتماعية,من ثم تقسيم الجوانب الفكرية وفق الاختلاف الطبقي والذي يشكل دورا فعالا في خلق ظروف معينة ادت بدروها الى تنشئة مجموعة من القضايا السلبية داخل المجتمع .جدير بالذكر ان اختيارنا لمصطلح -مشكلتنا -هو من اجل تسليط الضوء على هذه المحاور,من ثم زرع محاولات لأجل اصلاحها,او لغرض تنبيه القارى على محتواها الغير منظم وفق الألية الصحيحة

مكونات المجتمع العراقي

اعلم ان المجتمع العراقي يتألف من عدة طبقات رئيسية,اولها الحاكمة الدكتاتورية,ثم الطبقة المثقفة, والتي بدورها تنقسم الى قسمين, طبقة في خدمة النظام الحاكم ,وطبقة ابتعدت عن المجال التثقيفي والتربوي لاسباب واغراض معينة,علما ان النسبة الاكبر كانت في صف النظام, وهذا بدوره ادى الى ترسيخ الافكار الاستبدادية داخل المجتمع ومنها القساوة والتجاوز وعدم تقبل الافكار المغايرة,و يقع في قباله خلق طبقة مناوئة متعددة الهويات تدخل ضمن جميع الفئات,ثم ياتي بعد ذالك طبقة مدعي الثقافة وهم مجموعة قليلة الى حد ما انخرطوا باسم احزاب وانظمة خاصة, من اجل اظهار صورهم بالزي الثقافي,من ثم طبقة التجار والذين ليس لهم اي دور فعال في ادارة البناء الفوقي الاجتماعي,من ثم طبقة الفقراء وهم الغالبية العظمى -علما ان مصطلح -فقراء- اعني به الطبقة المتوسطة في المعيشة وما دونها,وغالبية هؤلاء وقعت عليهم المسؤولية في تحمل المآسي والحروب التي فرضها النظام السابق,لذا كان اغلبهم ممن يقف ضد هذا النظام ويحاول قدر الامكان السير نحو الوصول الى تغيير السلطة ولاجل ايقاف مأساته.من ثم انقسمت هذه الفئة الى مجموعات,قسم استمر في مقارعة النظام وقسم تخلى عن مواجهة السلطة وعاد الى حياته الطبيعية وقسم التحق بالنظام من اجل توفير حظ البقاء والتخلص من الايذاء السلطوي والاقتصادي الذي كان يرافق المجتمع العراقي منذ تسلم البعث قيادة الحكم,

الحروب..

تزامنت الحروب التي خلقها النظام مع ابتداء فترة حكمه الدكتاتورية,وكانت تشكل اول نذير شؤم تلبس في اذهان المجتمع العراقي,حيث ان الموت من اجل اللاشئ كان يمثل الهاجس الذي يرافق الناس اينما كانوا.و حينها كان المجتمع يعيش في حالة ضغوط نفسية ناتجة عن الواقع الذي صرفته الحرب نحو اتجاهات متعددة.وبالرغم من هذه التعددات لها كيفيات متنوعة, الى انها كانت ترمي الى مستوى واحد من ناحية النتيجة,حيث حدت بالتوجه الاجتماعي نحو مسالك سلبية وخلقت مظاهر ومفاهيم خاطئة لايمكن تصورها من ناحية النشوء ليتم كبحها او صرفها عن الواقع الموضوعي .ولسوء طالع المجتمع العراقي هو ان طبيعة المظاهر والمفاهيم الاجتماعية لا تنشأ على شكل دفعة واحدة ليتم الالتفات اليها بالصورة المناسبة من ثم معالجتها وفق الية خاصة,بل تنشأ بصورة تدريجية لايُلتفت اليها, من ثم تترسخ ذهنيا على مستويات مختلفة,وتكون الاحاطة هي الصفة التي تغلب على طابعها,لذا لم يستطع اي عراقي النجاة من هذه الريح التي كانت تعصف بالنفس وتحطم كيانها سوى المقربين من النظام,وجزء كبير من التجار الذين كانوا ينعمون بحياة الترف والرقص على الاشلاء.اما الطبقات الاخرى ومنها المتوسطة,فكانت هي من يتلقى الويلات والطعنات وتحمل عبأ الاخطاء الفادحة التي يرتكبها الحكم الدكتاتوري,و في الوقت ذاته كانت تعاني من الاضطهاد الداخلي لسبب رفضها الاسلوب المتبع في الاستبداد في السلطة وتسيرها حسب منهج يقع في خدمة النظام وحده.وان من نتائج هذه السياسة -جعل الفرد العراقي في بوتقه يأس تجاه العيش في وطنه بكرامة,جعل الفرد العراقي في منأى عن الوفاء الوطني بعد ما شعر من ان الوطن مصروف لخدمة مجموعة معينة,جعل الفرد العراقي منهمكاً في كسب رضا السلطة وتطبيق مبادئها التي ترمي الى اتجاه سلبي اوحد,الابتعاد عن ممارسة الحق في استمداد التثقيف الصحيح والتربية المنهجية,اتباع منهج محدود بالأدلجة السلبية والمفروضة ذات النمط الثقافي الواحد.وهذه الامور كلها قد ادت الى خلق ادوار فكرية جديدة قد توالت بنفس الاتجاهات, متخذة طراز واحد متعدد الكيفيات كما اسلفنا...

الاضطهاد الداخلي.

كان الاضطهاد الداخلي يشكل احدى الضغوط التي تلي الحروب من ناحية قيمتها الفعلية على نفسية الفرد العراقي,وقد لعب هذا الاخير دورا مهما في تسيير افاق الحكم الدكتاتوري وفق المنهج المطلوب,مخلفاً ورائه نتيجة لايمكن تصورها قد ادت الى خلق كيانات مختلفة ومتصارعة بصورة موازية لما كان من تفاقم يسود الاجواء الاجتماعية.الا ان هذه الكيانات كانت تشترك بهدف واحد بالرغم من تعددها,وهو-البقاء- فقد كان البقاء والرفاه صورة يتمناها كل فرد عراقي منسحق تحت هذا التسلط الموحش,لذا كان العراقيون يرون وفق احساساتهم بالواقع الموضوعي,ان العراق لهو السجن الاكبر,ولايمكن تحقيق اهداف اي فرد بدون الهروب من هذا السجن.حيث انهم يعيشون في معزل عن العالم الخارجي,وهذا ادى بدوره الى عدم مواكبة المجتمع العراقي للمجتمعات الاخرى على جميع المستويات ,منها التكنولوجية والفكرية.وكل هذه السلبيات التي كانت تحوم حول الاذهان قد خلقت مآسي نفسية عديدة. اولها اليأس الذي كان يصحبه الالم اينما حل,التقاعس في بناء وتطوير الذهنية العراقية كون هذا الامر لايقع في صالح النظام,خلق الفوضويات في التعاملات الاجتماعية,ردود الافعال الجافة وعدم تقبل الرأي الاخر,الانجماد الثقافي وخلق الذهنيات المشوهه,الكبت النفسي وتحمل مرارة التصريح بالرأي ان وجد,الانقياد المطلق نحو الانا ومحاولة اشباعها دون قيود وشروط,الابتعاد عن الدين والعقيدة الخُلقية وفرض قوانين وضعية تناسب الميول الذاتية.

وعلى اثر هذا الاخير صُنف المجتمع العراقي على انه ازدواجي التوجه.وفي الواقع ان هذه الصورة الغير متكاملة المعاني,هي نتيجة تقع ضمن سلبيات الواقع النفعي المفروض,وليس لها اي منشأ ذاتي ولا تعبر عن الخصائص الحقيقة للفرد العراقي,وقد اشرنا في مبحث الثبوتية من ان الصفات الاجتماعية هي وليدة لظروف معينة ولاتمثل الجوهر الحقيقي,ناهيك عن وجود هذه الصفة في داخل كثير من المجتمعات ومنها الغربية,فلا يجدر بنا ان نتعامل مع هكذا صفات وفق اطار مظهري من ثم تعميمها على اساس الاصالة والحقائق الذاتية,خصوصا ان التغيير هو اساس الواقع النفسي والاجتماعي في الحياة,فلا يمكن ان يوجد اي مجتمع بدون تغيير,والسبب يعود للارتباط المباشر مابين المجتمع والواقع الموضوعي,فأذا تغير الواقع المحيط يكون المجتمع متغيراً بالاطراد,.ولكن علينا ان نستذكر ما قلناه في تمهيد بحثنا حول التفاعل النفسي والارضية الواقعية ,حيث ان هذين العنصران يشكلان القاعدة الاساسية لكمال تنشئة الواقع الجديد,اما في حال عدم توفرهما ووجود ظرف قسري فينتج حينها ما يسمى التكيف الاجتماعي..

الحصار الاقتصادي

لربما واحدة من المآسي التي حلت بالمجتمع العراقي واضافت آلام جديدة اسفرت عن تغير نمطي في المنهج الحياتي,وخلقت تداعيات خطيرة لايمكن استيعابها بسهولة من ناحية الكم والكيف.فالعامل الاقتصادي كما ذكرنا هو اهم المؤثرات على الكيفية الاجتماعية,وهو احد المُسيرات الرئيسية للاتجاه الذي سوف يمثل امامه المجتمع برمته.حيث انه يشكل قاعدة صميمية داخل المجتمع بالرغم من احتلال كثير من المؤثرات لجوانب اخرى داخل المجتمع,فأن ارباك هذا العامل بمؤثرات شتى يخلق ازمة حقيقية في تنقلات المجتمع الفكرية,من ثم يُفرض الطابع النفعي بصورة موضوعية على جميع فئات المجتمع المتضررة,وهذه الفئات بدورها كيان بشري يتعامل وفق طبيعة نفسية-الفاعل والمنفعل-يكون لها ردود افعال انعكاسية قد يهيمن عليها الطابع السلبي,من اجل ازالة الازمة او الحد منها,وما ان استمرت المشكلة تستمر البحوث والحلول بصورة اطرادية ينتج من خلالها اتجاهات ذات طبيعة نفعية وذاتية, وهذا الاخير بدوره يخلق مجالات اخرى بصورة مطردة لاتقل سلبيتها عن الازمة الرئيسية وهكذا دواليك.فما دامت الازمة الرئيسية مستمرة تنشط فعاليات مجابهة من اجل المواجهة, وتتطور هذه المجابهات الى ان تصل الى مآسي خطيرة تعصف بالمجتمع الى هاوية ظلامية,وهي تبرير الوسائل التي تُرجح من اجل خلق اكبر عدد من الحلول,وهذه الوسائل بحد ذاتها تكون مرتبطة ارتباطاً مباشراً بتفاقم الازمة ,فكلما زادت الحدة يقع في قبالها تزايد في تنوع الوسائل الى ان تصل الى الاجرام والنهب.وهذا فعلا ما حصل داخل العراق في طيلة الفترة المأساوية ,فقد اتجهت المعايير الخلقية الى الذوبان,وبدأت الشخصية العراقية تتقمص ادوار متعددة للحيولة دون السقوط في الهاوية الظلامية التي انشأها النظام السابق والدول المتأمرة,ثم انشغل المجتمع في بذل الجهود تجاه توفير مادة العيش وابتعد عن المجالات التثقيفية والتربوية,واصبح الجشع الصفة التي تطغي على حلبة المصارعة ,وهربت الكفائات التي كانت تدير شؤون الناس وتلبي حاجاتهم الى الخارج, وتركت فراغاً هاما لايمكن ملأه,واصبح المجتمع بدون قادة فكريين وتربوين,وعم الفقر والسخط وعطلت نسبة كبيرة من الزواجات وادت الى بروز الكبت الجنسي من ثم خلقت دوافع كانت سبباً كبيراً في انتشار الفساد. ولا اريد ان انكر هنا الصبر والحكمة التي برزت داخل المجتمع العراقي,من ناحية التكيف وخلق الاوضاع التي تلبي حاجات المجتمع انذاك,بالرغم من عدم استجابة بعضها بسبب قساوة الظرف والحال الذي كان يسيطر انذاك,وقد يكون هذا الموضوع اي -التكيف-قد امتاز به العراقي عن غيره من الشعوب بالرغم من انها صفة ذاتية متعلقة بكل انسان,وذلك بسبب كثرة تقلب الاحوال والاوضاع في داخل العراق من حين لاخر,حيث جعلت من الفرد العراقي في حال استعداد تام لأي وضع جديد..

عراقيو المهجر

قد شكل الاغتراب عن الوطن واحد من اهم الحلول التي انتزعها العقل العراقي من خلال الواقع المرير الذي كان يخيم انذاك, حيث ان المهجر في نظر الفرد بات يشكل عكس المفهوم المتعارف عليه من الناحية السلبية.فقد اصبح عاملاً مهماً وهدفاً خاصاً بالنسبة للغالبية التي تعيش بين اسوار العراق.و تحولت فكرة المهجر من فكرة سوداوية تحمل في صميمها آلام الافتراق والابتعاد عن الاحبة,الى حلم سرمدي يطوف في قلب اغلب العراقيين من اجل البعد عن المآسي والظلم والاضطهاد. وفي الواقع ان هذا الانطباع جاء من خلال سببين مهمين,اولهما اليأس الذي بدى يملي صدور افراد المجتمع العراقي من الحياة الروتينية والمفعمة بالبؤس والانعدام,والسبب الثاني هو الانعزال الاجتماعي عن دول الخارج والذي سببه النظام السابق,حيث ان الافكار الطاوباوية المجردة كانت السمة التي تغلب على تصوير حياة المهجر,لاسيما وان بدت بعض الاحايين سلبيات المهجر على الذهن قبل التجربة.فأن العراقي كان يفضل اي شي عدا العراق كونه يشكل الاسوأ بالمقارنة مع السيئ.ونحن هنا لسنا بصدد البحث في جميع الفئات التي تعيش في المهجر,كون هذا الامر متعلق بنوع الحياة وكيفيتها على ارض الواقع الجديدة,فالفرد الذي يجد حياته في النمسا هو غير الفرد الذي يعيش في الدنمارك,ولو قارنا بشخصية واحدة في حيال حياتها بين النمسا والدنمارك لكانت النتيجة مختلفة تماما.فالمجتمعات لاتتشابه فيما بينها وهذا امر بديهي,هذا بالاضافة الى ان حياة كل فرد تحيط بها ظروف واحداث خاصة يتولد من خلالها مفهوم وردود افعال تكون بذاتها نتيجة للواقع الذي يحيط بذاك الفرد.لذا لايمكننا ان نصل الى صورة دقيقة في هذا الجانب,ولايمكننا البحث في طبيعة القضية من الناحية الجزئية.

لكن من الممكن ان نصل الى صورة ايضاحية تنطق بالعموميات دون الخصوص.فالشخص العراقي عندما توجه الى المهجر عانى من ثلاث قضايا,الاولى تمثل آلامه السابقة والتي مازالت اثارها تطفوا على حياة الحاضر,ثانيا الاغتراب والبعد عن الاحبة,ثالثا الوضع الجديد الذي قد لايلائم تطلعاته وتقاليده التي نشأ عليها.لذا ليس امامه سوى التغيير والتكيف مع الواقع الجديد بجميع نواحيه خصوصا ان بعض النواحي لايمكن تجاوزها او الانحراف عنها بأي وسيلة.وقد ذكرنا سابقا من ان الشخصية العراقية لها القدرة على التكيف,الا ان الوضع في المهجر قد يبدو صعباً الى حد ما من هذه الناحية,خصوصا اذا كان متعلقاً بمس التقاليد والثقافة,والفرد العراقي من النوع الذي يعلوا بتقاليده ومفاهيمه الى حد الشرف,واسقاطها او تغييرها بنظره هي بمثابة جريمة يرتكبها بحق نفسه وبحق شرفه,لذا ينظر اغلب العراقيين الى الشخص الذي غير ثقافته وتقاليده بانه شخص مشوه ,ولايكنون اليه الاحترام ولا حتى الثقة في التعامل.وقد يكون الشخص الذي يترك تقاليده ويتشبث بالغير صاحب امراً غير سوي,الا اننا يجب ان ننظر في محتواه الفكري.وانا برأيي ان الفشل في الحياة تحت ظل التقاليد القديمة قد يعطي انطباعاً وهمياً للعقل بأن التقاليد هي احد مسببات هذا الفشل,وهذا نوع من انواع الاسقاط في النفس,والتبرير المُشرع ذهنياً من اجل اعطاء فرصة اخرى للمحاولة او الهروب من الازمات السابقة.حيث ان كثير من الافراد عندما يعم الفشل في حياتهم يأخذهم تصور الى ان طبيعة هذا الفشل لاتكمن في ذاتهم الخاص,بل انما هو نتيجة الظروف والاعراف المحيطة من تقاليد وثقافات ودين.وفي الواقع ان هذا الانطباع الوهمي هو من تأسيس العقل ذاته وليس له اي مصداق في اغلب الاحايين.ولكن هذا لا يعني ان كل شخص تتغير ثقافته نتيجة لهذا العامل,ففي بعض الحالات تلعب الثقة بالنفس دوراً مهماً في تكوين هذه النقلات,ناهيك عن تصور البعض بأن هذا التغيير قد يساعدهم في التغلب على كثير من الصعوبات في حياة المهجر.بالاضافة الى ان التغير الفجائي في الحياة الاجتماعية يسبب تخلخل في التوازن النفسي,ويؤدي الى خلق نزعات في الرغبات يصحبه نوع من الخوف والذي يهدد فكره الاستقرار.

المصدر

  • دراسة حول المجتمع العراقي - جعفر الغرابي