نبو نيد

نَبو نيد بالبابلية المتأخرة (نَبو- نا- يد Nabû-nāʾid) ملك بلاد بابل تزوج من ابنة نبوخذنصر وهي نكتوريس Nictoris من ما اهله إلى حكم الامبراطورية البابلية.وربما لهما علاقة بعائلة أشورية غير العائلة الكلدانية. أخذ الحكم من لبشي مردوخ الذي أزيح عن الحكم لصغر سنه (ربما أغتيل)

كان أحد ملوك بابل استلم العرش في عام 556ق.م وتنحى عن العرش سنة 539ق.م، كان أكثر عهده معتكفا بمدينة تيماء(مركز عبادة إله القمر سين)وترك ابنه بلشاصر ملكا لبابل وكان له اهتمام بالدين في دولته. ولذلك سبب له كهنة مردوخ بعض المشاكل. بدا غزو الفرس بالتحالف مع الليديين بقيادة قورش وكانت نهاية الدولة البابلية بإزاحته عن الحكم.

حياته وتوليه الحكم

حياته:

لم يكن هذا الملك من العائلة المالكة الحاكمة وهو يقول بصدد ذلك في أحد نصوصه : ( أنا نبونئيد الذي لم يتشرف بإنحداره من نسل ملكي ) ولكنه ينحدر من عائلة بابلية رفيعة المستوى فوالده كان أحد الوجهاء في مدينة حران ( الواقعة الآن في الأرض التركية ) وقد ورث نبونئيد منه ثقافته العالية وهذا ما إنعكس على شخصيته وتصرفاته الحكيمة عند توليه العرش بإحترامه للتقاليد والإنجازات التي قام بها من سبقه من الملوك أما أمه فقد كانت الكاهنة العليا لمعبد الإله سن في حران وهي من أصل ملكي آشوري وعندما تسلم نبونئيد العرش البابلي عام 556 ق.م فإنه لم يكن رجلاً غريباً عن البلاط الملكي حيث إنه كان أحد كبار الرجال الدبلوماسيين العاملين فيه . لم يكن نبونئيد يذكر في السابق بوصفه شخصية سياسية أثرت تأثيراً كبيراً في سياسة الدولة البابلية بل كان يذكر إنه شخص مولع بالكشف عن الآثار بحيث إنه يكون في غاية الإرتياح والسرور عند إكتشافه لأي حجر أساس في المباني القديمة عند قيامه بأعمال التنقيب فيها ولهذا فقد عد هذا الملك أول آثاري عرفه التاريخ ونتيجة لإهتمامه بالماضي فقد تم في عهده إستنساخ العديد من الوثائق القديمة وإعداد قوائم الملوك وقطع الآثار القديمة وتجميعها بإهتمام وبهذا فإن نبونئيد يتفرد عن ملوك العراق القديم بما إمتلكه من روح البحث والتقصي عن أخبار الماضي ودلت النصوص التي تم نشرها خلال العقود الأخيرة من السنين إن هذا العاهل كان رجل سياسة ذو قابلية فائقة لما إمتلك من خبرة كبيرة إكتسبها نتيجة عمله في البلاط الملكي البابلي قبل إعتلائه العرش . وكذلك عرف عنه براعته المعمارية في إعمار معابد الآلهة في المدن الجنوبية مثل أور ولارسا وسبار ففي أور قام بترميم زقورة أورنمو ومن المحتمل إنه جعلها تتكون من سبع طبقات كما قام بإصلاح البناء المخصص لسكن الكهنة ( E-par-gi ) وجدد مصلياته وملحقاته كما كانت من قبل كما بنى إلى جانبه قصراً لإبنته وهي الكاهنة العليا للإله سن في مدينة أور أما في مدينة بابل فقد قام نبونئيد بتجديد معبد الإيساكيلا الخاص بالإله القومي للبلاد مردوخ وجدد معبد عشتار وأثناء تجديده للسور الداخلي لمدينة بابل عثر على كتابات تعود إلى الملك البابلي نابو بلاصر ومن الملاحظ ومن خلال كتابات معظم الملوك إنهم يوصون من سيأتي بعدهم في الحكم بالعناية بآثارهم الكتابية وحفظها وقد وفي نبونئيد لهذه الوصية ليس في بابل وحسب وإنما في سبار أيضاً حيث قام بتجديد معبدها الرئيس حين شاهد كتابات الملك الأكدي نرام سن ( 2254-2218 ق.م ) ووضعها إلى جانب كتاباته ثم قام بترميم تمثال الملك سرجون الأكدي ( 2334- 2279 ق.م ) وقد أشار إلى ذلك في أحد نصوصه الكتابية والذي نستشف من خلاله مدى الإحترام والتقدير الذي كان يوليه الملك البابلي نبونئيد إلى مخلفات من سبقوهم من الملوك إذ إنه لم يحاول العبث بها وإزالتها بين مدى إحترام ملوك العراق القديم لمن سبقهم في الحكم , وكان عام 539 ق.م هو نهاية حكم هذا الملك ومع هذه النهاية ينتهي الحكم الوطني في بابل إذ شهد هذا العام دخول كورش الأخميني اليها .

تولية الحكم:

إشتهرت بابل بأنها قبلة العالم القديم وفاقت في شهرتها العديد من المدن العظيمة وتألقت في عهد مشرع القوانين حمورابي إلا ان عصرها الذهبي كان أيام الملك البابلي نبوخذ نصر الذي حكم خلال الفترة (604-562ق.م) وإشتهرت في عهده أسوار بابل العظيمة والجنائن المعلقة التي عدت من عجائب الدنيا السبع آنذاك،كما اشتهر نبوخذ نصر بالنصر الحاسم الذي حققه على مملكة يهوذا وسبيه اليهود إلى بابل اسرى بعد ان خانوا تعهداتهم اليه وتحالفوا مع المصريين ضده .ويمكن القول ان عهد نبوخذ نصر كان عهد نشاطات معمارية وان الاثار الباقية قي بابل بالدرجة الرئيسة من عهده.

بعد وفاة نبوخذ نصر عام 562 ق.م ، خلفه ابنه اميل-مردوخ ،لكنه قتل في ثورة بعد حكم قصير دام سنتين .ليحكم بعده نرجال-شاراوصر او(نركال- شار-اصر) وهو صهر نبوخذ نصر ، الذي اندحر انحارا كبيرا بعد قيامه بحملة عسكرية عبر طوروس فعاد إلى بابل عام 556 ق م ليتوفى بعد عودته مباشرة ،فنصب ابنه لباشي – مردوخ مكانه ،لكنه كان قاصرا ضعيفا فتم قتله عبر مؤامرة اشترك بها قادة الجيش والكهنة ليتم تنصيب نبونائيد مكانه.

ليس هناك الكثير حول نبونئيد قبل تسلمه العرش البابلي ،ولكن الكثير من المؤرخين يؤكدون على كونه من عائلة نبيلة مقربة من نبوخذ نصر، ويذهب البعض منهم إلى انه كان متزوجاً بأبنة نبوخذ نصر الكبرى الامر الذي جعله مؤهلا لتسلم العرش بعد القضاء على لباشي-مردوخ. ويجمع المؤرخون على ان نبونئيد هو ابن الكاهنة الكبرى لمعبد (سين) اله القمر في حران ،وهذا ما يستدل به على اصله الملكي, لان هذا المنصب كان يمنح بالعادة لامراء واميرات من العائلة المالكة.

وأقدم الاشارات إلى نبونئيد وردت في الإشارة إلى توسطه لحل النزاع بين مملكتي ميديا وليديا اللتين تفاقم الخلاف بينهما ، وتشير الوثائق إلى ان نبوخذ نصر قد انتدبه لحل النزاع القائم بين المملكتين مما يدل على مكانته من الملك وإلى قدرته على إدارة الامور السياسية بحكنة وحكمة.

لكن نبونئيد استلم الحكم في بابل وهي تنوء تحت عبء العديد من المشاكل التي خلفها الحكام السابقون واهمها المشكلة الافتصادية التي طالت الامبراطورية الواسعة بسبب الحروب المتعددة التي خاضها البابليون منذ ايام نبوخذ نصر واستمرت في عهد خلفائه ، ورغم اهمية المشكلة الاقتصادية وانتشار الغلاء في بابل وتأثيرها المباشر على الاوضاع التي سادت خلال تلك الفترة، إلا أن التحدي الديني كان يشكل المشكلة الرئيسية التي ادت إلى انهيار مملكة بابل وسقوطها بعد ذلك على يد الاخمينيين.

لم تكن سلطة الملك يقيدها القانون وحده ولا الأعيان وحدهم، بل كان يقيدها أيضاً الكهنة. ذلك أن الملك لم يكن من الوجهة القانونية إلا وكيلاً لإله المدينة، ومن أجل هذا كانت الضرائب تفرض باسم الإله، وكانت تتخذ سبيلها إلى خزائن الهياكل إما مباشرة أو بشتى الأساليب والحيل. ولم يكن الملك يعد ملكاً بحق في أعين الشعب إلا إذا خلع عليه الكهنة سلطته الملكية، و "أخذ بيد بِل"، واخترق شوارع المدينة في موكب مهيب ممسكاً صورة مردوخ. وكان الملك في هذه الاحتفالات يلبس زي الكاهن، وكان هذا رمزاً إلى اتحاد الدين والدولة، ولعله كان أيضاً يرمز إلى أصل الملكية الكهنوتي. وكانت تحيط بعرشه جميع مظاهر خوارق الطبيعة، ومن شأن هذه كلها أن تجعل الخروج عليه كفراً ليس كمثله كفر، لا يجزى من يجرؤ عليه بضياع رقبته فحسب، بل يجزى أيضاً بخسران روحه. ولقد ظلت بلاد بابل في واقع الأمر دولة دينية "خاضعة لأمر الكهنة" على الدوام ،هذا اضافة إلى أن نفوذهم لدى الأهلين كان أعظم من نفوذ الملك نفسه، وكان في وسعهم في بعض الأحيان أن يخلعوه عن عرشه إذا راجعوا أمرهم وسخروا ذكائهم وقواهم لهذه الغاية. وأقدم الآلهة كلهم آلهة السماء وما فيها: أنو السماء الثابتة، وشمش الشمس، وننار القمر، وبل أو بعل الأرض التي يعود كل البابليين إلى صدرها بعد مماتهم. وقل عدد الآلهة شيئاً فشيئاً بعد أن فسرت الآلهة الصغرى بأنها صور أو صفات للآلهة الكبرى. وعلى هذا النحو أصبح مردوخ إله بابل- وكان في بادئ الأمر من آلهة الشمس- كبير الآلهة البابلية. ومن ثم لقب ِبل- مردوخ أي مردوخ الإله وإليه وإلى عشتار كان البابليون يوجهون أحر صلواتهم وأبلغ دعواتهم. ويمكن ان نتعرف من خلال اسطورة الخلق البابلية المعروفة باسم(اينوما ايليش)وهي التي تتحدث عن نشأة الكون وكانت تتلى في احتفالات رأس السنة ان مرودخ وهو آله مدينة بابل المحلي قد اصبح على رأس مجمع الآلهة في بلاد بابل.وتوضح الاسطورة كيف اصبح مردوخ يتمتع بمرتبة السيادة على الالهة وهو "المخلوق في مياه ابسو النقية" الذي"ولده اباه آيا وولدته امه دامكينا" ..وتذكر الاسطورة ان مجلس الالهة منح مردوخ هذه المرتبة بعد ان طلب منه قتل تيامت التي هددت بقتل الجميع.

المصدر

انظر ايضا