رزوق عيسى

حياته:

ولد الأستاذ رزوق عيسى زكريا في محلة رأس القرية، إحدى محلات بغداد الشرقية، في 6 حزيران 1881. وينتمي الى أسرة عراقية قديمة نزحت من مدينة الموصل في منتصف القرن الماضي. وكان مولعا بتحصيل المعارف والاجتماع بأهل الفضل والأدب،

فنشأ مفطوراً على حب العلم والعلماء. ولما بلغ الثامنة من عمره ارسله والده الى مدرسة الاتفاق الشرقي حيث تلقى مبادئ اللغتين العربية والانكليزية والحساب، ثم تدرج فولج قسمها العالي واستمر يدرس اللغتين المذكورتين بجد واجتهاد، حتى نال رضا مديرها الخوري ميخائيل شعيا الكلداني واساتذتها، وهم الشماس فرنسيس جبران والشماس داود صليوا، صاحب جريدة (صدى بابل)، والشماس حنا حبش، وفي سنة 1896 انتقل إلى المدرسة الانكليزية الثانوية، ليتلقى العلوم العصرية، ويتقن آداب العربية والانكليزية مدة اربع سنوات. وفي عام 1900 نال الشهادة المدرسية، ثم يمم شطر البصرة، وانتظم في سلك كتبه احدى الشركات، وبعد بضعة اشهر قفل راجعا الى مسقط رأسه لأن هواء البصرة اضر نصحته، والقاء طريح الفراش. وفي شهر شباط من سنة 1901 دعاه مدير المدرسة الانكليزية المستر بارقت ليعلم فيها اللغتين العربية والانكليزية فلبى الدعوة وانخرط في سلك التعليم وكان ينتهز الفرص للدرس والمطالعة ليزيد معرفته، واستمر معلما فيها إلى شهر تشرين الثاني من سنة 1914 حين تعكر جو السياسة بين الدولة العثمانية وانكلترا ابواب المدرسة، وكان قد عين خلال هذه المدة بعض المدراء للمدرسة المذكورة كالدكتور (أرنست ليفي) والدكتور (فريدريك جونسن) والمستر (بويز) فنال رضاهم، وزوده كل منهم بشهادة تنم على عظم احترامهم له وتقدير اتعابه الجمة التي تجشمها في تنظيم مدرستهم وتقديمها، واقرارا بفضله عينوه نائبا عن المدير. ولما اغلقت المدرسة الانكليزية اصبح معلما في مدرستي السريان والكلدان، حتى احتلت بريطانيا بغداد عام 1917.

وفي مساء نهار الاربعاء الواقع في 10 اذار 1915 اجري التحري في داره، والقت السلطات التركية القبض عليه، وزج في السجن، واتهم بالخيانة العظمى، وبعد مرافعة دامت عدة اسابيع، حكم عليه بالسجن ستة اشهر بحجة انه كان في نيته ان يقوم بنشر دعاية تضر بسلامة السلطنة العثمانية، إلا ان ذلك لم يثبت عليه، فاطلق سراحه صباح الخميس 14 ايلول من تلك السنة. اما اوراقه وبعض من تصانيفه فأخذها الاتراك لفحصها من غير اعادتها، فذهبت بذهابهم، فاضطر بعد الاحتلال البريطاني ان يراجع مسودات تلك الكتابات والتصانيف. وكانت له مراسلات عديدة مع كبار علماء ومستشرقي اوروبا وامريكا وسوريا ومصر كالاستاذ مرجليوت وارنست هيكل الالماني ويوسف مكاي الانكليزي وارثريتدوم صاحب كتاب وايمان بالله" وجي لسترانج المؤرخ الانكليزي المشهور صاحب كتاب "تاريخ بغداد في عصر الخلفاء العباسيين" وغيرهم من علماء الشرق، وكان يحتفظ بنصوص المراسلات بينه وبينهم كأعز شيء لديه، غير انها فقدت في تلك الفترة.

وفي 27 اذار من عام 1917 بعد ان احتل الانكليز مدينة بغداد عين مترجما ومعاونا للحاكم السياسي الاكبتين فاول في منطقتي العزيزية والنعمانية حتى الكوت، وقام بوظيفته خير قيام، وابدى اثناء خدمته من حسن الادارة والسياسة ما خلف له الذكر الحميد والأثر الطب عند اهالي بلدتي العزيزية والصبرة وقرية سلمان باك "المدائن". وكان سندا وعضدا لكثير من شيوخ القبائل المنتشرة في تلك الاصفاع، وقد اثنى على امانته وشهامته رؤساء عشائر ذلك القضاء، نخص بالذكر منهم الشيخ كليب بن الشيخ طرفه الصبر شيخ عشيرة شمر طوقة، وقد استقال من منصبه على إثر خلاف وقع بينه وبين الحاكم السياسي المشار اليه آنفاً. ولما بلغ خير استعفاء مديري المدارس استدعاء القس اوغسطين مروجي ليدرس الانكليزية في مدرسة السريان، والقس انطوان زبوني ليعلم اللغة في مدرسة الكلدان. كما طلب اليه اسحااق بصان مدير مدرسة التعاهد الإسرائيلي ان يعلم هذه اللغة في مدرسته. وعاد الى حياة التعليم في المدارس الأهلية، ومنها مدرسة القديس يوسف العالية ومدرسة الاليانس والاتحاد والمدرسة السريانية، وجلس على منصة التعليم في كلية بغداد لمدة سنتين، وتوظف اغلبهم في دوائر الحكومة ومكاتب التجار. كما علم اللغة العربية الفصحى جماعة من السادة والسيدات الانكليز قبل الحرب العالمية وبعدها، إضافة إلى تدريس فريق من الضباط على اختلاف رتبهم اللغة العربية بعد احتلال بغداد، وعلم اللغة الانكليزية لكثير من المواطنين العراقيين وبعض الادباء ومنهم صديقه المؤرخ عبد الرزاق الحسني. وقد انتدبته مجلة الجمعية الملكية الشرقية، التي تصدر في لندن، ليكون عضوا فيها وبعدها بآرائه ومقالاته، فكتبت له رسالة بهذا الشأن في 23 أيلول 1920.

خصاله واهتماماته:

كان يحسن العربية والانكليزية، وقد وقف على آدابهما، وأجاد الانشاء في اللغتين، وله إلمام بالفارسية والتركية والسريانية وعض الإلمام بالفرنسية والاسبرنتية، أي لغة العالم الجديدة، التي وضعها (لويز لازار زمنهرف) الطبيب الروسي.

وكان يرغب في العزلة والابتعاد عن ضوضاء الناس وجلبتهم كلما وجد الى ذلك سبيلا. جليسه وانيسه كتبه ومهارته ولسان اله قول الشاعر:

إجعل جليسك مجموعا تطالعه

لتستفيد من الآداب والحكم

واترك مجالس اخوان تجادلهم

فتكسب الإثم من سميع وكلم

وكان شديد الولع بالتاريخ لاسيما الشرقي والعراقي، ومغرما بتلاوة ومطالعة اسفار سير وتراجم مشاهير الرجال والنساء والمخترعين والمكتشين العظام، وقد فطر على ذلك منذ نشأته، حتى تأصلت فيه، من كثرة ما طالع من تلك الكتب، النزعة الى حب المعارف والآداب حبا كبيراً، ولسان حاله قول الشاعر.

إذا ما روى الإنسان أخبار من مضى

فتحسب قد عاش من أول الدهر

وتحسبه قد عاش آخر دهره

إلى الحشر أن أبقى جميلا من الذكر

فقد عاش كل الدهر من عاش عالما

كريما حليما فاغتنم أطول العمر

وقد كتب هذه البيتين على رقعة وعلقها في صدر مكتبته:

المرء بعد الصوت أحدوثة

يفنى ويبقى منه آثاره

فأحسن الحالات حال امرئ

تطيب بعد الموت أخباره

آراؤه في السياسة:

كان قليل الكتابة في السياسة، لأن السياسي قد يضطر احيانا أن يخاتل ويراوغ، ويخط يراعه سطوراً عارية عن الصحة، وكثيراً ما يجعل الحق باطلا والباطل حقاً. فضلا عن ذلك ان ما يدبجه اليوم تنقضه حوادث الغد. واجمال القول ان جل كتابات اقطاب السياسة بنت ساعتها تقرا وتنبذ كأنها لم تكن، وقد دبج براعة طائفة صالحة من المقالات السياسية، تخوى فيها اظهار الحقيقة وازهاق الباطل، ونشرت في صحف العراق قبل الحرب العالمية بوعد الاحتلال البريطاني، ومن رأيه انه لا يصلح العالم إلا المذهب الاشتراكي المعتدل الذي بشر به الانبياء، وقال به الفلاسفة، واقره الساسة والمشرعون في كل العصور، وشعاره، (ليس من العدل ولا من المساواة ان يضغط زيد على بطنه بكلتا يديه، ويشكو سوء الهضم من كثرة الأكل، وليس من المروءة والإنصاف ان يضع خالد يده على معدته ويشكر ألم الجرع). ومن رأيه ان يشترك العمال والكتاب مع أصحاب الأموال، لأنه يرى من الظلم ان يجهد الكاتب والعامل نفسيها مدة سنة كاملة مثلا ثم ينال كل منهما عشر معشار ما يناله التاجر والغني في اسبوع واحيانا في يوم واحد. وفي نظره اذا تم ذلك، صلح حال المجتمع.

وعم الاخاء والمساواة والعدل. ومن رأيه ايضا ان الديكتاتورية لا يطول عهدها لانها عدوة حرية الشعوب، ومن قوله فيها (اليس من الظلم ان تكون حياة الأمة متعلقة بكلمة نطق بها فرد من افرادها؟ اليس من الظلم ان يكون الضعيف سندا لمطرقة القوى؟ إلا انه لم يشترك في جمعية علمية او ادبية او سياسية. وكثيرا ما عرض عليه رؤساؤها الانتماء الى جمعياتهم حتى ان كلا من جمعيات (الاتحاد والترقي) و(الائتلاف والحرية) و(اتحاد الشبيبة) انتدبته ان يكون عضوا عاملاً فيها، فأبى بحجة ان اشغاله الكثيرة لا تسمح له بذلك، غير انه كان يمد يده المساعدة اذا اقتضى الحال، وقد القى بعض خطب اصلاحية في النادي الوطني العلمي، ونادي الإخاء وغيرهما.

هو والشعر

انخرط المترجم في زمرة الكتاب والصحافيين بعد اعلان الدستور، وقد سأل مرة صديقه الشيخ كاظم الدجيلي: "كم يلزمني من الوقت لأحسن نظم الشعر، واصبح شاعراً عصريا؟ فقال "يلزمك عشر سنوات على الاقل" فأجابه اني استطيع في هذه المدة ان اتقن ثلاث لغات اوروبية بحيث احسن الكتابة والترجمة في كل منها. ومع انه لم يرصد جميع أوقاته للشعر، فقد نظم بضع قصائد في "ديوان صغير. ودعي مرة الى النادي الوطني العلمي حيث اجتمع بعض الشعراء والكتاب وتساجلوا في إنشاد الشعر، فنظم قصيدة، منها هذان البيتان:

اليوم نهضة فشية الزوراء

من حاملي علم من ادباء

اليوم قامت نخبة الشعراء

يتساجلون الشعر في العلياء

وطلب احد اصحابه ان ينظم له قصيدة في الصبر فاجاب ملتمسه بنظم قصيدة، مطلعها:

يقولون ان تصبر تتل كل غاية

وقد فاتهم ان المرارة في الصبر

وهل يستطيع المء حيا على اذى

يكابده حتى يغيب في القير؟!

ولما نعى البرق الكاتب الاجتماعي الكبير والمؤرخ الشهير جرجي زيدان منشئ مجلة (الهلال) اقترح على اخوانه ان يشترك جميع ادباء وشعراء وعلماء وكتاب بغداد في اهداء فقيد العلم والادب هدية، اقرارا بفضله على العرب والعربية. فقر الرأي على ابتياع قطعة من الرخام النفيس ينفش عليها بيتان من الشعر، يمثلان روح الفقيد، وان يكتب تحتهما (هدية من ادباء بغداد وعلمائها كافة). فنظم هذين البيتين وعرضهما على القائمين بهذا العمل المبرور فاستحسنوهما وهما:

حقاً لقد ندب التاريخ مولاه

وبات يلطم بالايدي محياه

والعلم شق جيوب الحزن من أسف

على الذي ما قضى إلا واحياه

غير ان نشوب الحرب العالمية واعتكار جو السياسة في السلطنة العثمانية اقعداه عن اتمام ما شرع فيه. وحينما اخذت طائرات الانكليز تحلق لأول مرة في سماء الزوراء، واصيب الاهالي بالهرج والمرج، نظم قصيدة يثني فيها على اهل العرب، ويستنهض همم الشرقيين.

يا شرق ما لك في جمود دائم

والغرب يصعد للعلى نشوانا

من كان يحلم بابن ادم ان يرا ه

مسخرا في عصرنا الاكوانا؟!

من كان يحلم بان آدم ان يرا ه

محاكيا سرب القطا طيرانا؟!

ياشرق قم وانهض فقد نهض الاولى

اتخذوا لهم فوق السحاب مكانا

قم واسع يا ابن الشرق محتذبا بمن

جعلوا الرياح لخيلهم ميدانا

فالغرب شق اليوم احشاء الفضا

وغدت سماؤه تقذف النيرانا

فإلى متى هذا الخمول وتدعي

ياشرق انك منشئ العمرانا

يا شرق إن العلم خير وسيلة

للمرء يطلب العلى والشانا

وقد اقترحت مجلة (اللسان) في عددها الاول على الادباء ان يخمسوا البيتين اللذين انشدهما عنتر العبسي في الدفاع عن ذمام قومه فنظم:

"سكت فغر اعدائي السكوت" وخالوا عن جوابهم عييت

"وكيف انام عن سادات قوم"

لهم في الفخر منزلة وصيت

سأسعى ما حييت لخير ناس

"انا في فضل نعمتهم ربيت"

تلميذ الكرملي

للأب انستاس ماري الكرملي صاحب مجلة (لغة العرب) فضل لا ينكر على المترجم له في تثقيفه وتدريبه على الانشاء، فهو تلميذه واقرارا بفضله العلمي والادبي اهداء باكورة تاليفه وهو "معجم مفردات عوام العراق" لأنه اثر من آثاره اللغوية العديدة.

آثاره:

وأول ما ظهر من قلمه (مجلة العلوم)، ونالت خطتها استحسان ادباء العراق، ولما نشرها دعاء الأب الكرملي، وألقى على مسامعه دروسا في الكتابة: منها (يجب على الكاتب العصري ان يدرس الموضوع الذي يريد الإنشاء فيها درسا دقيقاً، ويراجع كتابات من سبقه في الموضوع نفسه، وعليك ان تكتب في المواضيع المبتكرة قدر جهدك ولا تطرق ابواب مباحث أكل عليها الدهر وشرب. فان بحثك وان اختلف لفظا، فهو لا يختلف معنى أكثر الأحايين. هذا وابذل جهدك في أن تجعل كتاباتك حسنة مما يفتخر بها الوطن).

فكان لكلامه هذا وقع حسن في نفس صاحب الترجمة، واخذ من ذلك الحين ينعم النظر في ما يسطره براعة ويدقق غاية التدقيق في أبحاثه، لتكون خالصة من الشوائب حسب استطاعته، ومرجعا لغيره. انشأ مجلته الاولى باسم (العلوم) في أواخر عام 1910، ويقول انه لم يكن في خلده انه سيكون يوما ما صحافيا او منشئا بد ان اعلان الدستور في السلطنة العثمانية عام 1908 اثار عزيمته، وفك عقال نشاطه، وولد فكرة الحرية في تلافيف دماغه، وبالتالي جعله ان يقبض على القلم، ويجلس على اريكة الكتابة والانشاء. ففي منتصف عام 1910 تاقت نفسه الى انشاء صحيفة لتنوير اذهان السواد الاعظم من وطنه.

وعليه نال امتياز مجلة باسم "العلوم" وألف شركة لها وكان في نيته ان يجعل حجمها كبيرا، ومادتها غزيرة، تتناول الابحاث العلمية والتاريخية والادبية والصناعية، غير ان الشركة التي انشأها لهذه الغاية انفصمت عروة انفاقها قبل نشر المجلة. فاضطر صاحبها ان ينشرها بجم صغير، فطبع العدد الاول منها في تشرين الاول من تلك السنة. وقد قرظ مجلته، مع صغر حجمها، طائفة من الصحافيين والكتاب لما ترسموه – من خلال سطورها – من حث على التمسك باهداب الحقيقة، منهم داود صليوا صاحب جريدة "صدى بابل" فقد كتب عنها في العدد 66 بقوله:

"هي حبة خردل من العلم زرعها صاحبها.. الخولي الاديب في روضة علوم العراق، فنتمنى لها النماء فتصير اكبر بقلة من بقلات المجلات العلمية، الادبية، يقتطف من مواضيع علومها وفنونها ابناء الادب ثمارا، تفيح نشرا، هي مجلة علمية ادبية صحية تاريخية شهرية لناسج بردها ومديرها.. فنحث الادباء على الاقبال على مطالعتها لما حوته من المباحث الجليلة التي لا يستغنى عن فوائدها كل لبيب أديب".

وقد قرظها ايضا عبد الرحمن البناء وارخ صدورها بقوله:

يا تأئها بفدافد من جهله

والارض قد ضاقت عليه بزرعها

ورماه دور المستبد بكربة

دهماء إذ لايستطيع لدفعها

اقبل فان العدل انشر صحفه

فاقرأ بها تلق الرشاد بطبعها

بهديك رونق فكر من له ارخت

وتقيك خردلة العلوم بفرعها (1910)

كما وردت عدة تقاريظ على صاحب هذه المجلة من ادباء الزوراء بقصائد عديدة منها قصيدة رودت من الاديب عمر فهمي، قال فيها:

تنفس صبح العلم مسكا مختما

فأصبح من رباه ذا الكون مفعما

ولاح على وجه العراق بنوره

فضاء به من بعد ما كان مظلما

واصلح بين الناس ما كان فاسدا

وانطق من قد كان من قبل ابكما

وسود وجه المستبدين جمة

ونور حكما طالما كان اقتما

واطلق بعد السجن للنا صحفهم

وفك قيد الذل عنهم وافصما

وراق، لعمر الحق، للناس وردهم

فاصبح عذبا بعد ما كان علقما

و"خردلة" في روضة (العلم) اينعت

كمالا ومنها الغرس قد طاب فافغما

سقاها ابن (عيسى) من مناهل فهمه

كان قد سقاها من نداء ابن مريما

بروحي منها نفحة العلم ما سرت

بروح بليد العلم إلا تعلما

اذا ما نظرت الطبع في طرس صحفها

تخيلت ان الافق يزهو منجما

والفاظ ابكار اذا ما قرأتها

تصورت درا في السطور منظما

وحرز معان من ضمير كأنه

بآيات انجيل المسبح تطلسما

وتصوير افكارٍ يلوح لناظر

كأن ثنايا شادن قد تبسما

وتأسيس علم حكمته يد النهى

يتميز انفاس الحجى قد تقوما

وعنها لسان الحال لازال منشدا

تنفس صبح العلم مسكا مختما

ابو الوفاء: "ع. فهمي"

وقد صدر منشئ المجلة القصيدة بقوله "وردت على ادارتنا هذه القصيدة العصماء قرظ بها مجلتنا جناب الشاب الاديب ع. فهمي" افندي – ابي الوفاء – فاجاد واحسن ولعل حضرته رأي بمصباح فريحته الثاقبة مستقبل المجلة لا حاضرها. فنشني على شابنا الاديب غاية الثناء لحسن ظنه بنا، وعلى كل حال فلسان براع المجلة اقصر من ان يفي ببعض حقوق "ابي الوفاء" لما جاء به من البلاغة ورقة النظم ودقة المعاني".

بيد ان البعض انتقدوها شفاهاً وكتابة فقد انتقد الكرملي مقالا ورد في المجلة وذلك في مجلة (المسرة) كما وقعت بعض اغلاط في المجلة منها مطبعية ومنها نحوية. وقد انتقد ذلك السيد محمد صادق الاعرجي في جريدته (الرصافة) في عدد (22) الصادر يوم الثلاثاء في 6 ذي القعدة سنة 1328هـ - 9 تشرين الثاني 1910م بقوله "خردلة العلوم مجلة علمية ادبية صحية تاريخية، لصاحبها وطنينا رزوق عيسى افندي . وردنا الجزء الاول منها فتصفحنا، فرأيناه مشتملا على الفوائد العلمية والادبية والطبية.. ولم نجد فيها عيبا سوى مخالفة كلماتها لعلم العربية، فاسفنا غاية الاسف على تلك المعاني البديعة الرائعة ان تكون قوالبها مثل هذه الالفاظ.

فنرجو من صاحبها ورفيقنا ان يهتم اتنزيهها من ذلك العيب لتكون المجلة الوحيدة في العراق". غير ان صاحب جريدة (الرصافة) صرح في العدد (30) من صحيفته الصادرة في 4 ذي الحجة سنة 1328هـ - 7 كانون اول 1910م يأتي:

"نشر الجزء الثاني من مجلة "خردلة العلوم" فبرز يرفل ويميس بجلابيب الالفاظ العربية البديعة على المعاني الفلسفية والتأريخية والطبية وقد اخذت المجلة المنيفة من هذا العدد في الترقي والتقدم وما ذلك الا لحسن نية منشئها وفقه الله وحباه النجاح والفلاح.

وبعد ان ظهر من المجلة جزءان وكان الجزء الثالث قيد الطبع، اوقفت حكومة ذلك العهد نشرها لأن صاحبها كتب مقالة في صدرها بعنوان "نهضة البلاد العربية ومطالبتها بالامركزية" فقامت قيامة الاتحاديين من ترك وعرب واتهموه بالمروق من الجامعة العثمانية، وحاكموه بانه احد الافراد الذين يحاولون اثارة الرأي العراقي العام ضد السلطة التركية وقد دافع عن نفسه دفاعا صادقا واورد البراهين والادلة على خلاف ما اشيع عنه، ومن قوله: ان فكرة الاستقلال الداخلي للاقطار العربية نشأت اولا في الاستانة وقال بها البرنس صباح الدين ابن شقيقه السلطان عبد الحميد الثاني، وقد برنت ساحته من التهمة التي نسبت اليه وهي التأمر على سلامة الدولة وتفكيك عرى اتحادها.

ونشر مجلة اخرى عام 1932 باسم (المؤرخ) واستمرت تنشر في عالم المطبوعات مدة سنة، ثم توارت عن الظهور لاسباب مالية، وقد اعيد نشرها عام 1938 واستمرت لمدة سنتين. وضع المترجم له مؤلفات عديدة لم تطبع، وقد نشر بعضها في مختلف المجلات والصحف العراقية، واهمها معجم الالفاظ العامية العراقية وفي ذيله معجم المصطلحات الحديثة و(تاريخ العراق قديما وحديثا) و(تاريخ التمدن العراقي) و(حضارة بابل وآشور) و(تاريخ مدن العراق قديما وحديثا) و(حضارة العرب في الجاهلية والاسلام) و(اغلاط الكتاب) و(تاريخ الصحافة في العراق).

اما الكتب التي طبعها فهي (جغرافية العراق) صدر عام 1922 وكتاب (مرشد الطلاب الى قواعد لغة الاعراب) الجزء الاول في الصرف عام 1922 وكتاب (القراءة العربية الحديثة) مع الأب يوسف بحودة اسعد عام 1930.

كما كتب طائفة من المقالات السياسية قبل الحرب العظمى الاولى، وبعدها نشرها على صفحات الجرائد والمجلات منها باسمه الصريح ومنها باسم مستعار وعالج فيها العسر المالي وازمة السياسة واسباب الثورات وتحرير الشعوب ومصير العراق، كما نشر طائفة كبيرة من المقالات العربية في مواضيع مختلفة على صفحات الجرائد والمجلات العراقية وغيرها كـ (لغة العرب) و(النور) و(دار السلام) و(صدى بابل) و(العرب) و(المصباح) و(مراة العراق) و(الزنبقة) و(نشرة الاحد) و(الحرية) و(النجم) و(الاعتدال) و(الهلال) و(المقتطف) و(الرسالة) وغيرها.

زواجه ووفاته

تزوج في عام 1918 من السيدة تروزة بهنام نعمان، ورزق باربعة ابناء وبنتين وهو ادور وجورج وجورج وصبحا وفيرجين وماري. توفي في بغداد يوم الاثنين 23 ايلول 1940.

المصدر