الخسائر والهدر في قطاع الطاقة / 2015
عدنان الجنابي/ أيــــار 2015
الخسائر والهدر في قطاع الطاقة
قامت وزارة النفط باعداد دراسة, انجزت في 23/3/2015 ،عن الخسائر الناجمة عن الهدر والاهمال وسوء الادارة في عمليات انتاج النفط ، اذ قدرت تلك الخسائر قرابة ( 14.5) مليار دولار امريكي للفترة من 2011 الى نهاية 2014. وقد علق وزير النفط السيد عادل عبد المهدي على هذه الخسائر بأن"هذا هو الفساد الحقيقي، وهذه هي الخسائر الكبرى والهدر الحقيقي للأموال، وهذا هو الغياب الحقيقي للتخطيط والإداره الرشيدة".
اثيرت حول هذه التصريحات نقاشات واسعة في الاوساط المختصة . وذهب البعض الى ان تشخيص هذا التقصير يهدف لتبيان فشل نموذج (عقود الخدمة ) واحلال (عقود المشاركة) محلها، وبالتالي التفاوض على الغائها. ومع ان العبرة في اي عقد نفطي هو ليس في عنوانه بل في محتواه وتحليله الاقتصادي، وتحقيقه لأعلى المنافع المادية للبلاد، ومدى انطباقه على الحقل او الحقول المشمولة ، فإن النقاش في هذا الموضوع ليس في محله، ويجب ان يجرى بمعزل عن تقييم الاضرار الناجمة عن الاهمال (المتعمد وغير المتعمد)وسوء الادارة وانعدام التخطيط في ظل اي نمط من انماط العقود المعروفة في عالم النفط. وللتقييم الحقيقي للأضرار والخسائر الناجمة عن سوء الادارة و (الفساد الإداري ) والإهمال خلال الفترة منذ عام 2006 ولحد الآن في مجال الطاقة (النفط ، الغاز، الكهرباء ) يفوق ماتوصلت اليه وزارة النفط بعشرات الاضعاف ويبلغ قرابة ترليون دولار. وهذه ربما كانت اخطر حالة فساد اداري في التاريخ الحديث. ولا إختلاف بين من يحرمك من دخل مؤكد قدره دولار واحد وبين من يسرق منك ذلك الدولار بعد تحصيلك عليه.إن الأضرار الناجمه عن الفساد الإداري( الإهمال، سوء الإدارة، الأضرار الناجمة عن عدم معالجة الخلل ...الخ )كلها تعتبر بعرف القانون التجاري والجنائي من جرائم الإهمال.
وقد قمنا بتقدير أولي لحجم الأضرار الناجمة عن سوء الإدارة وإنعدام التخطيط والفساد الإداري والاهمال الجنائي (criminal negligence) (عدا السرقة والفساد المالي) في مختلف اوجه صناعات الطاقة .وندرج فيما يأتي موجزاً بهذه الأضرارالمالية والاضرار غير النقدية:
في مجال النفط
أولاً: تأخر تنفيذ زيادات الإنتاج:
كانت وزارة النفط قد وضعت خطة لزيادة الإنتاج الى (6) ستة ملايين برميل يومياً منذ ثمانينيات القرن الماضي. ولم تنفذ الخطة بسبب الحرب العراقية – الإيرانية والحصار الذي فرض على العراق لاحقا. وقد أعيدت دراسة الخطة عام 2004 في عهد الحكومة المؤقتة وعرضت في المجلس الأعلى للنفط والغاز من قبل وزير النفط آنذاك السيد ثامر الغضبان. وكانت المدة المتوقعة لتنفيذ الخطة هي سنتين أو ثلاثة سنوات، وبالتعاون مع شركات النفط العالمية. وعند ارتفاع أسعار النفط والذي بلغ حوالي (100) دولار للبرميل على مدى حوالي خمس سنوات، كان الدخل الضائع على العراق يعادل حوالي (100) مليار دولارسنوياً، وبما مجموعه حوالي نصف ترليون دولار فقدها العراق بسبب سوء الادارة وانعدام التخطيط.
ثانياً: تأخر إنتاج ومعالجة الغاز:
كان المفروض أن تكون أهم أولويات قطاع البترول هي إيقاف حرق الغاز، والعمل الفوري على معالجته لتوفيره لإنتاج الكهرباء والصناعات المحلية المختلفة، بالإضافة الى تطوير حقول الغاز لضمان توازن الإستهلاك عند حصول أية تقلبات في إنتاج الغاز المصاحب للنفط. ولو بلغ إنتاج العراق من النفط الخام سته ملايين برميل يومياً كان إنتاج الغازسيبلغ أكثر من ضعف إنتاجه الحالي, ولأصبح يكفي (مع الغاز الحر) لوقود قرابة (30) الف ميكاواط من الكهرباء التي كان المفروض أن يكون العراق مصدراً لها.كما أن هذه الحالة كانت ستوفر من السوائل البترولية ما يعادل (300,000) ثلاثمائة الف برميل يومياً، وبقيمة تقارب (30) مليون دولار يومياً بالأسعار السابقة أو (15) مليون دولار يومياً بالأسعار الحالية. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية كانت خسارة العراق من هذا الهدر أكثر من عشرة مليارات دولار سنوياً, إضافة إلى الأضرار الناجمة عن حرمان العراقيين والإقتصاد العراقي من الكهرباء.
ثالثاً:المصافي:
لم ينجز العراق بناء أي مصفى كبير جديد رغم أن مصفى الوسط كان جاهر التصاميم وبقربه مجمع للبتروكيمياويات. وكان بالإمكان إنجاز هذا المصفى وغيره بالإستثمار أو من خزينة الدولة. وقد تسبب هذا التأخير في إستيراد العراق للمشتقات البترولية بأكثر من خمسة مليارات دولار سنوياً. والضرر بالإقتصاد هو ليس فقط خسارة المال العام المصروف على الإستيرادات, بل ما توفره المصافي من عماله ومواد أولية للصناعة.
رابعاً:تأخر مشروع حقن الماء: يحتاج إنتاج النفط إلى كميات هائلة من الماء بعد معالجته من الأملاح والشوائب للحفاظ على توازن الضغط في المكامن النفطية لأدامة الإنتاج. ومن القرارات البالغة الخطورة على مستقبل الإنتاج كان قرار سحب هذا المشروع من شركة (أكسون) العالمية وإناطته بشركة المشاريع النفطية التي لم تكن مؤهلة للقيام بهذا المشروع. وقد تسبب هذا القرار بتأخر المشروع لأكثر من ثلاثة سنوات. ويعتقد بعض الخبراء أن هذا التأخير أضر ويضر بمكامن النفط في الجنوب بشكل قد يصعب تعويضه لاحقاً. ولا بد من دراسة فنية لمعالجة الموضوع وتقييم الأضرار. خامساً:خزانات النفط:
تسبب تأخير إنشاء خزانات النفط الخام عند مجمعات التصدير بمعظم الضرر الذي أشار اليه السيد وزير النفط. فأن التصدير يتوقف عندما تتردى الأحوال الجوية قرب موانيء التصدير فيتوقف تحميل الناقلات الراسية على الموانيء. كما يتوقف التحميل عندما لا تكون أي ناقلة موجودة للتحميل بسبب عدم إنتظام وصول الناقلات. وفي الحالتين لا بد من وجود خزانات تكفي لإستلام الإنتاج لفترة لا تقل عن عشرة أيام, وقد تصل إلى أسبوعين من الإنتاج. وبسبب عدم وجود خزانات كافية كان الإنتاج يتوقف ويخسر التصدير ما يقارب (20) مليون دولار يومياً, بالإضافة إلى ما يسببه عدم إستقرار الإنتاج من أضرار بالمكامن، وإنخفاض إنتاج الغاز المصاحب الذي يودي إلى توقف إنتاج الكهرباء في المحطات التي تعتمد في وقودها عليه.
في مجال الكهرباء
أولاً: نقص إنتاج الطاقة:
قامت عدة جهات بتقدير الأضرار الاقتصادية المترتبة على نقص إنتاج الكهرباء. ومن هذه الجهات وكالة الطاقة الدولية (I.E.A ) والاستشاريون الذين اعدوا دراسة ستراتيجية للطاقه(INES),لهيئة المستشارين في مجلس الوزراء وغيرهم. وتتراوح هذه التقديرات حول ما يقارب (40) مليار دولار سنوياً كأضرار للإقتصاد بسبب عدم توفر الكهرباء لقطاعات مهمة من الاقتصاد العراقي. وبما أن توفير الكهرباء بالمولدات الغازية الحديثة لا يتطلب أكثر من سنتين، كان بالإمكان سد نقص الكهرباء عام (2006) أو بعده بقليل. ولا يتطلب توفير الطاقة الكهربائية الإعتماد على الخزينة العامة, إذ أن المستثمرين مستعدون لإنشاء هذه المحطات وبمدد زمنية معقولة. وهذا يعني أن سوء إدارة قطاع الكهرباء تسببت في خسارة الاقتصاد العراقي حوالي (300) مليار دولار خلال السنوات السبع أو الثماني المنصرمة، وستستمر هذه الخسارة لمدة سنة أو سنتين في أفضل الأحوال.
ثانياً: وقود محطات الكهرباء:
تخسر الكهرباء ما يعادل ألف ميكاوات بسبب عدم أنتظام تجهيز الوقود أو إنخفاض ضغط الغاز. وتفقد الطوربينات الغازية ما يقارب ثلث قدرتها التصميمية بسبب إستعمال النفط الخام أو زيت الغاز أو زيت الوقود كما ان تاخر الاستثمار في الدوره المركبة (Combined cycle ) بالاستفاده من الحرارة الناجمة عن إحتراق الوقود يسبب خسائر إضافية. وعند إستغلال الدورة المركبة يمكن زيادة القدرة في الطوربينات الغازية بنسبة (50%) دون الحاجة إلى وقود إضافي. ولو توفر الغاز (المصاحب والحر) لجميع المحطات الكهربائية ولو أضيفت الدورة المركبة لجميع المحطات الغازية لكان بالإمكان إنتاج خمسة آلاف ميكاواط إضافية من المحطات العاملة حالياً.
إن عدم توفر الغاز بشكل كامل ومستمر يتسبب بعدة أضرار منها:
1- إستعمال نفط خام وسوائل بترولية أخرى بقيمة تصديرية تبلغ حوالي (20) مليون دولار يومياً.
2- فقدان قدرة كهربائية تقارب خمسة آلاف ميكاواط. وتقدر أضرار هذه الإدارة السيئة لوقود الكهرباءبحوالي عشرة ملايين دولار يومياً. وتبلغ الأضرارالناجمة عن سوء إدارة الوقود في قطاع الكهرباء بما لا يقل عن عشرة مليارات دولار سنوياً. وهكذا تكون الأضرار المباشرة وغير المباشرة لسوء إدارة قطاع الكهرباء بما يقارب (50) مليار دولار سنوياً.
الاضرار غير النقدية
تسببت سياسة الإهمال والفساد الإداري بأضرار جسيمة غير نقدية ومن هذه الأضرار على سبيل المثال لاالحصر هو ما يأتي:
اولا : الإستمرار في إستعمال رابع اثيلات الرصاص (tetraethyle lead) السامة الممنوعة دولياً في البنزين لرفع الرقم الاوكتاني للبنزين (octane number ).إن المصافي الحديثة لا تنتج بنزين واطىء الاوكتان. كما ان المصافي القديمة تتجاوز هذه المشكلة، لإنتاج البنزين الخالي من الرصاص بانشاء وحدات اضافية للأزمره ( isomerisation). ومما يؤسف له ان ماينتج من البنزين في العراق لايزال يعالج بإضافة رابع اثيلات الرصاص السامة والمسرطنة. وهذه جريمة صحية وبيئية لايمكن إستمرارها حتى وان اضطررنا الى إيقاف هذه الوحدات القديمة وإستيراد البنزين المحسن من الخارج .فصحة المواطن أثمن من التوفيرات القليلة في إنتاج البنزين.ومن المستغرب ان الإضافات والتوسعات الجديدة في مصافي الجنوب سيكون من وحدات تحتاج الى اضافة رابع اثيلات الرصاص لجعلها قابلة للتسويق.
ثانيا :ان حرق الغاز لايفقدنا قيمة الغازالمحروق فقط بل يسبب تلوث هائل في البيئة. وحرق الغاز بهذه الكميات لايزال يجعل العراق من اكثربلدان العالم تلويثاً بالغازات المسببة للإحتباس الحراري. وبدل أن يكون إستعمال الغاز من عوامل تخفيض التلوث الناشئ من حرق الوقود الاحفوري، أصبح حرق الغاز وبالأعلى العراق وعلى العالم. ومن المعروف ان التلوث البيئي الناتج عن استعمال الغاز كوقود لإنتاج الطاقة, أو في الصناعة، هو اقل إنتاجا للغازات المسببة للإحتباس الحراري والتلوث البيئي عموما من الأنواع الأخرى للوقود الأحفوري (fossil fuels).
ثالثا : مولدات الديزل التي نصبت مؤخراً من قبل وزارة الكهرباء يعتبرها الخبراء غير صالحة لإنتاج الطاقه الكهربائية للحمولات الأساسيه لإرتفاع كلفتها وسرعة إندثارها، فأنها تتسبب بمشكلتين اضافيتين. الأولى هي أن إستعمالها لزيت الوقود او وقود الديزل الذي يسبب تلوثا في البيئة. والأسوأمن هذا إن إيصال الوقود بالكميات المناسبة لهذه المولدات في مواقعها المنتشرة أمر غاية في التعقيد ويسبب مشاكل عدة. فألاف الصهاريج المتحركة على الطرقات تسبب مختلف الأضرار والإختناقات علاوة على تكدسها عند خزانات التجميع مما يخلق فوضى يصعب تصورها إلاعندما نرى بأعيينا مايجري في مواقع هذه المولدات من إشكالات. وقد نجم عن هذه الفوضى فساد مالي واداري إضافي.
رابعا: المولدات الاهلية التي تكلف المستهلك أضعاف مايمكن أن تكلفه الطاقة المجهزة من المحطات الكبرى. وهذه المولدات الاهلية تشوه شوارعنا بشبكاتها العنكبوتية وتقتل أبناءنا بالصعقات التي غالباً ماتنجم عن التوصيلات غير النظامية. يضاف الى ذلك ماتسببه هذه المولدات من تلوث بيئي وضوضائي.