الاصلاح الاقتصادي في العراق / 2015

*عدنان الجنابي و** لؤي الخطيب

تجدر الاشارة الى أن العام ٢٠١٥ سيشهد العراق تحديات مالية لما يمر به من أوضاع أمنية في خوضه حرباً غير تقليدية مع عدو غير تقليدي عابر للدول. فحسب تقديرات الخبراء قد تصل كلفة تمويل الحرب ضد داعش خلال عام ٢٠١٥ الى ١٠ مليار دولار فضلاً عن الحاجة الى خمسة مليارات دولار لإدارة ملف النازحين الذي تجاوز عددهم ٢ مليون عراقي وكذلك ملف العوائل الفقيرة التي تأثرت بالاحداث الامنية الاخيرة حيث وصلت أعدادها الى خمسة ملايين مُعدَم.

بعد مضي ثمان سنوات (٢٠٠٦ – ٢٠١٤) جنى العراق خلالها قرابة الـ ٧٠٠ مليار دولار من واردات النفط حيث تجاوزت اسعاره حاجز المئة دولار للبرميل لسنوات عديدة، ثم عادت دورة هبوط الاسعار بنسبة ٤٠٪ لتصل الى دون الـ ٦٠دولاراً للبرميل الواحد لتنتهي بذلك فترة سياسة الترف في صرف الموازنات التي كانت تعتمدها الحكومات العراقية دون النظربعين الاعتبار الى الاسباب العديدة التي قادت الى تدهور الاسعار وتذبذب الاسواق.

في العام ٢٠٠٤ وبعد تعديل سلم الرواتب لموظفي الدولة، وصلت الموازنة العراقية الى ١٩ مليار دولار وبعجز مالي قدره ٢٠٪ ونسبة تشغيلية لا تقل عن ٧٠٪. استمرت هذه المعادلة حتى العام ٢٠١٤ علماً أن الموازنة تضخمت الى سبعة أضعاف وصولاً الى ١٤٠ مليار دولار حيث تم توظيف كامل الواردات النفطية التي تنامت بسبب زيادة اسعار النفط الى خمسة أضعاف وليس زيادة الانتاج الذي لم يتجاوز ٢٥٪، في حين أن الزيادة السكانية للعراق لم تنمُ أكثر من ١٠٪، وبقي العراق تحت رحمة الاسواق العالمية والانتاج النفطي الذي يشكل أكثر من ٩٦٪ من واردات الدولة.

كانت السياسة الدارجة للحكومات السابقة (ولازالت) تعتمد على صرف كافة الايرادات في خلق وظائف حكومية أثقلت كاهل الدولة ببطالة مُقـَّـنَعة وصولاً الى حالة ما يُسمى بـ الفضائيين (المنتسبين الوهميين)، وتخصيص مشاريع تديرها ادارات حكومية غير كفوءة أدت الى تفشي ظاهرة الفساد وصولاً الى المشاريع والعقود الوهمية التي كانت سبباً في تمويل الفساد السياسي والارهاب المحلي، حيث قادت هذه السياسة الى تجميد القطاع العام و تحجيم القطاع الخاص وتبذير مدخرات الدولة وتعريض الحكومات المستقبلية الى تحديات مالية في ظل غياب الاصلاح الاقتصادي واقتصار موارد الدخل على مصدر واحد وهو الوارد النفطي. هذه السياسات وغيرها، أفقرت العراق مادياً وأضعفته أمنيا.

ولكي لا نلعن الظلام، لا بد من الشروع في وضع خطة مُحكمة وبسقف زمني واقعي لنقلب المعادلة بل قد نستخدم الظروف الحالية كفرصة للاصلاح الاقتصادي الذي تأخر ملفه لعقد من الزمن. في ما يلي بعض التوصيات ذات العلاقة بالسياسات الاقتصادية والتي من شأنها تقليل العجز المالي لنسبة معقولة وترشيد صرفيات الدولة مع اعطاء دور مسؤول للقطاع الخاص للنهوض بالتنمية والقضاء على البطالة بكل أشكالها: اصلاحات قطاع النفط والغاز

انشاء المجلس الاتحادي للنفط والغاز بقرار ديواني من مجلس الوزراء لتناط به الصلاحيات التنفيذية في رسم السياسات ووضع الضوابط الى حين تعديل هيكلته وصلاحياته بعد اقرار قانون النفط والغاز الاتحادي. ويرأس المجلس الاتحادي للنفط والغاز السيد رئيس مجلس الوزراء الاتحادي وتتضمن عضويته الجهات التنظيمية كوزارة النفط الاتحادية ووزارة الموارد الطبيعية في اقليم كردستان لحين تشريع قانون النفط والغاز، كما تلتزم جميع الاطراف بضوابط وقرارات المجلس الاتحادي لتكون هذه المؤسسة بديلاً عن الحلول السياسية التي قد تتعارض مع الدستور وقرارات مجلس النواب الاتحادي. تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي وكذلك قانون توزيع الواردات الاتحادية بفترة لا تتجاوز الستة أشهر من بداية العام ٢٠١٥ بالاضافة الى تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا وانشاء المحكمة.

يتم اعتماد سعر برميل النفط بـ ٥٠ دولاراً لعام ٢٠١٥ تتم مراجعة الاتفاقات النفطية مع اقليم كردستان لرفع معدل التصدير لحقل كركوك الى ٣٥٠ ألف برميل (وليس ٣٠٠ ألف برميل) – كمرحلة أولى - والحقول الاخرى الخاضعة لسيطرة وزارة الموارد الطبيعية الى ٤٠٠ ألف برميل يومياً (وليس ٢٥٠ ألف برميل). هذه الاضافة ستضمن واردات قدرها ٢٠٠ ألف برميل وزيادة للموازنة الاتحادية بقيمة ٤.٨٣ مليار دولار.

التعاون مع الشركات العالمية المستثمرة في جنوب العراق وحل مشاكلها لغرض زيادة الانتاج، ليتم اعتماد زيادة التصدير بمعدل ٢٥٠ الف برميل من الحقول الجنوبية فوق معدل التصدير الحالي، وهذه ستجني ٥،٤٧٥ مليار دولار لخزينة الدولة.الغاء دعم المشتقات النفطية بحساب الاستهلاك المحلي للنفط الخام على الاسعار العالمية خاصة وأن أسعار النفط منخفضة مما يجعل الزيادة في الاسعار على المستهلك مقبولة، علماً أن قيمة النفط الخام المخصص للاستهلاك المحلي ‎يصل الى ٦٠٠ ألف برميل يومياً وهذا سيوفر لخزينة الدولة ١٣،١٤ مليار دولار

وضع خطة سريعة بالتعاون مع الشركات العالمية للقضاء على حرق الغاز المصاحب خلال مدة لا تتجاوز ١٢ شهراً، لتجميع الغاز واستخدامه كوقود لمحطات الكهرباء، الامر الذي سيوقف استخدام النفط الخام والمشتقات للمحطات وتوفير وقود بقيمة خمسة مليارات دولار سنوياً.

اصلاحات قطاع الكهرباء:

الغاء التخصيصات الاستثمارية والتشغيلية لوزارة الكهرباء ليكون تمويلها ذاتياً، وهذا سيوفر لخزينة الدولة سبعة مليارات دولار.

خصخصة او تحويل خمسة غيغا واط من الطاقة الكهربائية الى الاستثمار وهذا سيوفر خمسة مليارات دولار كدفعة واحدة.

استخدام ايرادات الاستثمار لتمويل مشاريع نقل الطاقة الكهربائية، وتغطية المصاريف من ايرادات الاستهلاك.

تدابير خطة التقشف:

تحويل تخصيصات البطاقة التموينية والتي تبلغ كلفتها على الدولة أكثر من ٦ مليارات دولار وتخصيصها للنازحين والعوائل الفقيرة بصيغة كوبونات أو صكوك مالية لتغطية نفقات المواد التموينية والوقود.

مراجعة وتخفيض سلم رواتب القطاع الحكومي وكذلك المخصصات والمنافع بالاضافة الى انهاء حالة الموظفين الوهميين، حيث ستساعد هذه العملية على توفير خمسة مليارات دولار للموازنة.

ايقاف سياسة التوظيف على ملاك الدولة كنمط عام لخلق الوظائف وتحويل رواتب الموظفين الوهميين (الفضائيين) لتغطية نفقات المتطوعين في الحرب ضد داعش.

الرسوم والضرائب:

فرض رسوم معقولة على دخول الاجانب الى العراق (بما فيهم زوار العتبات المقدسة).

فرض رسوم معقولة على المراجعين لبعض الدوائر كالمرور والتسجيل العقاري لجعل تمويلها ذاتياً وإخراجها من الموازنة الاتحادية.

مراجعة النظام الضريبي والجمارك (خاصة البضائع الكمالية) وفرض ضرائب بما يتناسب مع الوضع الحالي شرط أن لا تكون طاردة للاستثمار ولا تنافس المنتج المحلي.

تدابير أخرى:

تقديم تسهيلات للقطاع الخاص فيما يخص تسجيل الشركات واصدار اجازات الاستثمار من خلال النافذة الواحدة مع انهاء البيروقراطية الرتيبة واختصارها بفترة زمنية لا تتجاوز ٧٢ ساعة.

وضع خطة لخصخصة مشاريع الدولة ابتداءً بالشركات التابعة لوزارة الصناعة.

احالة البطالة المقنعة على الضمان الاجتماعي وربط "المنتسبين العاطلين" ببرنامج تدريبي محدد بسقف زمني ليتمكنوا من العمل في شركات القطاع الخاص والمختلط.

تقليص صلاحيات الوزارات الاتحادية مع صرفياتها واعطاء الصلاحيات التنفيذية للمحافظات، واعتماد شركات عالمية لغرض تدقيق الحسابات و شركات ادارية لمراقبة سير المشاريع بالتوقيتات المتعاقد عليها مع مراعاة الضوابط والشروط العالمية.

دعوة القطاع الخاص الى المنافسة على المشاريع التي كانت حكراً على شركات القطاع العام مع تقديم اعفاءات ضريبية للمشاريع العملاقة.

مراجعة النظام المصرفي ودعم البنوك الاستثمارية لتكون شريكاً في المشاريع الصغيرة والمتوسطة وكذلك دعم هذه المشاريع بقروض ميسرة وبضمانة موجودات الشركات.

دعوة الشركات الاستثمارية الى المحافظات الامنة واعطائها تسهيلات لجذب رؤوس الاموال،

مراجعة عقود النفط لاعطاء حوافز كـ (Reserves Booking) للشركات العالمية مقابل تقليل نسبة الدفوعات (الاستحقاقات) للسنوات العشر القادمة، علماً أن تخصيصات الشركات النفطية المستثمرة في جنوب العراق ستتجاوز حاجز الـ ١٦ مليار دولار في العام ٢٠١٥، وهذا المبلغ سوف يزيد من العجز المالي للموازنة، لذا فمن المنطق اعادة جدولة الدفوعات بضمانات سيادية (Sovereign Guaranties) يغطيها النفط المستقبلي، وكذلك من خلال مفاوضة الشركات النفطية على صيغة تعاقدية متوازنة تنفع الطرفين، الحكومي والمستثمر.

الاقتراض من البنوك الاستثمارية بضمانة مشاريع استراتيجية تكون هي الشريك الرئيسي فيها وكذلك تقديم تسهيلات مصرفية للمستثمرين المحليين في القطاع الخاص (صناعة، زراعة، نقل، اسكان، سياحة، خدمات) بضمانة موجودات الشركات.

تشكيل مجلس الاعمار وصندوق الاستثمارات ويُعطى حق الاقتراض والاشراف على المشاريع الاستراتيجية وخصوصاً في بناء المطارات والموانيء وقطاعي السكن (في انشاء المدن الحديثة) والنقل (القطارات والمنشأت وخطوط النقل الحديثة) التي ترفد السياحة.

ختاماً، لا بد من الاشارة الى أن جزءً من هذه التوصيات والسياسات لها تأثير مباشر وآني حيث ستقود الى توفير مبلغ يصل الى خمسين مليار دولار في العام ٢٠١٥، وجزء منها ستتجلى معالمها على المدى المتوسط ٢-٤ سنوات كاستثمار الغاز الطبيعي الذي سيوفر ما لايقل عن خمسة عشر مليار دولار سنوياً، في حين أن الجزء الاهم من هذه التوصيات سيجني العراق ثمارها بعد خمس سنوات حين ننتقل الى اقتصاد السوق بعد اعادة هيكلة النظام الاقتصادي، وهذا مطلب دستوري لم ينفذ بعد وقد تم تجميده خلال السنين السابقة بسبب الفساد السياسي والترهل الاداري، لكننا نأمل أن تستغل حكومة الدكتور حيدر العبادي فرصة الازمة المالية كصحوة للنهوض بواقع الدولة العراقية الجديدة والمضي قدماً بخطى حثيثة وخطط علمية تصب في بناء دولة المؤسسات لمنفعة الشعب العراقي وضمان حقوق الاجيال تحت ظل دولة اتحادية فدرالية ديمقراطية.

  • عدنان الجنابي، عضو في مجلس النواب العراقي

**لؤي الخطيب، رئيس معهد العراق للطاقة

لقراءة النص باللغة الإنكليزية: The 2015 Budget