أزمة السكن / 2008

سكن لائق لكل العراقيين

يحتاج العراق إلى أكثر من (200.000) وحدة سكنية جديدة لسد احتياجات النمو الطبيعي للسكان إذا افترضنا أن متوسط حجم العائلة في المستقبل خمسة أشخاص. وخلال العشرين سنة الماضية كان عدد الوحدات السكنية التي تضاف سنويا هو عشر هذا الرقم. كما أن نسبة غير قليلة من الوحدات السكنية في الريف وحتى في المدن غير لائقة للسكن مثل بيوت الطين وبيوت الصفيح في السكن العشوائي في المدن. بالإضافة إلى ذلك فإن حوالي ربع المساكن التي تعتبر صالحة للسكن عند إنشائها هي الآن بوضع غير مناسب بسبب تقادمها وانتهاء مدة صلاحية مرافقها وتأسيساتها الصحية والكهربائي... الخ.

تقدر أفضل دراسات الإسكان النقص في الوحدات السكنية في العراق الآن بأكثر من مليون ونصف وحدة سكنية. ويقدرها البعض بمليونين ونصف المليون وحدة سكنية، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار الزيادات السنوية في السكان وتقادم عدد غير قليل من الوحدات السكنية. وهذا يعني أن أي برنامج لسد الفجوة الإسكانية يجب أن يبنى على توفير نصف مليون وحدة سكنية سنوياً، لمدة خمس سنوات. وإذا علمنا أن المصرف العقاري يمول حوالي عشرة آلاف وحدة سكنية على أحسن تقدير سيكون جلياً أن هذا النمط من تمويل الإسكان غير عملي وغير جدي. كما أن مشاريع الإسكان الحكومية لا يمكن أن تغطي أكثر من 10٪ من هذه الاحتياجات في أفضل الأحوال. علماً أن الحكومات المتعاقبة لم توفر أي عدد جدي من الوحدات السكنية.

إن المشروع الجدي الوحيد هو ما قامت به الحكومة الموقتة من خلال نواة صندوق الإسكان التابع لوزارة الإسكان والتعمير. ومبدأ هذا المشروع أن تقوم الدولة (وزارة البلديات أو المحافظات) بتخصيص أراضي لمجمعات سكنية متكاملة. ويقوم صندوق الإسكان الذي يتوجب زيادة رأسماله إلى مليار دولار تجدد سنوياً، لحين إكمال الخطة الخمسية للإسكان. وواجب صندوق الإسكان هو التعاون مع القطاع المصرفي لدعم فوائد قروض الإسكان وتأمين تلك القروض للمصارف والمستثمرين.

إن بناء (500.000) وحدة سكنية سنوياً يتطلب استثمارات لا تقل عن (25) مليار دولار وهذا يعادل ميزانيات دول كبيرة. ولا يمكن لأي دولة مهما كانت مواردها أن توفره من الميزانية العامة على حساب المال العام. فالدولة قد توفر مساكن لبعض الموظفين مثل الأطباء قرب مستشفياتهم، والأساتذة قرب جامعاتهم والمساكن المرتبطة بالعاملين في المناطق النائية. وليس من المصلحة أن تتوزع مشاريع الإسكان على الوزارات والادارات المحلية، تبادر كل منها بمشروع محدود لموظفيها أو لذوي الدخل المحدود. فإن هذه التعددية تكون عشوائية ومكلفة.

يجب البدء بوضع تصاميم أساسية للمدن وتحديد المناطق السكنية فيها. وعلى الحكومة الاتحادية قيادة هذه العملية واستكمالها بأقصر فترة ممكنة بالتعاون مع المحافظات وخاصة في المدن التي لم تستكمل فيها تصاميم عامة للمدن المعدنية. وبعد تحديد المناطق السكنية يوضع تصميم أولي للبنى التحتية في المناطق السكنية. ويجري التنسيق بين الحكومة الاتحادية والمحافظات على أوليات المناطق التي يجري البدء فيها بتنفيذ البنى التحتية وحسب الحاجة للسكن والكثافة السكانية للمحافظات والمدن.

السكن المدعوم وبالتزامن مع هذا العمل، تنشئ الحكومة الاتحادية صندوق مركزي لدعم الإسكان برأسمال دوار لا يقل عن مليار ونصف مليار دولار. ويكون في إدارة الصندوق تمثيل للمحافظات وأمانة بغداد بنسبة السكان فيها، ويمول من الميزانية المركزية للحكومة الاتحادية.

وبينما تقوم المحافظات بتمويل البنى التحتية للمناطق السكنية المختارة والإشراف على تنفيذها، يقوم صندوق دعم الإسكان بإعداد الخطة التمويلية لتنفيذ مشاريع الإسكان نفسها. ويشرف صندوق الإسكان على عقد ترتيبات تفصيلية مع المصارف الراغبة بالاشتراك في مشاريع الإسكان. وتضمن هذه الترتيبات حجم المبالغ التي يخصصها المصرف المشارك لتمويل البناء على أن يتعهد صندوق الإسكان بتغطية فروق الفوائد المرتبة على القروض، وتغطية عمليات التأمين على مخاطر عدم السداد والحوادث. أي أن صندوق دعم الإسكان يضمن القروض ويتحمل فوائدها.

تقوم الإدارات المحلية بالتعاون مع المصرف المشارك بإعلان مقاولا التنفيذ على المقاولين الراغبين، محليين وأجانب، للمشاركة بالمنافسة على التنفيذ. ويحق للمقاول الذي ترسو عليه المشاريع، حسب المواصفات والعدد المقرر في المناقصة، أن يسحب من المصرف المشارك على قدر التنفيذ الفعلي بموجب العقود الخاصة بالمشروع وبإشراف الإدارات المحلية. ويقوم صندوق دعم الإسكان بالمساعدة في الجوانب الفنية لكل المراحل، داعماً لإمكانيات الإدارات المحلية، ومراقباً للجانب المالي بقدر تعلق الأمر بالمصارف المشاركة.

وبإمكان المصارف المشاركة والإدارات المحلية البدء بعملية بيع الوحدات السكنية بالكلفة وبفوائد رمزية وبأقساط تبلغ (20 - 25) سنة. ولا يحتاج المواطن في هذه الحالة أن يدفع أي مقدمة. ويستلم المفتاح، ويبدأ بالتسديد الشهري فوراً، على أن تكون الوحدة السكنية مرهونة للمصرف المشارك.

تكون كلفة التمويل على صندوق دعم الإسكان محصورة بفروقات أسعار الفائدة وكلفة التأمين وكلفة إدارة الصندوق. ولا يحتاج الصندوق أن يكون مؤسسة كبيرة لأن عمله متخصص وغير تفصيلي وغير متشعب لأنه يعتمد في تنفيذ التمويل على المصارف المشاركة. وتكون الكلفة السنوية لإدارة تمويل بهذا الحجم (25 مليار دولار) لا تقل عن مليار دولار سنوياً. وإذا كانت أسعار الفائدة على التمويل عالية، قد تكون الكلف التي يتحملها الصندوق أكثر من ذلك. ولكن الكلفة الفعلية للمساكن يتحملها المواطن من خلال الأقساط الشهرية أو السنوية التي يسددها المواطن لمصارف.المشاركة. وهذه كلفة بسيطة نسبياً لحل أزمة السكن التي لن تحل إلا بمشاريع خلاقة وتصور جريء كما هو مطروح هنا.

وتتحمل الدولة (الحكومة الاتحادية والمحافظات) كلف البنى التحتية من طرف ومجاري وربط كهرباء ومدارس ومستوصفات...الخ. وهذه خدمات تقدمها الدولة على أية حال. ويجل أن تكون مشاريع الإسكان لائقة بالمواطن وتوفر له العيش الرغيد في مستقبل زاهر. ولا تكون أحياء متخلفة تكثر فيها الجريمة ويضيع فيها جيل الشباب.

لذا يجب أن تكون التصاميم مدروسة بشكل مستقبلي، ولمواطن يعتز بكرامته، ويطمح للرفاهية. وهذا التصور يتطلب التخطيط المركزي المدروس بعناية لتصاميم المدن والمناطق السكنية فيها ونوعية الخدمات والمساحات الخضراء ومتطلبات العيش الكريم لمستقبل زاهر. والابتعاد عن المجمعات السكنية العشوائية أو المكتظة دون خدمات مناسبة كما حدث سابقاً في مدينة الصدر وإسكان غربي بغداد (دوكسيادس).

كما يجب أن تكون الوحدات السكنية متنوعة المساحة ومتدرجة الكلفة حسب احتياجات العائلة والإمكانيات المالية للمواطن. وتخصص الوحدات السكنية المنفذة بهذه الطريقة إلى ذوي الدخل المحدود، وتوضع الأفضليات ابتداءً من أسفل السلم. أي يعطى لعوائل الشهداء وصغار الموظفين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية والأرامل الأولوية وحسب إمكانياتهم ويأتي من بعدهم بقية الموظفين ومتوسطي الدخل. وبما أن الوحدات السكنية تكلف 150 - 250 دولار شهرياً، فإنها ستكون بمتناول العوائل التي من هذه الشريحة. وبإمكان الإدارات المحلية منح وحدات سكنية مجاناً لحالات خاصة مثل عوائل الشهداء والأرامل، وتسدد أقيامها من ميزانيات الإدارات المحلية.

السكن الاستثماري

بالإضافة إلى مشاريع إسكان ذوي الدخل المحدود المدعومة، فإن المشاريع الاستثمارية للمدن والمجمعات السكنية معروفة في جميع أنحاء العالم وفي المنطقة وحتى داخل العراق في إقليم كردستان. وعندما تحدد المناطق السكنية في المدن أو في المناطق المختارة بالقرب من المدن، وتقوم الدولة بمد الطرق والخدمات إليها، بإمكان هيئات الإستثمار الاتحادية وفي المحافظات إعلان هذه المناطق للاستثمار. وقد تم تعديل قانون الاستثمار ليسمح بتمليك الأراضي المخصصة لأغراض الاستثمار في مشاريع الإسكان. وفي هذا النوع من الاستثمار هناك مسارين:

الأول:

يقدم المستثمر مشروع متكامل وتصور تفصيلي للمدينة السكنية المقترحة أو المنطقة السكنية التي يريد إقامتها على الرقعة المخصصة من الإدارة المحلية. وللإدارة أن تفرض على المستثمر تنفيذ مرافق معينة مثل الحدائق والملاعب والمسابح العامة والمدارس...الخ. ليكون المجمع متكامل ويوفر جميع احتياجات السكان ولا يولد ضغط إضافي على الخدمات العامة. وليس هناك ما يمنع الإدارة المعنية بفرض شروط على مواصفات البناء ونسب الفضاءات والخدمات والمساحات الخضراء. ومن بعد ذلك تطلق يد المستثمر في التنفيذ والبيع بالسعر الذي يراه مناسباً حسب السوق واحتياجات المواطنين الراغبين بالشراء. والراغب بالتملك في هذه الحالة يكون من الميسورين الذين لا يحتاجون إلى دعم الدولة. ويستفيد المستثمر والمواطن الذي يشتري السكن من توفير الأرض والخدمات، مما يجعل السكن المنفذ بهذه الطريقة أقل كلمة من السكن الذي قد ينفذه المواطن لنفسه. كما تتوفر في مثل هذه المجمعات السكنية خدمات وميزات لا تتوفر في السكن الخاص الاعتيادي. كما تكون الكلفة أقل في بناء مجمع كامل من معدل الكلفة في بناء سكن منفرد.

الثاني:

والمسار الثاني يبقى المبادرة والتصاميم بيد الادارات العامة والمحلية. فتقوم الإدارات من خلال مكاتب استشارية بتصميم تفصيلي للحي أو المنطقة السكنية المطلوبة. ومن ثم تعرض هذه المناطق على المستثمرين كمناقصة للتمويل والتنفيذ والبيع. وهذا النوع من الاستثمار يكون جاذباً للمقاولين المحليين، خاصة إذا ساعدت الإدارات المحلية في ضمان القروض التي يحتاج إليها المقاول المحلي لتمويل المشروع. بينما النمط الأول هو الأكثر إغراء للمستثمر الأجنبي الذي لا يحتاج إلى مساعدة في التمويل، بل يحتاج إلى بيئة وقوانين تضمن له الربح في سوق واعدة.

مشروع دعم المقاولين المحليين

لتشجيع التوسع في الإسكان بأنماط مختلفة وبأساليب تزيد من المشاركة المحلية وتنشيط الأسواق والمواد الأولية المحلية، بإمكان الإدارات المحلية باتباع نمط إضافي من دعم الإسكان. وهذا النمط يتطلب تعليمات (أو تشريع وحسب الحاجة) تسمح للإدارات المحلية منح أراضي للمقاولين المحليين لإقامة وحدات أو مجمعات سكنية عليها. ولا تحتاج الإدارة المحلية إلا إلى عقد مع المقاول يلزمه بتقديم تصاميم مقبولة للإدارة المحلية، ويحدد له مدة زمنية للبدء بتنفيذ المشروع، كما يحدد العقد مدة قصوى للانتهاء من المشروع. وتؤخذ من المقاول ضمانات (أغلبها منصبة على الأرض نفسها وما يقام عليها من أبنية) في حال اخلال المقاول بالتزاماته. ولا حاجة للإدارة المحلية أن تتدخل بأسعار وطرق بيع الوحدات السكنية لأنها تحكم بالكلفة والمنافسة والعرض والطلب. ومن الطبيعي أن يخضع المقاول - المستثمر لمواصفات البناء والتعليمات البلدية السارية.

الأيدي العاملة وتنشيط السوق

يتميز قطاع الإنشاء بأنه الأكثر حاجة إلى الأيدي العاملة من جميع القطاعات عدا الزراعة. كما أنه يستعمل مدخلات محلية بأعلى نسبة من غيره من الاستثمارات قياساً برأس المال المستثمر.

إن بناء بيت واحد يشغل ما معدله عشرة عمال على مدى ستة أشهر. أي حوالي خمس عمال على مدار السنة. وعند بناء نصف مليون وحدة سكنية يمكن تشغيل أكثرمن مليوني عامل. وهذا وحده يكفي للقضاء على البطالة. علماً أن مشاريع السكن ستكون موزعة جغرافياً وتشغل جميع أنواع العمال وبمختلف الاختصاصات من عمال يدويين إلى حرفيين وكهربائيين وسباكين وحدادين وغيرهم. وعند إنجاز البناء، يحتاج البيت إلى أثاث وستائر ومعدات منزلية متفرقة. ويخلق قطاع الإنشات، والسكن خصوصاً دورة اقتصادية متسارعة تعم جميع مرافق الحياة. كما أن هذه الدورة، إذا ما أديرت بشكل جيد، تكون المحرك الأهم للقطاع الخاص. وتريح الدولة من كثير من الأعباء التي تتحملها وحدها من خلال الميزانية التشغلية في الوقت الحاضر. إذ يقل اعتماد المواطن على الدولة في الوظيفة والدخل وغيرها من متطلبات الحياة التي لا مصدر لها في الوقت الحاضر غير الدخل النفطي (الريعي). فتدوير (25) مليار دولار كفيلة بدفع الاقتصاد بمسار تنموي متسارع، خاصة اذا ما امتدت مشاريع الإسكان على وتيرة عالية لمدة الخمس سنوات الأولى. وبعد غلق الفجوة الإسكانية سيتحول قطاع الإنشاءات الى تلبية احتياجات الزيادة السكانية للوحدات السكنية بواقع (200.000) وحدة سكنية سنوياً أو أكثر، خاصة وأن حجم أفراد العائلة الواحدة قد يتقلص إلى خمسة أفراد أو اقل مع تحسين الوضع المعاشي والرفاهية الذي يقود بشكل تلقائي إلى انشطار العائلة إلى مكونها الأساسي.

ويتوقع لقطاع الإنشاءات أن ينتقل من التركيز على السكن إلى الأبنية العامة والتجارية والصناعية والبنى التحتية. وهذه القطاعات تحتاج إلى عمالة وخبرات قريبة من تلك المطلوبة في قطاع الإسكان. أي أن انخفاض معدل بناء الوحدات السكنية الجديدة لن يخلق بطالة أو تدهور في النشاط الاقتصادي المرتبط بقطاع الإنشاءات.

يحتاج العراق إلى أكثر من (200.000) وحدة سكنية جديدة لسد احتياجات النمو الطبيعي للسكان إذا افترضنا أن متوسط حجم العائلة في المستقبل خمسة أشخاص. وخلال العشرين سنة الماضية كان عدد الوحدات السكنية التي تضاف سنويا هو عشر هذا الرقم. كما أن نسبة غير قليلة من الوحدات السكنية في الريف وحتى في المدن غير لائقة للسكن مثل بيوت الطين وبيوت الصفيح في السكن العشوائي في المدن. بالإضافة إلى ذلك فإن حوالي ربع المساكن التي تعتبر صالحة للسكن عند إنشائها هي الآن بوضع غير مناسب بسبب تقادمها وانتهاء مدة صلاحية مرافقها وتأسيساتها الصحية والكهربائي... الخ.

تقدر أفضل دراسات الإسكان النقص في الوحدات السكنية في العراق الآن بأكثر من مليون ونصف وحدة سكنية. ويقدرها البعض بمليونين ونصف المليون وحدة سكنية، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار الزيادات السنوية في السكان وتقادم عدد غير قليل من الوحدات السكنية. وهذا يعني أن أي برنامج لسد الفجوة الإسكانية يجب أن يبنى على توفير نصف مليون وحدة سكنية سنوياً، لمدة خمس سنوات. وإذا علمنا أن المصرف العقاري يمول حوالي عشرة آلاف وحدة سكنية على أحسن تقدير سيكون جلياً أن هذا النمط من تمويل الإسكان غير عملي وغير جدي. كما أن مشاريع الإسكان الحكومية لا يمكن أن تغطي أكثر من 10٪ من هذه الاحتياجات في أفضل الأحوال. علماً أن الحكومات المتعاقبة لم توفر أي عدد جدي من الوحدات السكنية.

إن المشروع الجدي الوحيد هو ما قامت به الحكومة الموقتة من خلال نواة صندوق الإسكان التابع لوزارة الإسكان والتعمير. ومبدأ هذا المشروع أن تقوم الدولة (وزارة البلديات أو المحافظات) بتخصيص أراضي لمجمعات سكنية متكاملة. ويقوم صندوق الإسكان الذي يتوجب زيادة رأسماله إلى مليار دولار تجدد سنوياً، لحين إكمال الخطة الخمسية للإسكان. وواجب صندوق الإسكان هو التعاون مع القطاع المصرفي لدعم فوائد قروض الإسكان وتأمين تلك القروض للمصارف والمستثمرين.

إن بناء (500.000) وحدة سكنية سنوياً يتطلب استثمارات لا تقل عن (25) مليار دولار وهذا يعادل ميزانيات دول كبيرة. ولا يمكن لأي دولة مهما كانت مواردها أن توفره من الميزانية العامة على حساب المال العام. فالدولة قد توفر مساكن لبعض الموظفين مثل الأطباء قرب مستشفياتهم، والأساتذة قرب جامعاتهم والمساكن المرتبطة بالعاملين في المناطق النائية. وليس من المصلحة أن تتوزع مشاريع الإسكان على الوزارات والادارات المحلية، تبادر كل منها بمشروع محدود لموظفيها أو لذوي الدخل المحدود. فإن هذه التعددية تكون عشوائية ومكلفة.

يجب البدء بوضع تصاميم أساسية للمدن وتحديد المناطق السكنية فيها. وعلى الحكومة الاتحادية قيادة هذه العملية واستكمالها بأقصر فترة ممكنة بالتعاون مع المحافظات وخاصة في المدن التي لم تستكمل فيها تصاميم عامة للمدن المعدنية. وبعد تحديد المناطق السكنية يوضع تصميم أولي للبنى التحتية في المناطق السكنية. ويجري التنسيق بين الحكومة الاتحادية والمحافظات على أوليات المناطق التي يجري البدء فيها بتنفيذ البنى التحتية وحسب الحاجة للسكن والكثافة السكانية للمحافظات والمدن.

السكن المدعوم

وبالتزامن مع هذا العمل، تنشئ الحكومة الاتحادية صندوق مركزي لدعم الإسكان برأسمال دوار لا يقل عن مليار ونصف مليار دولار. ويكون في إدارة الصندوق تمثيل للمحافظات وأمانة بغداد بنسبة السكان فيها، ويمول من الميزانية المركزية للحكومة الاتحادية.

وبينما تقوم المحافظات بتمويل البنى التحتية للمناطق السكنية المختارة والإشراف على تنفيذها، يقوم صندوق دعم الإسكان بإعداد الخطة التمويلية لتنفيذ مشاريع الإسكان نفسها. ويشرف صندوق الإسكان على عقد ترتيبات تفصيلية مع المصارف الراغبة بالاشتراك في مشاريع الإسكان. وتضمن هذه الترتيبات حجم المبالغ التي يخصصها المصرف المشارك لتمويل البناء على أن يتعهد صندوق الإسكان بتغطية فروق الفوائد المرتبة على القروض، وتغطية عمليات التأمين على مخاطر عدم السداد والحوادث. أي أن صندوق دعم الإسكان يضمن القروض ويتحمل فوائدها.

تقوم الإدارات المحلية بالتعاون مع المصرف المشارك بإعلان مقاولا التنفيذ على المقاولين الراغبين، محليين وأجانب، للمشاركة بالمنافسة على التنفيذ. ويحق للمقاول الذي ترسو عليه المشاريع، حسب المواصفات والعدد المقرر في المناقصة، أن يسحب من المصرف المشارك على قدر التنفيذ الفعلي بموجب العقود الخاصة بالمشروع وبإشراف الإدارات المحلية. ويقوم صندوق دعم الإسكان بالمساعدة في الجوانب الفنية لكل المراحل، داعماً لإمكانيات الإدارات المحلية، ومراقباً للجانب المالي بقدر تعلق الأمر بالمصارف المشاركة.

وبإمكان المصارف المشاركة والإدارات المحلية البدء بعملية بيع الوحدات السكنية بالكلفة وبفوائد رمزية وبأقساط تبلغ (20 - 25) سنة. ولا يحتاج المواطن في هذه الحالة أن يدفع أي مقدمة. ويستلم المفتاح، ويبدأ بالتسديد الشهري فوراً، على أن تكون الوحدة السكنية مرهونة للمصرف المشارك.

تكون كلفة التمويل على صندوق دعم الإسكان محصورة بفروقات أسعار الفائدة وكلفة التأمين وكلفة إدارة الصندوق. ولا يحتاج الصندوق أن يكون مؤسسة كبيرة لأن عمله متخصص وغير تفصيلي وغير متشعب لأنه يعتمد في تنفيذ التمويل على المصارف المشاركة. وتكون الكلفة السنوية لإدارة تمويل بهذا الحجم (25 مليار دولار) لا تقل عن مليار دولار سنوياً. وإذا كانت أسعار الفائدة على التمويل عالية، قد تكون الكلف التي يتحملها الصندوق أكثر من ذلك. ولكن الكلفة الفعلية للمساكن يتحملها المواطن من خلال الأقساط الشهرية أو السنوية التي يسددها المواطن لمصارف.المشاركة. وهذه كلفة بسيطة نسبياً لحل أزمة السكن التي لن تحل إلا بمشاريع خلاقة وتصور جريء كما هو مطروح هنا.

وتتحمل الدولة (الحكومة الاتحادية والمحافظات) كلف البنى التحتية من طرف ومجاري وربط كهرباء ومدارس ومستوصفات...الخ. وهذه خدمات تقدمها الدولة على أية حال. ويجل أن تكون مشاريع الإسكان لائقة بالمواطن وتوفر له العيش الرغيد في مستقبل زاهر. ولا تكون أحياء متخلفة تكثر فيها الجريمة ويضيع فيها جيل الشباب.

لذا يجب أن تكون التصاميم مدروسة بشكل مستقبلي، ولمواطن يعتز بكرامته، ويطمح للرفاهية. وهذا التصور يتطلب التخطيط المركزي المدروس بعناية لتصاميم المدن والمناطق السكنية فيها ونوعية الخدمات والمساحات الخضراء ومتطلبات العيش الكريم لمستقبل زاهر. والابتعاد عن المجمعات السكنية العشوائية أو المكتظة دون خدمات مناسبة كما حدث سابقاً في مدينة الصدر وإسكان غربي بغداد (دوكسيادس).

كما يجب أن تكون الوحدات السكنية متنوعة المساحة ومتدرجة الكلفة حسب احتياجات العائلة والإمكانيات المالية للمواطن. وتخصص الوحدات السكنية المنفذة بهذه الطريقة إلى ذوي الدخل المحدود، وتوضع الأفضليات ابتداءً من أسفل السلم. أي يعطى لعوائل الشهداء وصغار الموظفين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية والأرامل الأولوية وحسب إمكانياتهم ويأتي من بعدهم بقية الموظفين ومتوسطي الدخل. وبما أن الوحدات السكنية تكلف 150 - 250 دولار شهرياً، فإنها ستكون بمتناول العوائل التي من هذه الشريحة. وبإمكان الإدارات المحلية منح وحدات سكنية مجاناً لحالات خاصة مثل عوائل الشهداء والأرامل، وتسدد أقيامها من ميزانيات الإدارات المحلية.

السكن الاستثماري

بالإضافة إلى مشاريع إسكان ذوي الدخل المحدود المدعومة، فإن المشاريع الاستثمارية للمدن والمجمعات السكنية معروفة في جميع أنحاء العالم وفي المنطقة وحتى داخل العراق في إقليم كردستان. وعندما تحدد المناطق السكنية في المدن أو في المناطق المختارة بالقرب من المدن، وتقوم الدولة بمد الطرق والخدمات إليها، بإمكان هيئات الإستثمار الاتحادية وفي المحافظات إعلان هذه المناطق للاستثمار. وقد تم تعديل قانون الاستثمار ليسمح بتمليك الأراضي المخصصة لأغراض الاستثمار في مشاريع الإسكان.

وفي هذا النوع من الاستثمار هناك مسارين:

الأول:

يقدم المستثمر مشروع متكامل وتصور تفصيلي للمدينة السكنية المقترحة أو المنطقة السكنية التي يريد إقامتها على الرقعة المخصصة من الإدارة المحلية. وللإدارة أن تفرض على المستثمر تنفيذ مرافق معينة مثل الحدائق والملاعب والمسابح العامة والمدارس...الخ. ليكون المجمع متكامل ويوفر جميع احتياجات السكان ولا يولد ضغط إضافي على الخدمات العامة. وليس هناك ما يمنع الإدارة المعنية بفرض شروط على مواصفات البناء ونسب الفضاءات والخدمات والمساحات الخضراء. ومن بعد ذلك تطلق يد المستثمر في التنفيذ والبيع بالسعر الذي يراه مناسباً حسب السوق واحتياجات المواطنين الراغبين بالشراء. والراغب بالتملك في هذه الحالة يكون من الميسورين الذين لا يحتاجون إلى دعم الدولة. ويستفيد المستثمر والمواطن الذي يشتري السكن من توفير الأرض والخدمات، مما يجعل السكن المنفذ بهذه الطريقة أقل كلمة من السكن الذي قد ينفذه المواطن لنفسه. كما تتوفر في مثل هذه المجمعات السكنية خدمات وميزات لا تتوفر في السكن الخاص الاعتيادي. كما تكون الكلفة أقل في بناء مجمع كامل من معدل الكلفة في بناء سكن منفرد.

الثاني:

والمسار الثاني يبقى المبادرة والتصاميم بيد الادارات العامة والمحلية. فتقوم الإدارات من خلال مكاتب استشارية بتصميم تفصيلي للحي أو المنطقة السكنية المطلوبة. ومن ثم تعرض هذه المناطق على المستثمرين كمناقصة للتمويل والتنفيذ والبيع. وهذا النوع من الاستثمار يكون جاذباً للمقاولين المحليين، خاصة إذا ساعدت الإدارات المحلية في ضمان القروض التي يحتاج إليها المقاول المحلي لتمويل المشروع. بينما النمط الأول هو الأكثر إغراء للمستثمر الأجنبي الذي لا يحتاج إلى مساعدة في التمويل، بل يحتاج إلى بيئة وقوانين تضمن له الربح في سوق واعدة.

مشروع دعم المقاولين المحليين

لتشجيع التوسع في الإسكان بأنماط مختلفة وبأساليب تزيد من المشاركة المحلية وتنشيط الأسواق والمواد الأولية المحلية، بإمكان الإدارات المحلية باتباع نمط إضافي من دعم الإسكان. وهذا النمط يتطلب تعليمات (أو تشريع وحسب الحاجة) تسمح للإدارات المحلية منح أراضي للمقاولين المحليين لإقامة وحدات أو مجمعات سكنية عليها. ولا تحتاج الإدارة المحلية إلا إلى عقد مع المقاول يلزمه بتقديم تصاميم مقبولة للإدارة المحلية، ويحدد له مدة زمنية للبدء بتنفيذ المشروع، كما يحدد العقد مدة قصوى للانتهاء من المشروع. وتؤخذ من المقاول ضمانات (أغلبها منصبة على الأرض نفسها وما يقام عليها من أبنية) في حال اخلال المقاول بالتزاماته. ولا حاجة للإدارة المحلية أن تتدخل بأسعار وطرق بيع الوحدات السكنية لأنها تحكم بالكلفة والمنافسة والعرض والطلب. ومن الطبيعي أن يخضع المقاول - المستثمر لمواصفات البناء والتعليمات البلدية السارية.

الأيدي العاملة وتنشيط السوق

يتميز قطاع الإنشاء بأنه الأكثر حاجة إلى الأيدي العاملة من جميع القطاعات عدا الزراعة. كما أنه يستعمل مدخلات محلية بأعلى نسبة من غيره من الاستثمارات قياساً برأس المال المستثمر.

إن بناء بيت واحد يشغل ما معدله عشرة عمال على مدى ستة أشهر. أي حوالي خمس عمال على مدار السنة. وعند بناء نصف مليون وحدة سكنية يمكن تشغيل أكثرمن مليوني عامل. وهذا وحده يكفي للقضاء على البطالة. علماً أن مشاريع السكن ستكون موزعة جغرافياً وتشغل جميع أنواع العمال وبمختلف الاختصاصات من عمال يدويين إلى حرفيين وكهربائيين وسباكين وحدادين وغيرهم. وعند إنجاز البناء، يحتاج البيت إلى أثاث وستائر ومعدات منزلية متفرقة. ويخلق قطاع الإنشات، والسكن خصوصاً دورة اقتصادية متسارعة تعم جميع مرافق الحياة. كما أن هذه الدورة، إذا ما أديرت بشكل جيد، تكون المحرك الأهم للقطاع الخاص. وتريح الدولة من كثير من الأعباء التي تتحملها وحدها من خلال الميزانية التشغلية في الوقت الحاضر. إذ يقل اعتماد المواطن على الدولة في الوظيفة والدخل وغيرها من متطلبات الحياة التي لا مصدر لها في الوقت الحاضر غير الدخل النفطي (الريعي). فتدوير (25) مليار دولار كفيلة بدفع الاقتصاد بمسار تنموي متسارع، خاصة اذا ما امتدت مشاريع الإسكان على وتيرة عالية لمدة الخمس سنوات الأولى. وبعد غلق الفجوة الإسكانية سيتحول قطاع الإنشاءات الى تلبية احتياجات الزيادة السكانية للوحدات السكنية بواقع (200.000) وحدة سكنية سنوياً أو أكثر، خاصة وأن حجم أفراد العائلة الواحدة قد يتقلص إلى خمسة أفراد أو اقل مع تحسين الوضع المعاشي والرفاهية الذي يقود بشكل تلقائي إلى انشطار العائلة إلى مكونها الأساسي.

ويتوقع لقطاع الإنشاءات أن ينتقل من التركيز على السكن إلى الأبنية العامة والتجارية والصناعية والبنى التحتية. وهذه القطاعات تحتاج إلى عمالة وخبرات قريبة من تلك المطلوبة في قطاع الإسكان. أي أن انخفاض معدل بناء الوحدات السكنية الجديدة لن يخلق بطالة أو تدهور في النشاط الاقتصادي المرتبط بقطاع الإنشاءات.