يونس السبعاوي

ولد يونس السبعاوي في الموصل من ابوين عربيين سبق ان رزقا قبله بثلاثة عشرة مولودا ماتوا كلهم بسبب المرض ولذلك نذرت والدة يونس السبعاوي ان تسمي مولودها الجديد اذا رزقت به باسم النبي (يونس) تبركا كان والده بقالا يبيع الخضر في سوق الموصل فكان يونس يرافق والده ويساعده في المحل.

نشأ المغفور له يونس السبعاوي في عهد جثم البؤس على مدينة الموصل ايام الحرب العالمية الاولى فشهد الوانا من المجاعة حيث كانت جموع الجياع تجوب مدينة الموصل مستغيثة طالبة كسرة خبز، وشهد كذلك مناظر بشعة لجثث الموتى الملقاة في الطرقات مبعثرة هنا وهناك، وراى الجيش العثماني عند انسحابه من الموصل ليدخل بعده الجيش البريطاني الى المدينة.

حياته

في خضم هذه المشاعر الشتى من القلق والاضطراب التي سادت مدينة الموصل شب يونس، ولقد واجه يونس صعوبات جمة في دخوله الى المدرسة بسبب ممانعة والده الامي الذي كان يريد بقاء ولده معه في الدكان لمساعدته، وجد يونس في المدرسة الثانوية الشرقية مجالا واسعا لابراز مواهبه وذلك عبر احداث تعاقبت على الموصل فغمرتها بتيارات سياسية غدت خلالها القومية شعورا طاغيا يجرف الكثير من الشباب بسبب مشكلة الموصل، وما تعرضت له المدينة من محاولات استهدفت انتزاعها من العراق وضمها الى تركيا فساهم يونس في المظاهرات مدافعا عن عروبة الموصل، فحركت هذه الاحداث طموحه.

حياته السياسية

في اواخر عام 1938 توجه يونس الى بغداد بعد وفاة والده عاقدا العزم على كسب رزقه ثم عين معلما في احدى القرى وعندما شكل المغفور له رشيد عالي الكيلاني وزارته عام 1941 عين الشهيد يونس السبعاوي وزيرا للاقتصاد، وعندما تأزم الوضع مع الانجليز والوصي عبد الاله، وعند هروب الاخير الى البصرة قام رشيد عالي بتشكيل حكومة (الدفاع الوطني)، وجرت الاحداث السياسية وزاد الموقف سوءا مع السلطات البريطانية وحدثت معركة (الحبانية) بين القوات العراقية والبريطانية ثم تلا ذلك سقوط بغداد على ايدي الانجليز، طرح يونس السبعاوي فكرة (الغاء امتياز النفط) بوصفه وزيرا للاقتصاد وكوسيلة للضغط على السلطات البريطانية لتحرير هذه الثروة النفطية من السيطرة الاجنبية وعندما تأزم الوضع مع الانجليز لم يقتصر خلاف يونس مع الوزراء بل امتد ايضا الى الضباط الاربعة فقد وجد نفسه بعد ان لاحت عليهم بوادر التردد، وسادت صفوف الجيش مشاعر القلق بحيث دفعت بعض الضباط الى المجاهرة بضرورة تغيير القيادة العسكرية واستبدالها باخرى، وتقاتل بخطة سوقية جديدة ولاحت فكرة اخلاء العاصمة والانتقال الى كركوك لمواصلة القتال من هناك، وتالفت لجنة لصيانة الامن في بغداد استعدادا لذلك فوجد المرحوم السبعاوي نفسه مرة اخرى مع من يعارض فكرة التخلي عن بغداد ويدعو الى المقاومة الشعبية واللجوء الى حرب العصابات بدلا من الحرب النظامية والاعتماد على الشباب القومي في ممارسة هذا النوع من القتال حتى انه عرض على القادة الاربعة اقتراحا بمنحه سلطة حاكم عسكري عام اذا انسحبوا من العاصمة ليتولى بنفسه المسؤولية ويمارس تجربة حرب العصابات وقد تجاهل العقداء الاربعة هذا الاقتراح اعتقادا منهم ان اللجوء الى حرب غير نظامية لايجدي نفعا، ولم يكتب النجاح لهذه المحاولات بسبب تغير الموقف الدولي وما اسفر عنه من تطورات عسكرية انتهت باحتلال ايران من قبل الانجليز وبالتالي القبض على يونس السبعاوي ورفاقه وارسالهم الى العراق حيث قدموا الى المجلس العرفي العسكري لمحاكمتهم،

وهناك وقف السبعاوي شامخ الرأس يتحدث بحماسة المؤمن بعمله والفخورية لايتهرب من فعل قام به، ولايتخاذل امام التهم الموجهة اليه، فقررت المحكمة التي كان يرأسها (مصطفى راغب) عقوبة الاعدام بحق السبعاوي واعرب رئيس الوزراء عن استعداده لتقبيل يد ورجل الوصي عبد الاله لاعادة النظر في احكام الاعدام، ولكن الوصي اسرع في ذلك، وقد حاولت والدة يونس بعد ان حطم شبح الاعدام اعصابها ان تعمل شيئا لانقاذ ولدها فاسرعت الى مقابلة ام الوصي نفيسة قائلة لها: انت ام قبل ان تكوني اميرة لك ولد واحد شانك شاني توفيه مبلغ تعلق الام بولدها الوحيد خاصة اذا كان ذلك الولد قد رزقت به بعد ان فقدت قبله (13) ولدا ناشدتك باسم الامومة ان تبادري الى انقاذ ولدي من حبل المشنقة الذي ينتظره، ولكن هذه الكلمات المؤثرة من ام مفجوعة لم تحرك مشاعر الرحمة عند ام الوصي بل بادرتها بكلمات تركية فاهت بها بعصبية وخشونة فوقفت ام الشهيد السبعاوي بشموخ واباء وارتدت عباءتها ثم رفعت يدها الى السماء والدموع تخنقها: اسأل الله ان يكون مصير ولدك كمصير ولدي. كان الوصي عبد الله ونوري السعيد والسفير البريطاني في العراق قد حضروا اعدام المناضلين يونس السبعاوي وفهمي سعيد ومحمود سلمان من باب (الشماتة) بهم وتشفيا من الحقد الدفين في نفوسهم.

اعدامه

وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل حضر الموكلون بتنفيذ الحكم واخرجوا المحكومين من غرفهم بعد ان ادى كل منهم الفروض الدينية وبعد ان لبسوا في رؤوسهم اكياسا سوداء مروا من الممر وهم يرسلون خطاهم ارسالا وكانهم ليسوا سائرين الى الموت، وانما لتأدية واجب فرضه عليهم وطنهم، وعندما ابلغت المحكمة عوائل المعدومين للحضور للقاء المحكومين، اقبلت النساء واخذن ينتحبن ، اما زوجة السبعاوي فقد اغمي عليها وفي ليلة الاعدام اقبل الامام للتلقين فلقن الشهيدين محمود سلمان وفهمي سعيد. اما الشهيد يونس السبعاوي فقد رفض التلقين قائلا للامام: اني مسلم واعلم امر ربي، ثم خاطب الجمهور قائلا: اني على حق واني عملت لاجل خدمة بلادي وانه سيحاسب الظالمين يوم القيامة، وظل الشهيد يونس السبعاوي محتفظا بهدوئه حتى شنقه.

المصدر

وصلة خارجية