سليماني:القائد الشبح / 2013

بقلم : دكستر فلكنز

30 ايلول 2013 - مجلة النيويوركر

تم حذف بعض المقاطع التي لا تؤثر على سياق الموضوع, وفي عدا ذلك تلتزم الترجمة بالنص الاصلي.

اعداد : مركز البحوث والدراسات العراقية (مبدع)

إجتمع أكثر القادة الإيرانيين نفوذاً في شباط الماضي في مسجد أمير المؤمنين شمال شرقي طهران، داخل مجمّع مسيّج خاص بكبار ضباط الحرس الثوري الإيراني. كانت المناسبة تقديم التعازي بحسن الشاطري، المخضرم في شؤون الحروب السرية التي خاضتها إيران في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وأحد كبار قادة «فيلق القدس»، الأداة النافذة للسياسة الإيرانية الخارجية، وهو يشبه بشكل كبير مزيجاً من وكالة الاستخبارات المركزية والقوات الخاصة الأميركية؛ ويحمل الفيلق اسم مدينة القدس التي يعد بتحريرها. منذ العام 1979، هدف الفيلق كان تدمير أعداء إيران وتوسيع نفوذ الدولة في انحاء الشرق الأوسط. أمضى الشاطري معظم خدمته في الفيلق خارج إيران في أفغانستان أولاً، ومن ثم في العراق، حيث ساعد الميليشيات الشيعية على قتل الجنود الأميركيين.

وكان الشاطري قتل قبل يومين من العزاء على طريق دمشق – بيروت بعدما توجه إلى سوريا إلى جانب آلاف العناصر من الفيلق لإنقاذ الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد، حليف إيران الحيوي. عمل الشاطري تحت غطاء كونه رئيس لـ«فيلق القدس» في لبنان حيث ساعد على تعزيز «حزب الله» المسلّح، والذي بدأ بإرسال مقاتليه إلى سوريا للمحاربة إلى جانب النظام. لا تزال ظروف وفاة الشاطري مجهولة، غير أن أحد المسؤولين الإيرانيين قال إن الشاطري تعرّض الى «استهداف مباشر من قبل النظام الصهيوني» وهي الصفة التي يستعملها الإيرانيون عادة للإشارة إلى إسرائيل.

أثناء الجنازة، بكى بعض المشيعين، لطم بعضهم الآخر صدره على الطريقة الشيعية. النعش لف بعلم إيران، ووقف عنده حوله قائد الحرس الثوري، وهو أحد عناصر المؤامرة لاغتيال أربعة من قادة المعارضة الإيرانية في المنفى في أحد مطاعم العاصمة الألمانية برلين في العام 1992، والأب الروحي لعماد مغنية، أحد قادة «حزب الله» الذي يعتقد أنه مسؤول عن التفجيرات التي أدت إلى مقتل أكثر من 250 جندياً أميركياً في بيروت في العام 1983. والذي اغتيل في العام 2008 على يد عملاء إسرائيليين كما يزعم. وبحسب روح الثورة الإيرانية، أن تموت يعني أنك قد اديت خدمة. وقبل مأتم الشاطري، أصدر القائد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي نعياً قال فيه «في النهاية، لقد شرب عصير الاستشهاد اللذيذ».

وفي الصف الثاني على أرضية المسجد المفروشة بالسجاد، كان الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» مقرفصاً. وهو رجل صغير الحجم في السادسة والخمسين من العمر، ذو شعر أشيب، ولحية مشذّبة قصيرة وصاحب نظرة تنمّ عن ثقة كاملة بالنفس. لقد كان سليماني هو من أرسل الشاطري، صديقه القديم، إلى الموت. انتمى سليماني والشاطري بصفتهما من قادة حرس الثورة، إلى عصبة صغيرة شُكلت خلال «الدفاع المقدس»، وهو الاسم الذي أطلق على الحرب الإيرانية - العراقية التي استمرت بين 1980 و1988 وخلّفت ما يقارب المليون قتيل. لقد كانت معركة كارثية، لكنها بالنسبة الى إيران بداية مشروع امتد طوال ثلاثة عقود لبناء النفوذ الشيعي الممتد من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط. حيث شكلت إيران الى جانب حلفائها في سوريا ولبنان محور المقاومة ضد القوى السنية المسيطرة على المنطقة. كان المشروع على المحك في سوريا، وكان سليماني يخوض معركة مصيرية حتى لو كان الثمن صراعاً مذهبياً يلفّ المنطقة لسنوات.

تولّى سليماني قيادة ««فيلق القدس»» قبل 15 سنة، وسعى خلال هذه الفترة إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليكون لصالح إيران، وعمل كصانع قرار سياسي وقوة عسكرية: يغتال الخصوم، يسلّح الحلفاء، ولأكثر من عقد من الزمن، يقود شبكة مجموعات عسكرية قتلت مئات الأميركيين في العراق. وضعت وزارة الخزانة الأميركية سليماني على لائحتها السوداء بسبب دوره في دعم نظام الأسد وتحريضه على الإرهاب. ومع ذلك، بقي في معظم الأوقات مخفياً بالنسبة الى العالم الخارجي، على الرغم من أنه كان يوجه العملاء ويدير العمليات. وقال جون ماغواير، العميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية في العراق «سليماني هو أكثر الشخصيات نشاطاً في الشرق الأوسط اليوم، وفي الوقت نفسه لم يسمع به أحد».

وعندما يظهر سليماني علناً ليخطب في مناسبات لقدامى الحرس أو للقاء الخامنئي، يتصرف بصورة غير ملفتة للنظر ولا يرفع صوته إلا نادراً، ويظهر قليلاً من الجاذبية كما يقول العرب. وقال أحد كبار المسؤولين العراقيين «إنه قصير جداً لكن له حضوره. قد يكون هناك عشرة أشخاص في غرفة وعندما يدخل سليماني لا يأتي ليجلس معك، بل يجلس في الناحية الأخرى من الغرفة بمفرده وبطريقة صامتة جداً. وهكذا بالطبع يحمل الجميع على التفكير به».

كانت الأشهر الأولى من العام 2013، وقبيل وفاة الشاطري، تشهد الحد الأدنى من التدخل الإيراني في سوريا. وكان الأسد يخسر الأرض لصالح الثوار وغالبيتهم من السنة، خصوم إيران. فإذا سقط الأسد، ستفقد إيران تواصلها مع بـ «حزب الله»، قاعدتها المتقدّمة في وجه إسرائيل. وقال أحد الملالي الإيرانيين «إذا خسرنا سوريا، لن يعود بإمكاننا الاحتفاظ بطهران».

وعلى الرغم من أن الإيرانيين كانوا مرهقين نتيجة العقوبات الأميركية التي فرضت لثني النظام في طهران عن تطوير سلاح نووي، إلا أن جهودهم كانت غير محدودة في محاولة إنقاذ نظام الأسد. ومن بين أمور عديدة، قدّموا قرضاً بقيمة سبعة مليارات دولار لتعزيز الاقتصاد السوري. وقال مسؤول أمني شرق أوسطي «لا أعتقد أن الإيرانيين يحسبون ذلك بالدولار، فهم ينظرون إلى خسارة الأسد كتهديد مصيري لهم». وبالنسبة الى سليماني، تبدو مسألة إنقاذ الأسد عملية كرامة، خاصة بما في ذلك من تميّز عن الأميركيين. وقال أحد القادة العراقيين السابقين «سليماني قال لنا إن الإيرانيين سيقومون بما يتطلبه الأمر، نحن لسنا مثل الأميركيين ولا نتخلّى عن أصدقائنا».

وفي العام الماضي، طلب سليماني من القادة الأكراد في العراق السماح له بفتح طريق إمداد عبر شمال العراق إلى سوريا. وهو قد أمضى سنوات طويلة يغري الأكراد ويرشيهم في محاولة منه لحملهم على التعاون مع خططه، لكنهم هذه المرة رفضوا طلبه. والأسوأ من ذلك، أن جنود الأسد لا يقاتلون، وإن قاتلوا، فإنهم يذبحون المدنيين ويدفعون السكان باتجاه الثوار. وقال سليماني لأحد السياسيين العراقيين «الجيش السوري لا ينفع!» وكان يميل إلى «الباسيج»، الميليشيا الإيرانية التي سحق عناصرها التمردات الشعبية في جميع أنحاء إيران. وقال سليماني «أعطني كتيبة من الباسيج يكون باستطاعتي احتلال البلد بكامله». وفي آب 2012، ألقى الثوار المناهضون للأسد القبض على 48 إيرانياً داخل سوريا. واحتج القادة الإيرانيون زاعمين أنهم حجاج جاءوا ليصلوا في مقام ديني شيعي، لكن الثوار ووكالات الاستخبارات الغربية قالت إنهم إعضاء في ««فيلق القدس»». وفي جميع الأحوال، كانوا مهمين لدرجة أن الأسد وافق على إطلاق سراح أكثر من الفين من الثوار المعتقلين مقابل إطلاقهم. وقتل الشاطري بعدها.

وأخيراً، بدأ سليماني بالسفر بشكل مستمر إلى سوريا لكي يتمكن شخصياً من إدارة التدخل الإيراني. وقال مسؤول دفاعي أميركي «إنه يقود الحرب شخصياً». وفي دمشق، يزعم أن سليماني يعمل انطلاقاً من مركز قيادة محصّن بشكل كبير في أحد المباني غير المعروفة، حيث يعاونه عدد كبير من القادة من جنسيات مختلفة: قادة الجيش السوري، قائد من «حزب الله»، ومنسق عمليات الميليشيات الشيعية العراقية، من الذين جنّدهم سليماني وزجهم في المعركة. وإذا لم يتمكن سليماني من الحصول على «الباسيج»، فقد رضي بأفضل ما هو متوفر: الجنرال حسين حمداني، نائب القائد السابق للباسيج. وحمداني، رفيقه السابق في الحرب الإيرانية - العراقية، وهو خبير في إدارة عمليات الميليشيات غير النظامية التي كان الإيرانيون يجمعونها من أجل الاستمرار في القتال إذا سقط الأسد.

وفي العام الماضي، لاحظ مسؤولون غربيون زيادة في رحلات تجهيز المؤن الإيرانية إلى مطار دمشق. فعوضاً عن بضع طائرات أسبوعياً، كانت الطائرات تحطّ يومياً في مطار دمشق محمّلة بأطنان كثيرة من الأسلحة والذخائر وضباط من «فيلق القدس»، وفقاً لما قاله مسؤول أمني شرق أوسطي. واستناداً الى مسؤولين أميركيين، كان الضباط ينسّقون الهجمات، ويدربون الميليشيات، وأنشأوا نظاماً متطوراً لمراقبة اتصالات الثوار، كما أجبروا العديد من فروع أجهزة أمن الأسد التي صُممت للتجسس على بعضها البعض على العمل معاً. وقال المسؤول الأمني الشرق أوسطي إن عدد عناصر «فيلق القدس» وعناصر الميليشيات الشيعية العراقية الذين جاؤوا معاً يبلغ الآلاف، وهم منتشرون في جميع أنحاء البلاد.

وكانت نقطة التحوّل في نيسان الماضي بعدما تمكن الثوار من الاستيلاء على مدينة القصير السورية بالقرب من الحدود مع لبنان. ولاستعادة المدينة، طلب سليماني من حسن نصرالله، الأمين العام لـ «حزب الله» إرسال أكثر من الفي مقاتل من الحزب. لم يكن إقناعه صعباً. فالقصير تقع على مدخل وادي البقاع، الطريق الرئيسة للصواريخ والمواد الأخرى التي تصل إلى «حزب الله»؛ فإذا قطعت هذه الطريق، سيكون من الصعب على «حزب الله» الصمود. الاثنان (سليماني ونصرالله) اصدقاء منذ فترة طويلة، وقد تعاونا لسنوات في لبنان وأماكن أخرى عديدة من العالم حيث نفّذ عناصر «حزب الله» عمليات إرهابية بناء على أوامر من إيران. واستناداً الى ويل فيلتون، خبير الشؤون الإيرانية في معهد «أميركان انتربرايز»، فإن مقاتلي «حزب الله» حاصروا القصير، وقطعوا الطرقات إليها قبل أن يهاجموها ما أسفر عن سقوط العشرات من مقاتليه كما سقط ما لا يقل عن ثمانية ضباط إيرانيين. وفي 5 حزيران سقطت المدينة. وقال ماغواير الذي لا يزال ناشطاً في المنطقة «العملية بأكملها من تنظيم سليماني. لقد كانت نصراً عظيماً له».

وكان حسن نصرالله، زعيم «حزب الله» قد اعتنق مبدأ «ولاية الفقيه» التي تعترف بالسلطة المطلقة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، كما اعترف بوجود عملاء لـ«فيلق القدس» في لبنان. وبين العامين 2000 و2006، اسهمت إيران بما يعادل 100 مليون دولار سنوياً إلى «حزب الله». ومقاتلو الحزب أفضل عملاء لإيران، فخلافاً للايرانيين يتحدثون العربية ما يجعلهم أفضل للعمل في سوريا وغيرها من دول العالم العربي. وخلال عملهم مع الإيرانيين، نفّذوا عمليات أو خططوا لتنفيذها في قبرص وأذربيجان وتركيا.

وحكومة إيران عنيدة بشكل كبير. تكثر الوجوه حول خامنئي لمساعدته على صياغة السياسة الخارجية، بمن فيهم قادة الحرس الثوري، كبار الملالي، ومسؤولو وزارة الخارجية. غير أن سليماني أعطي حرية مطلقة في تطبيق رؤية خامنئي. وقال مئير داغان، الرئيس السابق لجهاز الموساد «لديه علاقات مع جميع دوائر النظام. إنه ما ينطبق عليه البارع سياسياً. لديه علاقات مع الجميع». ويصفه المسؤولون بأنه مؤمن بالإسلام وبالثورة وفي حين أن العديد من مسؤولي الحرس الثوري كوّنوا ثروات من خلال سيطرة الحرس على الصناعات الإيرانية الرئيسة، إلا أن سليماني ارتضى لنفسه ثروة بسيطة وهبه إياها القائد الأعلى. وقال ماغواير «يهتمون به بشكل جيد».

ومنذ ذلك الحين، نظّم سليماني هجمات في أماكن بعيدة مثل تايلاند، ونيودلهي، ولاغوس ونيروبي أي على الأقل 30 محاولة خلال السنتين الماضيتين وحدهما. وأكثر هذه المحاولات شهرة كانت مؤامرة في العام 2011 لاستئجار خدمات شبكة تهريب مخدرات مكسيكية لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة وهو يتناول الطعام في أحد المطاعم على بعد كيلومترات قليلة من البيت الأبيض. وتبيّن أن عميل شبكة تهريب المخدرات الذي توّدد إليه عميل سليماني، ليس سوى مخبر لدى وكالة مكافحة المخدرات الأميركية. ويبدو أن «فيلق القدس» أقوى في الأماكن القريبة من إيران، إذ فشلت خطط عديدة في أماكن بعيدة. ومع ذلك، وبعد انفضاح المؤامرة، قال مسؤولان أميركيان سابقان أمام لجنة من الكونغرس إنه يجب اغتيال سليماني. وقال أحدهما «سليماني يسافر كثيراً. يسهل النيل منه. اذهبوا لاعتقاله أو اقتلوه». أما في إيران فقد وقّع أكثر من مئتي شخصية مرموقة عريضة دفاعاً عنه؛ ونشر أحد المواقع الاجتماعية على الانترنت بيانًا جاء فيه «كلنا قاسم سليماني».

وفي العام 1979، عندما كان سليماني في الثانية والعشرين من العمر، أطاح الشعب بنظام الشاه بقيادة آية الله روح الله الخميني وتحت اسم الاسلام. ونتيجة تحمسه الشديد إلى الثورة، انضم سليماني إلى الحرس الثوري، وهو القوة العسكرية التي أسستها القيادة الدينية الجديدة في إيران، لمنع الجيش من الانقلاب، وترقّى في صفوف الحرس بسرعة بعدما أرسل إلى شرقي غرب إيران حيث ساعد على قمع انتفاضة نظّمها الأكراد.

اكتسب سليماني سمعة الشجاعة والحماسة، خاصة بعد قيامه بمهمات استطلاع خلف خطوط العدو العراقي. وكان يعود من عدد من المهمات حاملاً معه عنزة يقوم جنوده بذبحها وشيّها. وقال مسؤول سابق في الحرس الثوري فرّ إلى الولايات المتحدة «حتى العراقيين، أعداؤنا، كانوا يعجبون به لقيامه بذلك». وأصبح يعرف سليماني عبر أثير الإذاعة العراقية بـسارق الماعز. وقال ألفونيه إنه تقديراً لفعاليته، أوكلت إليه مهمة قيادة كتيبة من كرمان مؤلفة من رجال كان التقى بهم في نادي الرياضي المحلي.

وكان لدى ريان كروكر السفير الأميركي السابق لدى العراق بين العامين 2007 و2009 الشعور نفسه (بأن سليماني مستديم الحماس للثورة). ففي خلال حرب العراق، كان كروكر يتعامل في بعض الأحيان مع سليماني بشكل غير مباشر، من خلال القادة العراقيين الذين كانوا يسافرون من وإلى طهران بصورة دائمة. ومرة سأل احد العراقيين عما إذا كان سليماني متديّناً بشكل خاص وكان الجواب «ليس حقاً. كان يؤم المسجد بصورة دائمة، لكن الدين ليس دافعه بل القومية وحبه للقتال هما الدافع».

كان «فيلق القدس» الوسيلة المثالية. فقد أنشأ الخميني بداية اولية لهذه القوة في العام 1979 بهدف حماية إيران وتصدير الثورة الإسلامية. والفرصة الأكبر جاءت في لبنان، عندما أرسلت مجموعة من ضباط الحرس الثوري في العام 1982 لتنظيم الميليشيات الشيعية في خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي شاركت فيها أطراف عديدة. وأثمرت هذه الجهود عن تأسيس «حزب الله» تحت توجيه إيران. وساعد القائد العسكري لـ «حزب الله» عماد مغنية على تأسيس ما عرف لاحقاً باسم جهاز الأمن الخاص، وهو أحد أجنحة «حزب الله» الذي يعمل بشكل وثيق مع «فيلق القدس». وتمكن «حزب الله» بمساعدة من ايران من تنظيم هجمات على السفارة الأميركية ومقري القوات الفرنسية والأميركية. وقال دافيد كريست، المؤرخ في الجيش الأميركي ومؤلف كتاب «حرب الغسق» «في الأيام الأولى، وعندما كان حزب الله معتمداً بشكل كلي على المساعدات الإيرانية، كان مغنية وآخرون عملاء ايرانيون بملء ارادتهم».

وفي العام 1998، سمّي سليماني على رأس «فيلق القدس» حيث تولى قيادة جهاز كان قد بنى لنفسه تاريخاً دموياً. ويعتقد المسؤولون الأميركيون والأرجنتينيون أن النظام الإيراني ساعد «حزب الله» على تنظيم تفجير السفارة الإسرائيلية في بيونس أيرس في العام 1992 الذي أدى إلى مقتل 29 شخصاً، والهجوم على المركز اليهودي في المدينة نفسها والذي أدى الى مقتل 85 شخصاً. وحوّل سليماني «فيلق القدس» إلى تنظيم ذي باع طويل وفروع متخصصة بالاستخبارات، والتمويل، والسياسة، والتخريب والعمليات الخاصة. وبالاضافة الى مركز القيادة الذي اتخذه في مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران، يملك «فيلق القدس» ما بين عشرة وعشرين ألف عنصر، ينقسمون بين المقاتلين ومشرفين على تدريب وإدارة الفروع الخارجية. ويتم اختيار عناصر الفيلق من بين أصحاب المهارات والولاء لعقيدة الثورة الإسلامية، (وفي بعض الأحيان بسبب الروابط العائلية). واستناداً إلى صحيفة «إسرائيل اليوم» يتم تجنيد المقاتلين في جميع أنحاء المنطقة، ويتم تدريبهم في مدينتي شيراز وطهران، وتلقينهم العقيدة في «جامعة عملية القدس» في مدينة قم، ثم يرسلون «لشهور طويلة في مهمات إلى أفغانستان والعراق ليحصلوا على خبرة في العمل الميداني. ويسافرون عادة باعتبارهم عمال بناء إيرانيين».

وبعد توليه القيادة، عزز سليماني علاقاته في لبنان مع مغنية وحسن نصرالله، الأمين العام لـ «حزب الله». وفي تلك الأثناء، كان الجيش الإسرائيلي قد احتل لبنان لما يزيد عن ستة عشر عاماً، وكان «حزب الله» يتوق إلى السيطرة على البلد، فأرسل سليماني عناصر من «فيلق القدس» لمساعدته على ذلك. وقال كروكر «كان لديه حضور هائل في التدريب والنصح والتخطيط». وفي العام 2000، انسحب الإسرائيليون مرهقين نتيجة هجمات «حزب الله». وكان ذلك إشارة الى انتصار الشيعة، وأضاف كروكر «كان مثالاً آخر حول كيف يمكن لدول مثل سوريا وإيران أن تخوص لعبة طويلة المدى، معتمدين على أنه لا يمكننا فعل ذلك».

ومنذ ذلك الحين، وفّر النظام الإيراني المساعدات لمجموعات مختلفة من المقاتلين الإسلاميين التي تعارض حلفاء الأميركيين في المنطقة، مثل المملكة السعودية والبحرين. ولم تصل المساعدة إلى الشيعة وحسب، بل أيضاً إلى مجموعات سنية مثل حماس، ما أسهم في تشكيل مجموعة تحالفات تمتد من بغداد حتى بيروت. وقال ديبلوماسي غربي في بغداد «لم ينطلق أحد من طهران على اساس خطة شاملة مسبقة لبناء محور المقاومة، غير أن الفرص كانت تتاح بنفسها. في كل حالة، كان سليماني أذكى، وأسرع ويملك موارد أكثر من أي جهة أخرى في المنطقة. ومن خلال اغتنام الفرص حين حدوثها، بنى هذا الشيء ببطء لكن بثبات».

وبعد اعتداءات 11 أيلول، سافر ريان كروكر الذي كان قد أصبح أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية، إلى جنيف للقاء مجموعة من الديبلوماسيين الإيرانيين. وقال كروكر «كنت أسافر يوم الجمعة وأعود يوم الأحد، وكانت عطلة نهاية الأسبوع، فلم يكن يعلم أحد في الوزارة أين كنت. كنا نسهر طيلة الليل خلال اجتماعاتنا». وبدا واضحاً لكروكر أن الإيرانيين كانوا يستجيبون الى سليماني الذي كانوا يسمّونه «الحاج قاسم»، وكانوا يتوقون إلى مساعدة الولايات المتحدة الأميركية في القضاء على عدوهم المشترك، الطالبان. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وإيران كانتا قطعتا العلاقات الديبلوماسية في العام 1980 عقب أزمة الرهائن الديبلوماسيين الأميركيين في طهران، إلا أن كروكر لم يكن متفاجئاً بإحساسه بمرونة سليماني. وقال «لا تعيش ثماني سنوات من الحرب الوحشية من دون أن تخرج منها براغماتياً». كان سليماني يمرر رسائل في بعض الأحيان لكروكر، لكنه كان يتجنّب أن تكون خطية. وأضاف كروكر «الحاج قاسم أذكى بكثير من ذلك. لن يترك وراءه آثاراً ورقية للأميركيين».

وقبل بدء عمليات القصف على أفغانستان، شعر كروكر أن الإيرانيين كانوا يفقدون صبرهم مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ويعتقدون أن المسألة تأخرت كثيراً قبل المباشرة بقصف الطالبان. وفي اجتماع في مطلع تشرين الأول 2001، وقف كبير المفاوضين الإيرانيين ورمى برزمة من الأوراق على الطاولة وقال «إذا لم تتوقفوا عن بناء هذه الحكومات الخرافية في السماء، وتبدأوا بالفعل بالقصف على الأرض، فلن يحدث أي من هذه الأشياء. عندما تصبحون جاهزين للحديث جدياً عن قتال حقيقي، تعرفون أين تجدوني». وغادر الغرفة بسرعة. وأضاف كروكر «كانت لحظة عظيمة».

استمر التعاون بين البلدين طيلة المرحلة التحضيرية للحرب. وفي مرحلة معينة، سلّم كبير المفاوضين إلى كروكر خريطة تفصيلية عن مواقع قوات الطالبان، وقال «هذه نصيحتنا. اضربوهم هنا أولاً، ثم انتقلوا إلى هنا. هذا هو المنطق». فسأل كروكر:هل باستطاعتي تدوين ملاحظات؟ فأجاب المفاوض «يمكنك الاحتفاظ بالخريطة». وتدفقت المعلومات بين الجانبين. وفي لحظة ما، قال كروكر إنه أعطى نظراءه الإيرانيين موقع أحد مخبري طالبان وهو يعيش في مدينة مشهد شرق إيران. اعتقله الإيرانيون وسلّموه إلى قادة أفغانستان الجدد الذين بحسب اعتقاد كروكر قاموا بتسليمه إلى الولايات المتحدة. وقال المفاوض لكروكر «الحاج قاسم سعيد جداً لتعاوننا».

ولم تستمر العلاقات الطيبة طويلاً، ففي كانون الثاني 2002، وكان كروكر أصبح في حينها نائب مسؤول السفارة الأميركية في العاصمة الأفغانية كابول، أيقظه مساعدوه ليلاً ليبلغوه أن الرئيس الأميركي جورج بوش سمّى إيران عضواً في «محور الشر». وتمامًا كما الكثير من كبار الديبلوماسيين، فوجئ كروكر بهذا الموقف، وشاهد في اليوم التالي كبير المفاوضين الإيرانيين في مركز الأمم المتحدة في كابول وكان غاضباً.

ويقول كروكر إن المفاوض الايراني قال له «لقد أسأت إلي بالكامل. أصيب سليماني بنوبة غضب، فهو يشعر أنه قد غدر به» وأضاف المفاوض لكروكر أن هذه لحظة خطر سياسي حقيقي وأن سليماني يقوم بإعادة تقويم شاملة للعلاقة مع الولايات المتحدة قائلاً «ربما حان الوقت لكي نعيد التفكير بعلاقتنا مع الأميركيين». لقد وضع خطاب «محور الشر» حداً للاجتماعات. ووجد الإصلاحيون داخل الحكومة الإيرانية الذين كانوا يدافعون عن التقارب مع الولايات المتحدة أنفسهم في موقف دفاعي. وحين يتذكر كروكر تلك الفترة يهز برأسه ويقول «كنا قريبين جداً. كلمة واحدة في خطاب غيّرت التاريخ».

وقبل انهيار الاجتماعات، تحدّث كروكر مع كبير المفاوضين الإيرانيين حول احتمال الحرب في العراق. وقال كروكر: «اسمع، لا أعلم ما الذي سيحدث، لكن لدي مسؤوليات محددة في العراق، إنه ملفي, أتلقى بعض الاشارات, وأنا أعتقد أننا سنذهب إلى هناك». شعر الايرانيون بان فرصة كبيرة تقف على الباب، فهم يكرهون صدام، واعتقد كروكر أنهم سيكونون على استعداد للتعامل مع الولايات المتحدة. وقال المفاوض لكروكر «لست مع الغزو. لكن إذا كنتم ستقومون به، فلنر ما إذا كان بإمكاننا تحويل عدو إلى صديق، على الأقل تكتيكياً لهذه الغاية، ثم نرى أين نذهب بعد ذلك». وأشار المفاوض إلى أن الإيرانيين على استعداد للحديث، أن العراق مثل أفغانستان، كان جزءاً من خطة سليماني. أضاف كروكر «كان الرجل نفسه يدير المسرحين».

وبعد بدء الغزو في آذار 2003، كان المسؤولون الإيرانيون مصرين على اعلام الأميركيين أنهم يريدون السلام. وشاهد كثيرون منهم كيف أسقطت أنظمة أفغانستان والعراق، واعتقدوا أن الدور المقبل سيكون عليهم. وقال ماغواير، مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية السابق في بغداد «كانوا خائفين. كانوا يرسلون مفاوضين عبر الحدود العراقية إلينا ليقولوا إنهم لا يريدون المشاكل معنا. كنا نملك كل الأوراق الرابحة». وفي العام نفسه، اقتنع الأميركيون أن إيران أعادت رسم خططها لتطوير سلاح نووي، والسير في هذه الخطة ببطء وسرية، خشية أن تدفع الغرب لضربها.

وبعد انهيار نظام صدام، أوفد كروكر إلى بغداد ليساعد على تنظيم الحكومة الوليدة التي عرفت باسم «مجلس الحكم العراقي». وأدرك كروكر أن الكثير من السياسيين العراقيين يتوجهون إلى طهران للتشاور، واستغل الفرصة مباشرة للتشاور مع سليماني. وأثناء ذلك الصيف، مرّر له كروكر أسماء المرشحين الشيعة المحتملين الى سليماني، وكان الرجلان يدققان في كل اسم منهم. ولم يعترض كروكر على أي اسم، بل كان يستثني مباشرة اسم الشخص الذي كان سليماني يعترض عليه. وقال «كان تشكيل مجلس الحكم بحد ذاته، مفاوضات بين طهران وواشنطن».

كان هذا التبادل قمة التعاون الإيراني - الأميركي. وقال كروكر «بعد تشكيل مجلس الحكم، انهار كل شيء». وفيما تعثّر الاحتلال الأميركي، أطلق سليماني حملة مكثّفة من التخريب. ويعتقد الكثير من الأميركيين والعراقيين أن تغيير الإستراتيجية كان نتيجة استغلال الفرص: أصبح الإيرانيون عدائيين عندما بدأ خوفهم من الغزو الأميركي يتراجع.

طيلة سنوات كثيرة، كان سليماني يرسل عملاءه إلى العراق ليغذي الميليشيات الشيعية، وحين سقط صدام، كان يملك قوة مقاتلة لا بأس بها: قوات بدر، الجناح المسلح للحزب الشيعي المعروف باسم «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق». وكان زعماء الحزب مرتبطين بالثورة الإيرانية لدرجة أن رجال ميليشيا بدر حاربوا إلى جانب القوات الإيرانية في الحرب الإيرانية - العراقية.

وأمضت «قوات بدر» معظم وقتها وهي تشن هجمات انتقامية ضد البعثيين، ولم تطلق نيرانها كثيراً باتجاه الأميركيين. غير أن ميليشيا أخرى مدعومة من إيران تدعى «جيش المهدي» يقودها رجل الدين الشيعي الشعبي مقتدى الصدر، بدأت بمواجهة الأميركيين في وقت مبكر. في آب 2004، وبعد هجوم أميركي دموي، شاهدت في مدينة النجف المقدسة جنوب بغداد، عشرات المقابر الضحلة، وضعت عليها كؤوس زجاجية فيها ورقة تحمل اسم المقاتل الشهيد وعنوانه، ومعظمها حمل عنواناً في طهران.

ووجد سليماني أنه لا يمكن التنبؤ بتصرفات الصدر ومن الصعوبة توجيهه، فبدأ «فيلق القدس» تنظيم ميليشيات أخرى كانت على استعداد لمهاجمة الأميركيين. وبدأ ضباط الفيلق بتدريب المقاتلين في إيران، وفي بعض الأحيان بمساعدة من رفاقهم في «حزب الله». وبدا في بعض الأحيان أن سلطة سليماني على بعض الميليشيات العراقية كانت مطلقة. وفي إحدى المراحل، ألقى مسؤول عراقي رفيع أثناء رحلة إلى واشنطن، اللوم على المرشد الأعلى لتصعيد العنف في العراق. وبعد عودته إلى بغداد قال إنه تلقى رسائل من قائدي اثنيتين من الميليشيات الشيعية العراقية يطرحان عليه السؤال نفسه: هل تريد الموت؟

في العام 2004، باشر «فيلق القدس» بإرسال كميات كبيرة من الألغام والقنابل الموقوتة التي كانت تستهدف الآليات الأميركية، وشكلت لها قلقاً كبيراً إذ لا يحسن تصنيعها إلا الخبراء .فهي تنفجر باستخدام أجهزة تحسس فائقة الدقة. وقال الجنرال ستانلي ماكريستال الذي كان في ذلك الوقت قائد العمليات الخاصة المشتركة «لم تكن لدينا أي شكوك حول مصدر هذه القنابل. كنا نعرف تماماً أن جميع مصانعها كانت في إيران. لقد أدت هذه القنابل إلى مقتل مئات الأميركيين».

وتخطت حملة سليماني ضد الولايات المتحدة الانقسام الشيعي - السني، إذ كان دائماً على استعداد لوضعه جانباً في سبيل هدف أسمى. وقال مسؤولون عراقيون وغربيون إنه في بدايات الحرب، شجّع سليماني رئيس استخبارات نظام الرئيس السوري بشار الأسد على تسهيل تحرك المتطرفين السنة من سوريا إلى العراق للقتال ضد الأميركيين. وفي العديد من الحالات، سمح لتنظيم القاعدة بمساحة من الحرية في إيران نفسها. وقال كروكر إنه في أيار 2003، حصل الأميركيون على معلومات بأن مقاتلي القاعدة يخططون لهجوم ضد أهداف غربية في المملكة العربية السعودية. لفت ذلك انتباه كروكر الذي قال «كانوا هناك، تحت حماية إيرانية يخططون لعمليات». وأضاف أنه سافر إلى جنيف ومرر تحذيراً إلى الإيرانيين من دون جدوى. لقد فجّر المقاتلون ثلاثة مجمعات سكنية في الرياض ما أدى إلى مقتل 35 شخصاً بمن فيهم 9 أميركيين.

وكما تبيّن، فإن الإستراتيجية الإيرانية بتحريض المتطرفين السنة، انقلبت عليهم: بعد فترة قصيرة من الاحتلال الأميركي، بدأ المتطرفون أنفسهم مهاجمة المدنيين الشيعة، بالاضافة الى الحكومة العراقية ذات الهيمنة الشيعية. كان المشهد مقدمة للحرب الأهلية المقبلة. وقال ديبلوماسي غربي في بغداد «أهلاً بكم في الشرق الأوسط. أراد سليماني إلحاق الأذى بالأميركيين فدعا الجهاديين، وخرجت الأمور عن السيطرة بشكل كامل».

ومع ذلك، لم تكن السياسة الإيرانية تجاه الأميركيين في العراق عدائية تماماً، ففي نهاية المطاف، كانت الدولتان تحاولان تعزيز سلطة الغالبية الشيعية في العراق، ولذلك، تناوب سليماني بين التعامل مع الأميركيين وقتلهم. وطيلة الحرب، استدعى سليماني القادة العراقيين إلى طهران لعقد صفقات معهم، كانت في معظمها تهدف إلى تعزيز السلطة الشيعية. وفي مرة واحدة على الأقل، سافر سليماني إلى قلب السلطة الأميركية في بغداد. وقال سياسي عراقي «سليماني جاء إلى المنطقة الخضراء للاجتماع إلى عراقيين. أعتقد أن الأميركيين ارادوا اعتقاله، لكنهم تصوروا أنه لن يكون بإمكانهم ذلك».

وفيما كان الطرفان يحاولان الحصول على افضلية، أدى تغيّر الولاءات في بعض الأحيان إلى مواجهات مثيرة. كان قائدا الحزبين الكرديين الأقوى مسعود بارزاني وجلال طالباني يلتقيان بشكل مستمر مع سليماني والأميركيين. وفي حين أن العلاقات الكردية - الأميركية اتسمت عادة بالحرارة، إلا أن علاقة بارزاني وطالباني بالقادة الإيرانيين مثل سليماني، كانت أعمق وأكثر تعقيداً؛ لقد وفّر النظام الإيراني الملجأ الآمن لأكراد العراق خلال حربهم مع صدام. لكن هذه العلاقات لم تكن متساوية يوماً. ويقول القادة الأكراد إن هدف سليماني كان دائماً إبقاء الأحزاب العراقية منقسمة وغير مستقرة، لضمان بقاء العراق دولة ضعيفة، فالحرب الإيرانية - العراقية لم تغب يوماً عن باله.

وقال مسؤول كردي رفيع «من الصعب جداً بالنسبة الينا أن نقول لا لسليماني. عندما نقول لا، يتسبب لنا بالمشاكل والتفجيرات والقتل. الإيرانيون جيراننا. كانوا هنا منذ زمن طويل، وسوف يبقون كذلك. علينا التعامل معهم».

يروي أحد كبار مسؤولي الاستخباريين في بغداد كيف أنه زار طالباني في منزله خلال رحلة إلى شمال العراق. وعندما دخل عليه، كان قاسم سليماني موجوداً في المنزل مرتدياً قميصاً وجاكيت سوداوين. وتفحص الرجلان بعضهما. وقال «كان يعرف من أنا وكنت أعرف من هو. تصافحنا من دون أن نقول شيئاً. لم أشاهد بحياتي طالباني مرتبكاً إلى هذا الحد. كان مرعوباً».

وفي السنوات التي تلت الغزو، ركّز الجنرال ماكريستال على إلحاق الهزيمة بالمتمردين السنة، وتمامًا كما باقي قادة الجيش الأميركي في العراق، تجنّب بشكل كبير ملاحقة عناصر «فيلق القدس»، إذ إن استفزاز إيران سيفاقم النزاع، وفي أي حال، كان معظم عملائه يعملون تحت حماية ديبلوماسية. لكن مع استمرار الحرب، سيطرت الميليشيات المدعومة من إيران على الساحة بشكل أكبر. وفي أواخر العام 2006، قال ماكريستال إنه شكّل قوة ضاربة مهمتها قتل المتمردين المدعومين من إيران، وعناصر «فيلق القدس» واعتقالهم.

وفي كانون الأول من ذلك العام، شن مغاوير الجيش الأميركي هجوماً على مجمّع عبد العزيز الحكيم، السياسي الشيعي النافذ، ووجدوا فيه الجنرال محسن شيرازي، قائد عمليات «فيلق القدس». واستناداً الى كتاب «نهاية اللعبة» لمايكل غوردون وبرنارد تراينور، اعتقل المغاوير شيرازي ما أثار موجة من الذهول في بغداد. وقال مسؤول عسكري أميركي رفيع سابق «كان الجميع مذهولين. الإيرانيون صعقوا. لقد كسرنا القاعدة غير المكتوبة». وطلب نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي من الأميركيين تسليم شيرازي. وعندما فعلوا ذلك بتردد شديد أطلق المالكي سراحه. وبعد هذه الحادثة، أبلغ السفير الأميركي في بغداد المالكي بأنهم في المرة المقبلة حين يعتقلون ناشطاً إيرانياً، سوف يحتفظون به.

وبعد شهر تقريباً، تلقى الجنرال ماكريستال معلومات تفيد عن احتمال وجود الجنرال محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، في موكب يعبر الحدود العراقية. واستناداً الى مصادر استخبارية أخرى، كان سليماني في عداد الموكب. وانتظرت مجموعة من المقاتلين الأكراد للترحيب بهم عند عبورهم الحدود. وقرّر ماكريستال السماح للإيرانيين بعبور الحدود وقال «لم نرغب الدخول في معركة حربية مع الأكراد».

وظل رجال ماكريستال يرصدون الموكب وقد توغّل أكثر من 150 كيلومتراً داخل العراق إلى مدينة أربيل الكردية حيث توقف أمام مبنى عليه لافتة صغيرة كتب عليها «قنصلية». لم يكن أحد يعرف أن هذه القنصلية موجودة، لكن الواقع يعني أن الرجال الموجودين داخلها كانوا يعملون تحت ستار ديبلوماسي. ومع ذلك، تحرّك الأميركيون، واعتقلوا خمسة إيرانيين، جميعهم كانوا يحملون جوازات سفر ديبلوماسية، وجميعهم، بحسب ماكريستال، كانوا عناصر من «فيلق القدس». لم يكن جعفري أو سليماني في المبنى، لقد انفصلا على ما يبدو عن الموكب في الدقيقة الأخيرة ولجآ إلى منزل آمن يخضع الى حماية مسعود بارزاني. وقال مائير داغان، الرئيس السابق للموساد «كان سليماني محظوظاً. من المهم جداً أن تكون محظوظاً».

وبعد تسعة أيام، وصلت خمس سيارات رباعية الدفع إلى حواجز على مدخل مجمّع في محافظة كربلاء في جنوب العراق. كان الرجال داخل السيارات يتحدثون الإنكليزية ويرتدون ملابس عسكرية أميركية النمط ومزوّدين ببطاقات تعريف سمحت لهم عبور الحواجز. وفي داخل المجمّع نزل ركاب السيارات وسارعوا الدخول إلى مبنى يعمل فيه جنود أميركيون. قتلوا أحدهم واعتقلوا أربعة آخرين متجاهلين الباقين. وخلال ساعات قليلة، قتل المعتقلون الأربعة برصاصات من مسافة قريبة.

نفَّذ الهجوم رجال «عصائب أهل الحق»، إحدى الميليشيات المدعومة من إيران. وبحسب تكهّنات المسؤولين الأميركيين، فإن سليماني هو من أمر بتنفيذ الهجوم، رداً على اعتقال عناصر «فيلق القدس» في أربيل. وبعد شهرين، كانت القوات الأميركية قد قتلت القائد المزعوم للهجوم واعتقلت عدداً آخر من المشاركين فيه. أحدهم كان يدعى علي موسى دقدوق، أحد قادة «حزب الله» الذي تلقى تدريباته في إيران. في البداية، زعم دقدوق أنه غير قادر على التحدث بالإنكليزية، وأطلق عليه الأميركيون لقب حميد الأخرس. لكن بعد فترة، قالوا إنه بدأ يتحدث، وأبلغهم أن العملية تم تنفيذها بأوامر من مسؤولين إيرانيين. وللمرة الأولى، أشار القادة الأميركيون إلى سليماني علناً. وفي مؤتمر صحافي عقده الجنرال كيفن بيرغنر، قال «كان «فيلق القدس» يعلم بالتخطيط للهجوم في كربلاء الذي أوقع خمسة قتلى من جنود التحالف».

وفيما اشتدت الحرب السرية مع إيران، درس المسؤولون الأميركيون احتمال عبور الحدود إلى إيران للهجوم على مخيمات التدريب ومصانع القنابل. وقال ضابط أميركي رفيع خدم في العراق «بعضنا أراد الاقتصاص منهم بشدة». واستمرت هذه النقاشات حتى العام 2011، إلى حين مغادرة آخر جندي أميركي العراق. وفي كل مرة، كان الأميركيون يقررون عدم عبور الحدود، على اعتبار أنه سيكون سهلاً على الإيرانيين تصعيد العمليات القتالية ضدهم.

وفي الوقت نفسه تقريباً، أجرى سليماني عدة مراسلات مع كبار المسؤولين الأميركيين، باعثاً إليهم برسائل من خلال وسطاء، تهدف أحياناً إلى تطمين الأميركيين، وأحيانًا أخرى الى الحصول على معلومات. والمرة الأولى كانت في مطلع العام 2008، عندما سلّم الرئيس العراقي جلال طالباني إلى قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال دايفيد بترايوس الذي كان قد تسلّم مهماته منذ عام تقريباً، هاتفاً خليوياً مع رسالة نصية إلى قائد القوات الأميركية في العراق. وجاء في الرسالة «عزيزي الجنرال بترايوس، يجب أن تعلم إني أنا، قاسم سليماني، من يدير سياسة إيران في العراق، ولبنان، وقطاع غزة، وأفغانستان، وبالفعل، فإن السفير الإيراني في بغداد هو عنصر من «فيلق القدس»، والرجل الذي سيحل مكانه هو من الفيلق ايضاً». وبعد مقتل خمسة أميركيين في كربلاء، بعث سليماني برسالة إلى السفير الأميركي قال فيها «أقسم بقبر الخميني، إني لم أعط الأمر بإطلاق رصاصة ضد الولايات المتحدة». غير أن أحداً من الأميركيين لم يصدّقه.

وفي تقرير إلى البيت الأبيض، كتب بترايوس أن «سليماني شيطان بالفعل» غير أنه في بعض الأحيان، كان الرجلان يتفاوضان. واستناداً الى البرقيات الديبلوماسية التي نشرها موقع «ويكيليكس»، فإن بترايوس بعث إلى سليماني برسائل عبر مسؤولين عراقيين، طالباً منه الأمر بوقف الاعتداءات الصاروخية على السفارة الأميركية والقواعد العسكرية الأميركية في العراق. وفي العام 2008، كانت القوات الأميركية والجيش العراقي يشنون هجوماً ضد «جيش المهدي»، وهو الميليشيا الشيعية لمقتدى الصدر، وكعقاب، كانت الميليشيا تقصف المنطقة الخضراء بصورة مستمرة. وأرسل سليماني الذي، شعر بوجود فرصة سياسية، برسالة إلى بترايوس يدين فيها الوضع ويخبره أنه فرز رجالاً ليقوموا بمهمة القبض على المعتدين. وأجاب بترايوس «لقد ولدت يوم أحد، لكن ذلك لم يكن الأحد الماضي». ولاحقاً، توصل سليماني إلى وقف لإطلاق النار بين الصدر والحكومة العراقية.

وفي 22 كانون الأول 2010، أصدر جيمس جيفري، السفير الأميركي في العراق، والجنرال لويد أوستن، قائد القوات الأميركية هناك، بيان تهنئة إلى الشعب العراقي بمناسبة تشكيل حكومة جديدة برئاسة نوري المالكي. كان قد مضى على البلاد تسعة أشهر من دون حكومة، بعد أن انتهت الانتخابات التشريعية من دون فوز حاسم لأي من الفرقاء. وتشكيل الحكومة كان حاسماً: أثناء الانتخابات كان لا يزال ما يقارب 100 ألف جندي أميركي في البلاد، فيما كان القادة العسكريون الأميركيون لا يزالون يأملون بإبقاء قوة بسيطة بعد مغادرتهم. وقال المسؤولان الأميركيان في تهنئتهما: «نتطلع إلى العمل مع الحكومة الائتلافية الجديدة في تعزيز رؤيتنا المشتركة لعراق ديموقراطي».

وما لم يقله جيفري وأوستن هو أن الاتفاق الذي عقد لتشكيل الحكومة لم يكن من صنعهما بل من صنع سليماني. ففي خلال الأشهر التي سبقت، واستناداً الى الكثير من المسؤولين العراقيين والغربيين، دعا سليماني قادة شيعة وأكراداً للقائه في طهران وقم، وانتزع منهم وعداً بدعم المالكي، مرشحه المفضل. وكان العرض يحمل جملة مركبة من المغريات. المالكي والأسد يكرهان بعضهما البعض؛ لقد جمعهما سليماني من خلال الموافقة على بناء خط نقل للنفط من العراق إلى الحدود السورية. ومن أجل اجتذاب مقتدى الصدر إلى الاتفاق، وافق سليماني على تعيين رجال الصدر في وزارات الخدمات العراقية.

واستناداً الى المسؤولين العراقيين والغربيين، فإن اللافت كان الشرطان اللذان فرضهما سليماني على العراقيين. الأول هو أن يصبح جلال طالباني، الصديق القديم للنظام الإيراني، رئيساً للعراق. والثاني، هو أن يصر المالكي وشركائه في الائتلاف الحكومي على انسحاب كامل القوات الأميركية من العراق. وقال لي زعيم عراقي اسابق «سليماني قال: لا للأميركيين. لقد ذهبت هباء علاقة عمرها عشر سنوات».

وقال المسؤولون العراقيون إنه في وقت إعلان جيفري، علم الأميركيون أن سليماني كان قد طردهم من البلاد لكنهم كانوا محرجين جداً للاعتراف بذلك علناً. وقال المسؤول العراقي الرفيع السابق «كنا نضحك على الأميركيين. تباً! تباً! لقد تفوّق عليهم سليماني بالكامل، وكانوا يهنئون بعضهم علناً لتمكنهم من تشكيل الحكومة».

وكان الاتفاق ضربة قوية بوجه أياد علاوي، السياسي العراقي العلماني المؤيد للأميركيين، والذي تمكن حزبه من الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لكنه فشل في تشكيل ائتلاف حكومي. وفي مقابلة في الأردن، قال علاوي إنه كان بإمكانه بمساعدة الأميركيين تشكيل حكومة ائتلافية، لكن عوضاً عن ذلك، تخلى عنه الأميركيون لصالح المالكي. وقال لي إن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن اتصل به ليبلغه ضرورة أن يتخلّى عن ترشحه لرئاسة الحكومة قائلاً «لن تستطيع تشكيل حكومة».

وقال علاوي انه يشك في ان الاميركيين لم يكونوا راغبين في مواجهة المشاكل التي كان سيثيرها الايرانيون لو انه شكل الحكومة,مشيراً إلى أنهم كانوا يريدون البقاء في العراق، لكن فقط في حال كانت المهمة التي سينفذّونها هي في الحد الأدنى من التدخل. وقال «كنت أحتاج الى الدعم الأميركي. لكنهم كانوا يريدون المغادرة، وسلّموا البلد للإيرانيين. أصبح العراق دولة فاشلة اليوم، مستعمرة إيرانية».

واستناداً الى مسؤولين عراقيين وأميركيين سابقين، فإن سليماني يمارس نفوذه على السياسة العراقية من خلال دفع رشاوى للمسؤولين، ودعم الصحف ومحطات التلفزة، وفي حال الضرورة من خلال الترهيب. وقليلة هي الجهات المحصّنة ضد نفوذه. وقال مسؤول عراقي رفيع سابق «لم أر بعد حزباً سياسياً شيعياً واحداً لا يأخذ مالاً من سليماني. إنه أقوى رجل في العراق من دون أدنى شك».

وحتى المالكي يبدو أسيراً لدى الإيرانيين. فبعد أن نفاه صدام، عاش المالكي لفترة قصيرة في إيران، لكنه انتقل إلى سوريا للهروب من النفوذ الإيراني وذلك بحسب مسؤولين عراقيين مقربين منه. وقال كروكر إن المالكي أبلغه مرة «لا يمكنك أن تعرف ما هي الغطرسة إلا إذا كنت عربياً عراقياً أجبرت على اللجوء إلى الإيرانيين». وقال سياسي عراقي قريب من المالكي وسليماني: إن المالكي يكره قائد «فيلق القدس» وأن الشعور متبادل. أضاف «المالكي يقول إن سليماني لا يستمع، فيما سليماني يقول إن المالكي وبكل بساطة يكذب».

ومع ذلك،ربما يكون المالكي يرد ما عليه من ديون إلى سليماني الذي اسهمت جهوده في جعله رئيساً للحكومة. واستناداً الى المسؤول الاستخباري السابق، فإن حكومة المالكي تشرف على مجموعة من البرامج تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات سنوياً لمساعدة النظام الإيراني على تفادي العقوبات الاقتصادية الأميركية. وقال رجل أعمال عراقي مشهور إن عملاء إيران يستخدمون عادة المصارف العراقية من أجل القيام بعمليات مالية احتيالية، تسمح لهم ببيع النقد العراقي بأرباح خيالية. وقال «إذا رفضت المصارف، تقوم الحكومة بإغلاقها».

والمصدر الآخر الرئيسي للواردات بالنسبة الى الإيرانيين هو النفط. ويقول مسؤولون عراقيون «تضع حكومة المالكي جانباً ما يعادل 200 ألف برميل من النفط يومياً، قيمتها حوالى 20 مليون دولار بحسب سعر السوق الحالي، وترسل الأموال إلى سليماني. بهذه الطريقة، حصّن «فيلق القدس» نفسه ضد ضغوط العقوبات الاقتصادية الغربية. وقال المسؤول الاستخباري السابق «إنه برنامج تمويل ذاتي سري. لا يحتاج سليماني حتى إلى الميزانية الإيرانية لتمويل عملياته».

وفي كانون الأول الماضي، وعندما بدا نظام الرئيس الأسد قريباً من الانهيار، رصد مسؤولون أميركيون تقنيين سوريين وهم يستعدون لتحميل قنابل تحمل غاز الأعصاب المعروف باسم «السارين» على متن طائرات حربية. وبدا من جميع المؤشرات أنه كان يتم التحضير لهجوم كيميائي. وأصيب الأميركيون بالرعب واتصلوا بالقادة الروس الذين اتصلوا بنظرائهم في طهران. وبحسب مسؤول الدفاع الأميركي، فإن دور سليماني بدا محورياً في إقناع الأسد بعدم استخدام هذه الأسلحة.

ويعتقد أن النظام السوري استخدم مثل هذه الأسلحة 14 مرة خلال العام الأخير. لكن حتى بعد الهجوم المروع بواسطة غاز «السارين» في 21 آب الماضي الذي أدى إلى مقتل 1400 شخص، فإن دعم سليماني للأسد لم يتراجع. ولإنقاذ الأسد، وضع كل الموارد التي طوّرها منذ توليه قيادة «فيلق القدس»: مقاتلي «حزب الله»، ميليشيات شيعية من جميع أنحاء العالم العربي، وكل الأموال والمواد التي تمكن من الحصول عليها من حكومة بلاده المحاصرة. وفي بغداد، قال شاب شيعي يدعى أبو حسن إنه تم تجنيده للقتال بواسطة مجموعة من العراقيين. واستقل باصاً إلى مدينة مشهد الإيرانية، حيث تلقّى إلى جانب مجموعة من 30 عراقياً آخرين تعليمات من مدربين إيرانيين. وسافر الرجال إلى مقام السيدة زينب بالقرب من دمشق حيث قاتلوا إلى جانب قوات الأسد لمدة ثلاثة أشهر، إلى جانب مقاتلين من «حزب الله» وقناصة من إيران. وقال أبو حسن «لقد فقدنا أشخاصاً كثيرين».

قد يكون أعظم إنجازات سليماني إقناعه عملاءه في الحكومة العراقية بالسماح لإيران باستخدام المجال الجوي العراقي لنقل الرجال والذخائر إلى دمشق. وقال الجنرال جيمس ماتيس الذي ظل حتى آذار الماضي قائداً للقوات الأميركية في الشرق الأوسط إنه من دون هذه المساعدة، كان نظام الأسد انهار قبل أشهر كثيرة. ويشرف على الرحلات الجوية العراقية وزير المواصلات العراقي هادي العامري، الحليف القديم لسليماني، والرئيس السابق لـ «قوات بدر» ومقاتل سابق في الجانب الإيراني من الحرب الإيرانية - العراقية. وفي مقابلة في بغداد، نفى العامري، أن يكون الإيرانيون يستخدمون المجال الجوي العراقي لإرسال أسلحة. لكنه لم يخف إطلاقاً تعاطفه مع رئيسه السابق، سليماني. وقال «أحب قاسم سليماني. إنه أعز أصدقائى».

ولغاية الآن، تمكن المالكي من مواجهة الضغوط لتزويد الأسد بما يحتاج إليه عن طريق البر عبر العراق. لكنه لم يوقف الرحلات الجوية؛ لقد تفوقّت مخاوفه من وصول نظام سني متطرّف في سوريا على تحفظاته من الانخراط في حرب أهلية. وقال كروكر «المالكي لا يحب الإيرانيين، ويكره الأسد، لكنه يكره النصرة أكثر. لا يريد أن تكون الحكومة في دمشق تابعة لتنظيم القاعدة».

ويجسد هذا المناخ المذهبي التأثير الأكثر وضوحاً لسليماني في الشرق الأوسط. ولحماية إمبراطوريته الإيرانية في سوريا ولبنان، ساعد على تأجيج الصراع السني - الشيعي الذي يهدد باجتياح المنطقة بكاملها لسنوات طويلة، وهي حرب يبدو أنه سعيد بإثارتها. وقال ماتيس «لديه كل الأسباب للاعتقاد بأن إيران هي القوة التي يسطع نجمها في المنطقة. ما لم نوجّه له يوماً ضربة موجعة».

لقراءة المقال كاملاً باللغة الانكليزية انظر الرابط التالي :

http://www.newyorker.com/reporting/2013/09/30/130930fa_fact_filkins*