مرحباً بثورة الطاقة / 2014
على الرغم من المشككين والحاقدين، لا تزال الثورة على صعيد صناعة غاز السجيل والنفط الصخري قائمة. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجّح أن تنتشر هذه الثورة على الصعيد العالمي بسرعةٍ تفوقُ تصوُّر الغالبية في خلال النصف الثاني من العقد الحالي. ويُعتبَر كلّ ذلك, في حال أردنا قياسه, أمراً جيداً للعالم.
لم تكن انطلاقة إنتاج النفط والغاز الطبيعي الأخيرة في الولايات المتحدة الامريكية مفاجئة تماماً. فعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية، كانت الولايات المتحدة مُنتج الهيدروكربونات الأسرع نمواً في العالم. ومن المرجح ألّا يتوقف هذا النمو في وقتٍ قريب. ومنذ العام 2010، ارتفع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة بنسبة 25 بالمائة, والسبب الوحيد لانخفاض النمو في الوقت الحالي هو أنّ استثمارات اضافية ستكون ضرورية من أجل تسهيل الوصول إلى نمو إضافي. وستصبح الولايات المتحدة, بعد تخطيها روسيا في السابق واحتلالها المرتبة الأولى على صعيد أكبر منتج غاز في العالم بحلول نهاية العقد, واحدةً من بين أكبر مصدّري الغاز في العالم وستغير في الواقع الأسعار بالاضافة إلى الأنماط التجارية في أسواق الطاقة العالمية. وفي هذه الأثناء، نَمَى إنتاج النفط بنسبة 60 بالمائة منذ العام 2008 وازداد الانتاج من 3 ملايين برميل في اليوم إلى أكثر من 8 ملايين برميل في اليوم. وفي غضون عامين، ستتخطى الرقم القياسي القديم الذي حققته الذي يناهز 10 ملايين برميل في اليوم. وستتخطى الولايات المتحدة الاميركية كلّ من روسيا والمملكة العربية السعودية وستصبح أكبر منتج نفط في العالم. وكان قد نمى إنتاج سوائل الغاز الطبيعي من مثال البروبان والبوتان في الولايات المتحدة بنسبة مليون برميل في اليوم. ومن المفترض أن ينمو بنسبة مليون آخر قريباً.
الامر الذي يمكن اكتشافه من خلال ردة الفعل لا يقلُّ عن نقلةٍ نوعيةٍ على صعيد التفكير في الهيدروكربونات. فقبل عقدٍ من الزمن، حصل إجماع شبه عالمي حول فكرة تَعتَبرُ أنّ إنتاج الولايات المتحدة هبط بشكلٍ لا يمكن تغييره (وكذلك بقية الدول خارج اوبك). واليوم، يؤكد غالبية المحللين المهمين من أنّ الانتاج سيستمر بالنمو. فإنّ النمو حاصلٌ، وفي نفس الوقت الذي ينخفض فيه استهلاك النفط في الولايات المتحدة الاميركية. (لننسّى ذروة إنتاج النفط، وإذا أخذنا بعين الاعتبار مكاسب الكفاءة والإهتمامات البيئية واستبدال النفط بالغاز الطبيعي, ما يمكننا أن نتوقّعه هو ان ازدياد الطلب على النفط قد تجاوز الذروة). ومن أجل إكمال كلّ ذلك، تنخفض بشكلٍ مستمر أسعار التنقيب عن النفط وإنتاجه وغاز السجيل والتشكلات الصخرية النادرة, وستنخفض هذه الاسعار بشكلٍ أكبر خلال السنوات القادمة .
ولقد أصبح الآن الدليل قاطعاً حول ما كان يحصل. فإن مكاسب الكفاءة على صعيد قطاع الصخر الزيتي كانت كبيرةً وسريعةً وهي الآن تبلغ حول 25 بالمائة في السنة. ويعني ذلك أنّ الزيادة في النفقات الرأسمالية تزيد تسارع زيادة النمو. ويبدو جلياً أن كميات الهيدروكبونات الهائلة قد انتقلت من صخرة المصدر الاصلية وأصبحت عالقةً في الصخور الزيتية الصماء. ولا بدّ من الاشارة إلى أن حجم هذه التشكلات الصخرية يطابق حجم صخور المصدر الاصلية. وهو في الحالتين هائل ويحتوي على احتياطات تفوق مجموع احتياطيات النفط العالمية المثبتة, والمتفَق عليها, والتي تبلغ 1.5 ترليون برميل. وقد ظهرت دلائل في السابق على أن التقنية المستخدمة من أجل استخراج هذه الموارد يمكن نقلها إلى خارج الولايات المتحدة الامريكية, ويصبح بذلك انتشارها الدولي أمرٌ لا بدّ منه.
وباختصار، يبدو الآن كما لو أنّ العقود القليلة الاولى من القرن الواحد والعشرين ستشهد امتداداً للظاهرة التي استمرت في خلال آلاف السنوات القليلة الماضية: توافر الطاقة بكميةٍ كبيرةٍ وبسعرٍ أقلّ من أي وقتٍ مضى وبفاعليةٍ أكبر من أيّ وقتٍ مضى، ما يسمح بحصول تطورات كبيرة على صعيد النمو الاقتصادي العالمي.
لماذا يُعتبَرُ الماضي عملاً تمهيدياً؟
كانت ثورة الغاز الصخري ظاهرةً تندرج بجدارةٍ تحت خانة "صُنِعَ في أميركا". فلا يحقّ لمالكي الأراضي في أيّ بلد آخر امتلاك حقوق التعدين. وينتشر قطاع الطاقة في بلدان أخرى قليلة (من مثال أستراليا وكندا والمملكة المتحدة) ليضمّ الكثير من شركات الريادة المستقلة ويضعها في مقابل عدد قليل من الشركات الكبرى أو الابطال الوطنيين. ولا تزال أسواق المال منتشرة في عدد أقل من البلدان تستطيع وتريد أن تدعم مالياً عمليات التنقيب والانتاج ذات المخاطرة.
ستكمل هذه المجموعة القوية من العوامل المحلية في دفع جهود الولايات المتحدة ومحاولاتها. ومن المعقول تحقيق زيادة تتخطى 30 بالمائة على صعيد إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الاميركية قبل العام 2020. ومنذ ذلك الوقت وصاعداً، تصبح المحافظة على مستوى إنتاج ثابت ممكنة وتصبح زيادة مستوى الانتاج ممكنة في خلال العقود القادمة. وبالنسبة للنفط، ونظراً للأبحاث وللتطوّر الحاصل الآن، من المرجّح أن يزيد إنتاج الولايات المتحدة الاميركية ليصل إلى 12 مليون برميل في اليوم أو أكثر في خلال سنوات قليلة, ويمكن أن يبقى هذا الانتاج على مستواه لمدة طويلة.
وفي هذه الاثناء، يجب أن تنخفض الاسعار بسبب عاملين إثنين لفترةٍ طويلةٍ قادمة. أما العامل الاول فهو انخفاض تكاليف الانتاج, ما يُعتَبَرُ نتيجةً لمكاسب الكفاءة من جراء تطبيق تقنيات جديدة وبصورة مطردة ومتزايدة. والعامل الثاني هو انتشار غاز السجيل وإنتاج النفط الصخري عالمياً. إنّ هذين العاملين معاً يفضيان الى سعرٍ ثابتٍ يناهز 5.50$ لكلّ ألف قدم مكعّب من الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة وسعر تجاري يتراوح بين 70$ و90$ لبرميل النفط عالمياً بحلول نهاية هذا العقد.
ستؤمن هذه التوجهات دعماً كبيراً لاقتصاد الولايات المتحدة. وستستطيع الولايات المتحدة في مجال الاستهلاك المنزلي أن توفّر ما يقارب 30 بليون دولاراً كلّ سنة من كلف الكهرباء بحلول العام 2020، بالمقارنة مع توقعات إدارة معلومات الطاقة الامريكية الحالية. وقد يخفض سعر البنزين بمعدّل 5 بالمائة إلى 3 بالمائة من الدخل الفعلي المُتاح للفرد. ومن الممكن أن ينخفض سعر البنزين بنسبة 30 بالمائة, مما سيزيد الدخل الفردي المُتاح بمعدّل قدره 750$ لكلّ شخص في العائلة يقود سيارة. ومن الممكن أن تضيف الطفرة على صعيد النفط والغاز ما يقارب 2.8 بالمائة على نمو الناتج المحلي الاجمالي التراكمي بحلول العام 2020 ومن الممكن أن تزيد فرص العمل بمعدل 3 ملايين وظيفة.
ولا بدّ من أنّ انتشار غاز السجيل واستثمار النفط الصخري سيكون له آثاراً عميقةً على الصعيد الجيو_سياسي. لم يعد هناك أيّ شك حول الوفرة الهائلة لقاعدة الموارد الجديدة التي يمكن الوصول إليها, وإنّ هذه الحقيقة تجعل الكثير من الحكومات تستكشف الاحتياطيات المتاحة تجارياً وتطورها. وتختلف دوافع البلدان عن بعضها وهي واضحة تماماً. فبالنسبة للملكة العربية السعودية التي بدأت في صناعة محطة توليد الكهرباء الأولى مستخدمةً غاز السجيل, إنّ استثمار موارد الصخر الزيتي يمكنه أن يوفّر كمية أكبر من النفط لكي يُصَدَّر، مما يزيد مداخيل البلد بأكمله. في روسيا، إنّ النمو على صعيد الانتاج يزيد من عائدات الحكومة مع ما يقدّر ب 75 مليار برميل من النفط الصخري الذي يمكن استرداده (أكثر من الولايات المتحدة الامريكية بنسبة 50%.) وبالنسبة إلى مجموعة أُخرى من البلدان، تتراوح الدوافع بين تقليل الاعتماد على الواردات وازدياد أرباح الصادرات من أجل التوصل إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المحلية.
من الصحيح أيضاً أنّ تكاليف الاستكشاف والتطوير التقليدية تشير إلى أنّ أسعار الغاز الطبيعي يجدر بها أن تزيد عن 4$ لكلّ ألف قدم مكعب وأنّ أسعار النفط يجب أن تزيد عن 70$ للبرميل الواحد لكي يصبح الانتاج مربحاً – والتي تعتبر أنّ الانتاج الفائض قد يجعل الاسعار تنخفض لدرجةٍ أنها لا تحقّق الربح . ولكن، بما أنّ الطلب يزيد على الغاز الطبيعي – من أجل الصناعة وتدفئة المساكن وتدفئة الاماكن التجارية وسوق التصدير وتوليد الكهرباء والنقل – يجب أن ترتفع الاسعار من أجل تحمّل عمليات تنقيب بكلفة 5$ إلى 6$ لكي تعود الأسعار الى ما كانت في الشتاء الماضي. وفي هذه الاثناء، تؤدي مكاسب الكفاءة الناجمة عن التكنولوجيا الجديدة الى خفض تكاليف الحفر.
وفي قطاع النفط، فإنّ غالبية عمليات التنقيب تحقق المردود المناسب للاستثمارات حتى لو قلت الاسعار الى ما دون 50$ للبرميل. وفي خلال السنوات القليلة القادمة، قد يقلّ هذا المبلغ عن 40$ للبرميل.
فالنفكّر من منطلق عالمي
بما أنّه من الممكن العثور على احتياطيات الصخر الزيتي حول العالم، فان الكثير من البلدان تحاول أن تكرر نجاح الولايات المتحدة الامريكية في هذا القطاع. ويبدو أنّ بعض البلدان على الأرجح ستنجح في تحقيق ذلك. وتشكلّ احتياطيات الصخر الزيتي القابلة للاستخراج في الولايات المتحدة 15% فقط من المجموع العالمي, ويعني ذلك اننا لم نتمكن حتى الآن من قياس المدى الحقيقي والمدة الحقيقية لاستفادة الولايات المتحدة الامريكية الاضافية.ولن نتمكّن من قياس ذلك لدى لبقية بلدان العالم. ولقد بدأت الكثير من البلدان باتخاذ خطواتٍ مبكرة من أجل تطوير موارد الصخر لديهم. وتبدو النتائج في الكثير من هذه البلدان واعدة. ومن المحتمل جداً أن أستراليا والصين والمكسيك وروسيا والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة, ستشهد إنتاجاً كبيراً قبل نهاية هذا العقد. وكنتيجةٍ لذلك، ستتأثر تجارة الطاقة العالمية بشكلٍ كبير.
قبل سنواتٍ قليلة، كان تصدير الهيدروكربونات من الولايات المتحدة قليلاً جداً. ولكن مع بداية العام 2013، أصبح كلّ من النفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات أكبر فئة من صادرات الولايات المتحدة الامريكية. وتخطّت هذه الصادرات المنتجات الزراعية ومعدات النقل والسلع الرأسمالية. وكان التحول في الميزان التجاري الامريكي على صعيد المنتجات النفطية باهراً. ففي العام 2008، كانت الولايات المتحدة الاميركية مستورداً صافياً للمنتجات النفطية. وكانت صافي الاستيرادات مليوني برميل في اليوم. وبحلول نهاية العام 2013، كانت الولايات المتحدة الاميركية مصدراً صافياً. وزاد التصدير عن مليوني برميل في اليوم. ومع نهاية العام 2014، ستتجاوز الولايات المتحدة الاميركية روسيا وستصبح أكبر دولة مصدّرة للديزل ووقود الطائرات وغيرها من منتجات النفط. وبحلول العام 2015، ستتجاوز المملكة العربية السعودية وستصبح أكبر مُصدّر للمواد الأولية البتروكيماوية. يجب أن يزيد الميزان التجاري الامريكي الخاص بالنفط بنسبة 5 بليون دولار بحلول العام 2020 علماً أنّه كان ينقص بمبلغ 354 مليار دولار في العام 2011 كخسارة صافية.
وعند ذلك، ستصبح الولايات المتحدة مصدّراً صافياً للغاز الطبيعي بنطاق واسع تتنافس فيه مع قطر وروسيا وستكون تبعات ذلك هائلة. . يجب أن يزيد الميزان التجاري الاميريكي الخاص بالغاز من 8 مليار دولار كخسارة صافية في العام 2013 إلى ربح صافي قدره +14 مليار دولار بحلول العام 2020. ومن المرجّح أن تزيد الصادرات بالأنابيب بين الولايات المتحدة الاميركية والمكسيك وشرق كندا بنسبة 400 في المائة لتصل إلى 8 مليار قدم مكعب يومياً بحلول العام 2018. ومن الممكن أن تصل إلى 10 مليارات بحلول العام 2020. ومن المرجّح أن تصل صادرات الغاز الطبيعي المُسال إلى 9 مليار قدم مكعب يومياً بحلول العام 2020.
في المجال الجيوسياسي للطاقة، يربح البعض ويخسر البعض الآخر. وستكون منظمة الأوبك من بين الخاسرين. وبما أنّ الولايات المتحدة الامريكية كانت تعاني من نقص على صعيد تجارة الهيدروكربونات بمعدّل 9 ملايين برميل في اليوم في العام 2007 واليوم انخفض عجزها الى 6 ملايين برميل في اليوم, فانها ستتحول الى مصدّر صافٍ بحلول العام 2020. إنّ خسارة الاسهم في السوق وانخفاض الاسعار قد يؤديان إلى حصول تحدي مدمّر لمنتجي النفط الذين يعتمدون على الصادرات من أجل مداخيل الدولة. وسيؤدي تزايد السكان وانخفاض نصيب الفرد من الدخل دوراً مركزياً في إثارة الاضطرابات المحلية في العراق وليبيا وفنزويلا. ولا تبدو السنوات القادمة واعدةً بالنسبة لهذه البلدان في هذا الخصوص.
وفي الوقت عينه، من الممكن أنّ يكون اقتصاد الولايات المتحدة الاميركية قد اخذ تقترب من الاستقلالية التامة على صعيد الطاقة. ويجب أن تقود ثورة الغاز الصخري إلى سيطرة قوى السوق على صعيد تسعير الطاقة الدولية من أجل وضع الحدّ من هيمنة منظّمة الأوبك التي دامت 40 سنة، كان المنتجون يستطيعون في خلالها أن يتوحّدوا مع بعضهم من أجل رفع الأسعار بنسبةٍ تفوق تكاليف الإنتاج كثيراً, مما ادى إلى نتائج سلبية على صعيد الاقتصاد العالمي.
تم حذف بعض المقاطع التي لا تؤثر على سياق الموضوع ........ وفي عدا ذلك تلتزم الترجمة بالنص الاصلي.
- اعداد : مركز البحوث والدراسات العراقية (مبدع)
بقلم : إدوارد ل. مورس (رئيس ابحاث السلع العالمية في مجموعة "سيتي غروب" في الولايات المتحدة الامريكية)