المراة وصنع القرار

دور المرأة وتولّيها المسؤوليات

لقد بدأت المطالبة بمنح حق التصويت للنساء في القرن التاسع عشر من قبل الحركات النسوية الأمريكية والبريطانية.

ومنذ ستينيات القرن الماضي بدأ المجتمع الدولي يدرك إن ظاهرة التمييز ضد المرأة واحدة من أهم العقبات التي تواجه خطط وبرامج التنمية في دول العالم النامي. وفي ذات الوقت بدأ خبراء التنمية ينظرون لموضوع التنمية بمعناه الشامل وما له من علاقة وثيقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد شهدت العقود الأخيرة تقدما ملحوظا في المشاركة السياسية للمرأة, وتزايدت في مناطق العالم أعداد المنظمات والشبكات والحركات النسائية كما تزايدت قوة في تأثيرها في السياسات المحلية والوطنية والدولية. وفي ذات الوقت نجح عدد قليل من النساء في قبول مناصب سياسية مهمة. وعلى الرغم من هذه المكتسبات إلا أن التمييز القائم على أساس الجنس لا يزال عائقا أمام مشاركة المرأة رسميا في عملية اتخاذ القرار وسيطرتها على الموارد المادية والسياسية . ولا تتمتع المرأة حتى الآن في أية دولة من دول العالم بالمساواة مع الرجل في المكانة السياسية أو في قوة التأثير السياسي. وعلى الرغم من إننا الآن في القرن الواحد والعشرين نجد أن معظم القرارات التي تؤثر في مصير كوكبنا الأرض لا تزال تتخذ من دون مشاركة نصف سكانه , النساء, .

إن إقصاء المرأة عن المشاركة السياسية له جذور تاريخية واقتصادية وقانونية. وبالمقارنة مع الرجال, نجد للنساء تاريخا أقصر في المشاركة في الانتخابات السياسية ونتيجة لذلك أصبحت اقل خبرة في جميع مجالات العملية السياسية.

ويميل الفقه إلى اعتماد اتجاهين في تفسير السيطرة الذكورية على العملية السياسية:-

(1)- إن الخيارات التي اقرها المجتمع للمرأة قد دعتها إلى توجيه طاقاتها نحو الاهتمامات العائلية لاسيما تنشئة الأطفال.

(2)- التقاليد والعادات والأعراف الاجتماعية التي تتحكم في الاتجاهات نحو الأدوار والامتيازات السياسية.

وقد تجاوزت الدراسات الحديثة هذين المنظورين وأظهرت إن المؤسسات السياسية ذاتها قد أسهمت في خلق وتكريس هذه الاتجاهات وفي ديمومة الثقافة السياسية الانتقائية التي تؤثر سلبا حتى في النساء اللواتي يفزن في الانتخابات عندما تضع لهن شروطا للمشاركة. هذا ومن المعلوم إن التصويت بحد ذاته ليس الضمان الوحيد لحصول المرأة على حقوقها السياسية, إذ هنالك دول كثيرة تعطي حق التصويت للمرأة ولكن المرأة بعيدة بأشواط كبيرة من حق الترشيح وتقلد المناصب والوصول إلى مواقع صنع القرار.

وقد واصلت الحركات النسائية, على صعيد العالم, نضالها لزيادة التمثيل النسائي مما أدى إلى تدخل الأمم المتحدة للمشاركة في قضية المرأة, إذ عقد في العام 1975 أول مؤتمر دولي حول حقوق المرأة ثم وفي 1980 و 1985 عقدت مؤتمرات أخرى بهذا الشأن , وفي العام 1995 عقدت الأمم المتحدة اكبر مؤتمر تناولت فيه تقارير رسمية عن وضع المرأة والضغط على الحكومات لمعالجة المعوقات أمام مشاركة ووصول المرأة إلى المصادر السياسية والاقتصادية والتربوية. ولقد سميت المدة ما بين العام 1976 والعام 1985 بعقد المرأة إذ أصبحت قضية المرأة تحتل مكانا بارزا في جدول أعمال الأمم المتحدة وركزت على إيجاد نظام اقتصادي وسياسي يحقق مشاركة اكبر للمرأة في العملية السياسية والمشاركة في التنمية العالمية.

وتضمن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان , ابتداء من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الملحق به, حق المرأة في المشاركة السياسية . إذ يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال المادة (21) منه إن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده مباشرة أو بواسطة ممثلين يتم اختيارهم بحرية كما أن لكل شخص وعلى قدم المساواة مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده . كما أكد الإعلان من خلال هذه المادة على إن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين.

أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد أشار في المادة (25) منه إلى أن لكل مواطن من دون أي شكل من أشكال التمييز الحق في أن يشارك في إدارة الشؤون العامة وان ينتخب وان يُنتَخَب وان تتاح له على قدم المساواة عموما مع سواه فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.

وتوفر اتفاقية السيداو أداة فعالة لتناول قضايا المساواة بين الجنسين في الحياة السياسية . إذ تقرر المادة (7) منها حق المرأة في المشاركة في صياغة سياسة الحكومة وتنفيذ هذه السياسة وفي شغل الوظائف العامة وتأدية جميع المهام العامة على جميع المستويات الحكومية والمشاركة في جميع المنظمات والجمعيات غير الحكومية التي تعنى بالحياة العامة والسياسية للبلد. وان هذا الحق من الحقوق الإنسانية لا يمكن تحقيقه إلا بمراجعة وتعديل التقاليد الاجتماعية التي ترسخ التحيز الجنسي.

أما المادة (8) من الاتفاقية فتشير أن على الدول الأطراف أن تتخذ جميع التدابير المناسبة لتكفل للمرأة على قدم المساواة مع الرجل ودون أي تمييز فرصة تمثيل حكومتها على المستوى الدولي والاشتراك في أعمال المنظمات الدولية.

وفي عام 1995 حدد منهاج عمل بيجين موضوع تبوء المرأة موقع السلطة وصنع القرار كأحد مجالات اهتمامه الحاسمة ورسم الخطوط العريضة للإجراءات العملية التي يتعين على الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والهيئات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية فضلا عن منظومة الأمم المتحدة اتخاذها من اجل زيادة إمكانيات وصول المرأة إلى هياكل السلطة وصنع القرار ومشاركتها الكاملة فيها.

وقد اختارت الأمم المتحدة عام 2006, وفي احتفالها باليوم العالمي للمرأة, موضوع مشاركة المرأة في عملية صنع القرار شعارا لاحتفالها بهذا اليوم على أساس أن ذلك يمثل فرصة لتقييم الدرجة التي أصبح بها صوت المرأة مسموعا في قاعات مجالس الإدارات والبرلمانات والمحاكم. وبهذه المناسبة وجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة أكد فيها أن موضوع اليوم العالمي للمرأة , وهو دور المرأة في صنع القرار , موضوع أساسي من اجل النهوض بالمرأة في أنحاء العالم ومن اجل تقدم البشرية جمعاء حسب ما جاء في إعلان بيجين. وان المجتمع الدولي يؤمن بأن المرأة تتأثر مثلها تماما مثل أي رجل بالتحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين سواء فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية أو فيما يتعلق بالسلام والأمن بل أن المرأة كثيرا ما تكون اشد تأثرا بهذه التحديات ومن ثم يجب أن تشترك في عمليات صنع القرار في جميع المجالات بنفس القوة وبنفس الأعداد . وان العالم بدأ يدرك انه لا توجد أي سياسة أكثر فاعلية في تعزيز التنمية والصحة والتعليم من سياسة تمكين المرأة, كما لا توجد سياسة أكثر أهمية من ذلك في منع نشوب النزاعات أو في تحقيق المصالحة بعد انتهاء النزاع.

ولكن ومع هذه القفزة في تزايد مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية فأنهن ما زلن يمثلن نسبة ضئيلة في المراتب العليا والقيادية والتي تساعد في التأثير على عملية سن القوانين والتشريعات في صالح المرأة ومساواتها في المجتمع.

وقد اظهر تقرير مقدم إلى الأمم المتحدة لجنة وضع المرأة بتاريخ 2005 أن مشاركة المرأة في عمليات صنع القرار الاقتصادي رفيعة المستوى لا تزال منخفضة حتى في البلدان المتقدمة النمو رغم أشكال التقدم التي شهدها تعليم المرأة في أنحاء العالم. وانه وفقا للبحوث التي أجرتها منظمة العمل الدولية في المدة من 2000 إلى 2002 فأن نصيب المرأة الإجمالي من الوظائف الإدارية كان يتراوح بين (20%) إلى (40%) فقط في (48) بلد من بين (63) بلد توافرت بيانات بشأنها.

وأظهر التقرير انه في حين تشهد مشاركة المرأة في البرلمانات أعلى معدل لها على الإطلاق بنسبة (16,3%) كمتوسط في كل البرلمانات فأن ذلك لا يمثل سوى زيادة طفيفة منذ عام 1975 عندما كان معدل المشاركة يبلغ (10,9%). وعلى الرغم من انه يبقى تمثيل المرأة في البرلمانات منخفضا لا سيما في البلدان العربية (متوسط مشاركة المرأة في برلمانات المنطقة يبلغ 8,2%) فأن مشاركتها في السنوات الثماني الماضية قد تضاعفت وساعدها في ذلك إلى حد كبير تحديد حصص لها (كوتا) في بلدان مثل جيبوتي والأردن والعراق والمغرب وتونس.

الأسباب والعوامل التي تعيق عملية مشاركة المرأة في العملية السياسية

هنالك أسباب وعوامل كثيرة تعيق عملية مشاركة المرأة في العملية السياسية وعدم تواجدها بالحد العادل والمطلوب والمؤثر في مواقع صنع القرار منها:-

(1)- سيادة المفاهيم البالية أو المعادية لحقوق المرأة في المجتمع وعدم تقبل المجتمع لعمل المرأة.

(2)- عدم وعي المرأة نفسها لأهمية مشاركتها في العمل السياسي.

(3)- سيادة التسلط الذكوري على إدارة الدولة ومؤسساتها وسوق العمل والاقتصاد حتى في الدول المتقدمة واحتكار المناصب العليا من قبل الرجال.

(4)- توظيف النساء في أعمال خدماتية تقليدية وبالتالي ضعف موقعهن الوظيفي والاقتصادي الذي يعد من العوائق الكبيرة أمام تمكين المرأة كي تصبح عنصرا هاما ومؤثرا في مؤسسات صنع القرار.

(5)- تقسيم الأدوار التقليدية بين الرجل والمرأة في الأمور الاجتماعية والأسرية, إذ تتحمل المرأة دوما العبء الأكبر في تربية الأطفال ورعاية الأسرة.

(6)- دور الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة لاسيما الصحافة الالكترونية سريعة الانتشار إلى الفكر الذكوري, في ممارسة التشويه الفكري للمرأة وإبقائها أسيرة أفكار تسهم في الحط من قدراتها على المشاركة الفعالة في النشاطات العامة في المجتمع.

(7)- قلة وجود منظمات نسائية ناشطة في الدفاع الحقيقي عن المرأة دون التبعية لأحزاب سياسية مناهضة لحقوق المرأة – لاسيما في الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث التي تكتفي بإيجاد لجان نسائية تهدف إلى تمرير سياساتها وتسويق برامجها وكسب عناصر وكوادر نسائية – .

(8)- تصاعد الحركات الإرهابية المناهضة لحقوق المرأة على صعيد العالم , وبروز قوى الإسلام السياسي, التي يشكل فرض التراجع على المرأة وحرمانها من أي دور سياسي , احد ابرز واهم مميزات برامجها السياسية وهذا بدوره يعد من العوائق الكبيرة أمام مشاركة المرأة في العملية السياسية والوصول إلى مواقع صنع القرار إذ تتعرض الكثير من الناشطات النسائيات إلى التهديد والقتل وانتهاك حقوقهن.

(9)- تفشي ظاهرة الفقر في كثير من دول العالم وحصول المرأة على الحصة الأكبر من نسبة الفقر ومن انتشار ظاهرة الاتجار بالنساء من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية واستعباد المرأة.

(10)- ظاهرة تفشي الأمية وانخفاض المستوى التعليمي للنساء وهذا يبدو ظاهر في كثير من الدول العربية ومناطق دول العالم الثالث, يعرقل مساعي الارتقاء بنسب التمثيل السياسي للمرأة.

(11)- الإطار الثقافي الذي يشمل القيم والقناعات الدينية , قلة الخدمات وعدم مشاركة الرجال والمهام المتصلة بتنظيم المنزل ورعاية وتربية الأطفال وتؤكد لجنة سيداو بأن التقاليد الثقافية والقناعات الدينية في كل الدول لعبت دورا في تقييد دور المرأة في الحياة الخاصة ومنعتها من المشاركة في الحياة العامة وحتى في الدول التي تشارك المرأة فيها في السياسة تم حصر دور المرأة في قضايا تشمل البيئة والأطفال والصحة ولم تشجع على المشاركة في قضايا مثل تسوية النزاعات , فضلا عن أن المرأة العاملة في السياسة والحكومة لا تتبوأ في العادة مسؤوليات تتعلق بالأمور المالية وميزانية الدولة.

وفي دراسة ميدانية أجرتها في العراق اليونيفم سنة 2005 وشملت (311) عينة بحث بينت (60,1%) من العينة أن العقبات والمعيقات التي تواجه المرأة العراقية عند ممارستها لدورها السياسي تعود للظروف السياسية, يليها وبحسب رأي (52,7%) طبيعة المجتمع , وقد بينوا إن المجتمع يحتاج إلى توعية سياسية واجتماعية وبناء قدرات أفراده . ثم بين (48,3%) منهم أن المعتقدات الدينية أيضا تشكل عاملا مهما في إعاقة المرأة لممارستها لدورها السياسي في العراق, بينما أعاد (38,3%) السبب إلى الانشغال بتربية الأطفال , و(33,8%) لإدارة أمور المنزل و(31,2%) لعدم ثقة المرأة بنفسها وقرر (28,9%) أن السبب يعود إلى القيود التشريعية.

وفي ظل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المتردي في العراق, وجدت المرأة العراقية نفسها في بيئة اجتماعية يُنظر للمرأة فيها بأنها ناقصة عقل وغير ذات فائدة وأهليتها ناقصة. وكُرﱢست هذه الأفكار بشتى الوسائل لتكبيل المرأة ومن ثم تكبيل المجتمع بإظهار الوضع وكأنه صراع جنسي باعتبار خروج المرأة للعمل ومنافسة الرجل هو مصدر ازدياد البطالة بين الرجال وانه أساس كل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وحتى الأخلاقية. وهذا الفكر مستشري وبقوة في مجتمعنا بسبب تكريس الدور النمطي للمرأة ألا وهو المنزل , وان العائلة هو الشكل الوحيد للعلاقات الإنسانية وان سعادة المرأة يجب أن تكمن في قيامها بدور الزوجة المخلصة الصالحة.

ومنذ عام 1958 وطوال فترة حكم نظام حزب البعث لم توجد أية معوقات قانونية تحول دون ممارسة المرأة العراقية لحقها في التصويت أو التمثيل الحكومي, إلا أن مشاركتها الفعلية في الحياة السياسية كانت محدودة.

فعلى الرغم من أن العراق ملتزم قانونا بالاتفاقيات الدولية التي تضمن حق المرأة في الانتخاب والترشيح لمواقع السلطة وصنع القرار, إلا انه من الملاحظ أن النساء لم يشكلن قوة فاعلة في البرلمان أو في الأحزاب السياسية وما زلن غائبات عن المواقع القيادية في الدولة,على الرغم من انه تم التأكيد على إشراكهن وعلى قدم المساواة مع الرجل في العديد من القرارات الدولية وعلى وجه التحديد فيما يخص العراق في قرار مجلس الأمن الخاص بالعراق رقم (1483) تمت الإشارة بشكل صريح إلى قرار مجلس الأمن رقم (1325) إذ ورد فيه (( يشجع الجهود التي يبذلها شعب العراق من اجل تشكيل حكومة تمثله استنادا إلى مبدأ سيادة القانون الذي يكفل المساواة في الحقوق وأمام العدالة لجميع المواطنين العراقيين دونما اعتبار للأصل العرقي أو الدين أو نوع الجنس وإذ يذكّر في هذا الصدد بالقرار 1325(2000) المؤرخ 31 / تشرين الأول / أكتوبر 2000)) . هذا على الصعيد الدولي, أما على الصعيد الوطني فأنه ومنذ دستور 1970 تم ضمان فرص متساوية لكل المواطنين وأشار بشكل خاص للنوع الاجتماعي في المادة (19) المتعلقة بعدم التمييز دون أن يقرر آلية محددة لضمان المشاركة السياسية للمرأة.

أما دستور المرحلة الانتقالية( دستور دولة العراق للمرحلة الانتقالية) فقد حقق تقدما ملموسا بإقرار التمثيل النسبي للمرأة في الحكومة الانتقالية وهي (25%) وذلك بموجب المادة (30- ج) منه, في حين حدد دستور 2005 تمثيل نسبي للمرأة وهو (25%) إلا انه حددها فقط في مجلس النواب من دون بقية فروع الحكومة وذلك ضمن المادة (49- رابعا) على الرغم من أن هذا الدستور قد قرر في المادة (20) منه المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية للمواطنين العراقيين.

وقد جاءت المادة (49- رابعا) بصيغة غير فرْضيّة وإنما بصيغة يحتمل فيها تحقق هذه النسبة ويحتمل أن لا تتحقق علاوة على إنها حددت نطاق التمثيل النسبي بمجلس النواب فقط ولم تضمن المساواة المقررة في المادة (20) من الدستور نفسه. وتنص هذه المادة على ((يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن ألربع من عدد أعضاء مجلس النواب)). وتم تطبيق نظام التمثيل النسبي في المرحلة الانتقالية من خلال أمر سلطة الائتلاف رقم (96) بتاريخ 15 / 6 / 2004والمسمى (قانون الانتخابات) والذي كان ساريا في انتخابات كانون الثاني / 2005 وفيه جاء في نص المادة (4- 2) انه يجب أن يكون اسم امرأة واحدة على الأقل ضمن أسماء أول ثلاث مرشحين في القائمة, كما يجب أن يكون ضمن أسماء أول ست مرشحين على القائمة اسم امرأتين على الأقل وهكذا دواليك حتى نهاية القائمة.

وقد تمت المصادقة على قانون انتخابات جديد في 12 / 9 / 2005 ليكون محل قرار سلطة الائتلاف أعلاه, وقد تم تطبيقه على الانتخابات البرلمانية التي أجريت في كانون أول / 2005. وقد ورد فيه ضمن المادة (11) نص مماثل للنص الوارد في المادة (4-2) من أمر سلطة الائتلاف في أعلاه, إلا انه وحسب المادة (14) من قانون الانتخابات إذا فقد عضو المجلس مقعده لأي سبب يحل محله المرشح التالي في قائمته ولكن إذا كان المقعد الشاغر يخص امرأة فلا يشترط فيها أن تحل محلها امرأة إلا إذا كان ذلك مؤثرا على نسبة تمثيل النساء. وهذا بحد ذاته يشكل انتهاكا لحقوق المرأة السياسية ومخالفة دستورية في التعامل والمساواة في المعاملة والحقوق بين الرجل والمرأة.

ولكن نظام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق رقم (31- 2005) وضح في القسم (5 فقرة 3) منه (( إذا شغر مقعد مرشح كيان سياسي ما سبق وان صادقت المفوضية على ترشيحه وكان من المفروض أن يمنح مقعدا في المجلس وذلك بسبب وفاته أو أصابته بعجز دائم أو أصبح غير مؤهل فان المرشح الذي يليه على نفس القائمة سيحل محله وإذا كان المقعد الشاغر يخص امرأة فسيحل محلها المرأة التي تليها على نفس القائمة إلا إذا لم تبق امرأة في قائمة الترشيح, وتطبق الحالة ذاتها على المقاعد التعويضية والوطنية)).

أما قانون استبدال أعضاء مجلس النواب الصادر في 18 / 9 / 2007 فيقرر في المادة (2- 3) منه ((إذا شغر احد مقاعد مجلس النواب لأحد الأسباب المذكورة في المادة الأولى فيتم استبداله بمرشح من نفس القائمة التي شغر المقعد المخصص لها في مجلس النواب وحسب الترتيب الآتي:- 3- إذا كان المقعد الشاغر يخص امرأة فلا يشترط أن يحل محلها امرأة إلا إذا كان ذلك مؤثرا على الحد الأدنى لتمثيل النساء بالمجلس)).

إن المادة (14) من قانون الانتخابات تشير إلى عضو مجلس النواب أي من فاز بالانتخابات وأصبح رسميا عضو مجلس نواب. في حين القسم 5 من الفقرة 3 من نظام المفوضية تتحدث عن مرشحين وليس عن أعضاء مجلس النواب أي تتحدث عن مرحلة ما قبل الانتخابات أي الشخص في مرحلة الترشيح. أما المادة (2- 3) بإقرارها عدم اشتراط استبدال المقعد للمرأة بامرأة أخرى إذا لم يكن مؤثرا على الحد الأدنى من نسبة التمثيل ,فأن المشرع أو بالأحرى مجلس النواب يريد أن يبقى نطاق التمثيل النسبي للمرأة في حده الأدنى وهذا فيه انتهاك لحقوق المرأة وتناقض مع المادة (16) الدستورية بشأن تكافوء الفرص.

وعليه فأن حق المرأة منتهك في المعاملة السياسية والحقوق السياسية بموجب هذه المواد التشريعية.

هذا ولا توجد أي نصوص دستورية أو تشريعات نافذة تفرض تمثيل نسبي أدنى للمرأة في أي من سلطات الحكومة الأخرى (تنفيذية, قضائية, مجلس رئاسة) أو أي من مواقع صنع القرار وهذا بحد ذاته إخلال بضمان الحقوق السياسية للمرأة وإخلال بالمادة (20) من الدستور. وكنتيجة لتطبيق نظام التمثيل النسبي فقد تم انتخاب (87) امرأة من أصل (275) في انتخابات كانون الأول / 2005 في الجمعية الوطنية بما يشكل (31%)أي أكثر من الحد الأدنى المنصوص عليها في الدستور. ولكن هذه النسبة تراجعت في انتخابات كانون الثاني/ 2005 إذ حصلت النساء على (73) مقعد من مجموع 275. وفي كلتا الحالتين تعد هذه النسبة أعلى نسبة تمثيل للمرأة في تاريخ العراق البرلماني , فقد كان نسبة تمثيل النساء في المجلس الوطني لسنة 1980 (6%) وهذا قبل الحرب العراقية- الإيرانية, وارتفعت النسبة إلى (13%) في 1985 ثم هبطت مرة أخرى إلى (11%) في 1990 وهبطت إلى (8%)في عام 2000. وفي دراسة ميدانية أجرتها اليونيفم في سنة 2005 على عينة بحث تتألف من (311) مواطن عراقي من الذكور والإناث , بيّن (61,1%) منهم إنهم يعتقدون أن نظام التمثيل النسبي (الكوتا) نظام مناسب إذ انه يعطي الحق الكافي للمرأة في المشاركة لاسيما للمرحلة الحالية حتى يعتاد المجتمع على مشاركة المرأة , على أن تكون مفتوحة للنساء الكفوءات وبدون هذه النسبة لن تحظى المرأة بأي منصب, وأفاد آخرون إنهم مع زيادة هذه النسبة. في حين يرى (37,3%) انه نظام غير مناسب ويعزون ذلك إلى اعتبار أن تكون المساواة بين الرجل والمرأة على أساس الكفاءة وبدون استخدام هذا النظام , إذ طالما أن حقوق المرأة مساوية للرجل فعليها أن تثبت جدارتها بدون هذه النسبة وان تترك الأمر للترشيح والانتخابات مثل الرجل. وفي دراسة ميدانية أخرى أجراها مركز اليقين في سنة 2007 على عينة بحثية تتكون من (1067) مواطنة ومواطن طرح عليهم السؤال الآتي (هل أن وجود المرأة في البرلمان قد أسهم ايجابيا في إحداث تغيير على وضع المرأة العراقية) فكانت الإجابات كالآتي :- (36%) من العينة أجابت بنعم ولكن آرائهم كانت متباينة إذ كان رأي (13,30%) منهم أن النخب النسوية استطاعت الوصول إلى البرلمان , وكان (12,50%) رأيها أن وجودها في البرلمان قد ساعد الدولة في تبنيها للمفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان, كما كان رأي(10,20%) أن وجودها في البرلمان أعطى دفعة قوية ومشجعة للمدافعين عن حقوق المرأة. في حين أجاب (51,70%) من العينة بكلا وكانت آرائهم أيضا متباينة , إذ بين (11,90%) منهم أن وجود المرأة في البرلمان لم يسهم بشكل ايجابي في إحداث تغيير على وضع المرأة العراقية بسبب الهيمنة الذكورية وسيطرة قادة الكتل من الرجال, في حين بين (14,60%) إن هذا التغيير لم يتبعه تغيرات أخرى في مستويات الدولة ولم يتبعه إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية, أما (25,20%) رأوا أن وجود المرأة في البرلمان كان وجودا صوريا وشكليا. أما (12,20%) من العينة فكان جوابها بلا أعرف.

كما قرر (60,4%) من العينة إن الفترة الذهبية في العراق بالنسبة للمرأة في مواقع السلطة ومراكز صنع القرار هي فترة ما بعد 2003 كذلك قرر (58,5%) من العينة إن هذه هي الفترة الذهبية بالنسبة للمرأة في تنمية دورها المؤسساتي.

أما في بقية مواقع السلطة فقد شغلت المرأة (6) حقائب وزارية من أصل (36) حقيبة وزارية في الحكومة الانتقالية كما أن مجلس الرئاسة المكون من رئيس الدولة ونائبيه لم يضم أية امرأة. وفي الحكومة التي تلت انتخابات كانون الأول / 2005 فقد تدنى تمثيل المرأة في السلطة التنفيذية بشكل اكبر فمن بين (36) وزارة تحتل المرأة (4) وزارات فقط وأيضا لا توجد نساء في مجلس الرئاسة الذي يضم رئيس الدولة ونائبيه ولا رئاسة الوزراء الذي يضم رئيس الوزراء ونائبيه. وهذا راجع إلى غياب الإرادة السياسية في تحقيق المساواة وفي مجال الحقوق السياسية ومنح الفرصة لنساء في مواقع السلطة وصنع القرار.

وقد تم تعيين (9) نساء فقط في لجنة كتابة الدستور التي تضم (55)عضوا. أما لجنة تعديل الدستور فتضم (3) نساء من أصل (25) عضوا. وهذه الأرقام اقل بكثير من التمثيل النسبي المقرر في الدستور وأيضا فهو لا يمثل موقع المرأة في المجتمع العراقي التي تشكل هي أكثر من نصف سكانه.

ومع أن إنشاء وزارة الدولة لشؤون المرأة, وهذه الخطوة تعد الأولى من نوعها في العراق, تعد خطوة ايجابية باتجاه ايلاء الاهتمام بالقضايا التي تخص المرأة في صياغة وتطبيق السياسة الحكومية, إلا أن قلة الموارد المخصصة لها لا تعطي انطباعا ايجابيا لهذا الاهتمام. وكونها وزارة دولة فهي لا تملك ميزانية مستقلة فضلا عن أن كادر العاملين فيها قليل جدا ولا يمكن لوزير الدولة أن يعيّن موظفين جدد في وزارته إلا بموافقة رئيس الوزراء. فضلا عن أن هذه الوزارة ليس لديها فروع أو مديريات في المحافظات العراقية الأخرى. وهذه المعوقات كلها تعكس جانبا سلبيا لدرجة الاهتمام بقضايا المرأة العراقية. ولأول مرة في العراق وفي تاريخ المنطقة ارتفع عدد النساء في مواقع صنع القرار من (22) امرأة قبل 2003 ليصل إلى (342) امرأة ما بين مدير عام ومعاون مدير ومستشارة ومفتش عام ووكيلة وزير. وتبين الإحصاءات الصادرة عن وزارة المرأة للعام 2007 إن عدد النساء اللاتي بدرجة مدير ومدير أقدم في عموم وزارات الدولة يبلغ (3915) وبدرجة خبير ومعاون مدير عام (118) وبدرجة مدير عام (31) وبدرجة مفتش (1) وبدرجة مستشار (10) وبدرجة وكيل وزير (4). ونلاحظ انه كلما ارتفع المنصب واقترب من قوة صنع القرار, قلل عدد النساء لتبوئه.

ومن الجدير بالذكر إن حكومة العراق لم تضع أو ترسم أهدافا أو تتخذ التدابير المحددة لتحقيق زيادة ملموسة في عدد النساء بغرض الوصول إلى تمثيل أكثر عدالة بين المرأة والرجل في المناصب الحكومية ومناصب الإدارة العامة. كما أنها لم تقم ببرامج تدريبية لتشجيع المرأة على المشاركة في العمليات الانتخابية والأنشطة السياسية.

أما على صعيد مجالس المحافظات والمجالس المحلية:- فقد أجريت انتخابات مجالس المحافظات في سنة 2005 وخضعت لمتطلبات التمثيل النسبي ذاتها المطبقة من قبل الجمعية الوطنية الانتقالية, وعلى الرغم من هذه الآلية في التمثيل النسبي إلا انه خرج (4) من أصل (18) مجلس محافظة بعدد نساء اقل من النسبة المقررة. فمحافظة صلاح الدين يضم مجلس المحافظة فيها (10) نساء من أصل (41) عضو أي بنسبة (24%), كذلك مجلس محافظة ميسان (نفس الأرقام) ومجلس محافظة ذي قار (9) نساء من أصل (41) عضو أي بنسبة (22%) ومجلس محافظة كربلاء (8) نساء من أصل (41) عضو أي بنسبة (19,5%). ولكن لم تكن هناك امرأة واحدة من بين المحافظين أو مساعدي المحافظين. وباستثناء كردستان, لم تكن هناك امرأة بين نواب المحافظين ورؤساء اللجان.

وبحسب وزارة الشؤون البلدية والأشغال العامة, تمثل المرأة في المجالس المحلية وترأس مجلسين أو ثلاث مجالس محلية.

وعن مشاركة المرأة في القضاء:- فقد دخلت المرأة المعهد القضائي في سنة 1976 وتم تعيين العديد من الخريجات منه قضاة ومدّعين عامين. ولكن في عام 1984 والى العام 2003 منع النظام السابق المرأة من الالتحاق بالمعهد القضائي وبالتالي بسلك القضاء واقتصر عدد النساء القضاة على من تم تعيينه قبل هذا القرار وكان عددهن يتراوح مابين 9 – 11 قاضية.

إلا انه بعد سقوط حكم النظام السابق وتحديدا منذ أيار 2003 تم تعيين بعض من خريجات المعهد القضائي السابقات في السلك القضائي وعن طريق لجنة المراجعة القضائية التي تم تشكيلها بموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (15) بتاريخ 13 / 6 / 2003 ومن ثم عن طريق مجلس القضاء العراقي الأعلى. ومن أصل (235) طالبا مسجلا في المعهد القضائي في سنة 2006 هناك (25) امرأة, وهذا يدل على أن المرأة لا زال تمثيلها ضعيفا في السلطة القضائية إذ هناك (13) امرأة فقط من بين (738) من قضاة العراق (عدا منطقة كردستان) أي اقل من (2%) في حين في منطقة كردستان توجد ثلاث قاضيات فقط وكلهن قاضيات محاكم أحداث في محافظة السليمانية. وحتى من حالفها الحظ وتمارس سلطة القضاء فأنها مقيدة ومحددة بضوابط تمييزية إذ لا يسمح للمرأة التي تعمل في القضاء بتولي منصب قاضي في محكمة الأحوال الشخصية وإنما غالبا ما تنسب على محاكم الأحداث أو البداءة, أما المحكمة الاتحادية العليا المشكلة من (9) قضاة فلا تضم أية امرأة. أما تمثيل النساء في الادعاء العام فهو أفضل حالا, إذ تحتل النساء (16) منصب ادعاء من أصل (250) في مناطق الوسط والجنوب وحوالي (150) امرأة عاملة في مكتب الادعاء العام في منطقة كردستان مع التأكيد على ملاحظة مهمة أن المدعين العامين لا يملكون صلاحية اتخاذ القرارات في القضايا حتى في المراحل الأولى من التحقيق.

وعلى صعيد العمل في جهازي الشرطة والجيش:- تواجه جهود تشكيل جهاز للشرطة النسوية في العراق عقبات متواصلة منها رفض المجتمع للفكرة وكذلك وجود تشريعات وقوانين سنها النظام السابق, ولا تزال سارية النفاذ, تحظر على المرأة العراقية الحصول على رتبة ضابط في وزارة الداخلية.

ولكن هناك خطوات تم اتخاذها لتأسيس جهاز الشرطة النسوية منذ إعادة تشكيل الوزارة وكذلك إعداد كوادر أمنية نسوية متقدمة كانت واحدة من المراحل التكميلية لهذا المشروع. وقد كان برنامج إعداد المتدربات الأمنيات الخطوة الأولى باتجاه تشكيل جهاز الشرطة النسوية.

وان المعضلة التي تواجه هذا المشروع تتجسد بالسياقات والتشريعات التي وضعها نظام الحكم السابق ولا تزال نافذة وتحظر حصول المرأة على رتبة ضابط في وزارة الداخلية, وبالتالي فأن هذا يتطلب إلغاء لهذه التشريعات وإصدار تشريعات جديدة تسمح للمرأة وعلى قدم المساواة مع الرجل بالحصول على هذه الرتب وإنهاء هذا الحظر. لاسيما وان فكرة تشكيل جهاز الشرطة النسائية ليست جديدة على العراق, إذ شهد عام 1968 افتتاح دورات لتأهيل النساء ليصبحن شرطيات أسوة بالرجال إلا أن التجربة فشلت فتم نقل الشرطيات المدربات إلى الدوائر التابعة لوزارة الداخلية.

وقد عملت قوات التحالف منذ عام 2003 على تجنيد النساء العراقيات وتدريبهن للعمل في قوات الأمن العراقية ويقول القادة العسكريون الأميركيون إن المجندات العراقيات يمكنهن القيام بعمليات التفتيش وجمع المعلومات الاستخبارية على نحو أفضل من المجندين الذكور فضلا عن إمكانية عملهن لحفظ السلام بشكل محايد.

وتنخرط الكثير من الفتيات العراقيات في صفوف الشرطة والجيش بسبب الأوضاع المعيشية القاسية التي تعاني منها العائلات العراقية وانتشار البطالة وانعدام فرص العمل فضلا عن عدم اشتراط المؤهل العلمي للانخراط في صفوف الشرطة والجيش.هذا ومن الجدير بالذكر إن تعيينات النساء في وزارة الدفاع محدودة وقليلة وان التركي ينصب على استرجاع الضباط القدامى. إذ أن الجيش العراقي السابق كان يضم العديد من الضابطات المشهود لهن بالكفاءة ضمن صفوف عملهن.

وفي بداية هذا المشروع وتحديدا في 12 / 2003 نجحت جهود قوات الـتـحــالــف فــي تـجـنـيـد عراقيتين فقط في أكاديمية بغداد للشرطة والتحقن فعلا بقوة الشرطة. بعد ذلك تم تجنيد خــمــــس عراقيات أخريات – بعد أن سمح بذلك زعماء العشائر – عقبه السماح لأربعة منهن بــمــمارســة عمل الشرطة, وبحلول عام 2004 نجحت الجهود في تجنيد الشرطيات بــاستـــقـطاب نحو 500 امرأة وتم اختيار 270 امرأة منهن للعمل بقوات الشرطة.

لا انه بعد أن سلم المدربون التابعون لقوات التحالف برنامج التجنيد والتدريب للسلطات العراقــية في آب / 2005 انخفض عدد المجندات العراقيات في أكاديمية بغداد وبلغ عد الشرطيات اللاتـــي تخرجن منذ ذلك الوقت وحتى الآن (985) فقط من بين (30) ألف تخرجوا في الأكاديمية , وذلك لان السلطات العراقية لم تجند أيا من العناصر النسوية منذ 4 / 2005 وبذلك فقد افشلوا برنامج تجنيد النساء الذي تحاول وزارة الداخلية اليوم إعادة إحياءه والقضاء عـــلــى العــقــبـات الـتـــي تواجهه.

وعلى الرغم من هذا التغييب للمرأة وعدم الاعتراف بأهميتها في مواقع السلطة ومراكز صــنــــع القرار, إلا أن هناك تأييد جماهيري لوجود المرأة في مواقع صنع القرار ومراكز السلطة وإيــمـانا بقدراتها في تبوء هذه المواقع.

ففي سنة 2005 أجرت اليونيفم مسحا شمل (311) مواطنا عراقيا ذكورا وإناثا اظهر أن معــظم أفراد العينة وبنسبة (94,9%) يؤمنون بأهمية المرأة ودورها السياسي وانه لا بد أن يكون لها دور أساسي لاسيما إذا كانت مثقفة ثقافة بعيدة عن الطائفية والتقاليد البالية. أما الذين لم يؤمنوا بأهمية دورها في الحياة السياسية وتشكل نسبتهم (5,1%) من العينة فأرجعوا السبب إلى أنها تتصف بالعاطفية مما قد يؤثر على قراراتها المختلفة.

إلا انه وفي سؤال وجّه للعينة البحثية لمركز اليقين عن ما إذا كان يهمهم أن تكون المرأة صانعة للقرار, فكان جواب (54%) منهم نعم, أما (46%) فكان جوابهم كلا, في حين امتنع (0,3%) عن الجواب.

كما وجه لهم سؤال آخر عما إذا كانوا يودون أن يكون للمرأة دور مشاركة في عملية صنع القرار في العراق, فأجاب (30,90%) منهم إنهم يوافقون بشدة على ذلك , في حين أجاب (20.10%) منهم إنهم يوافقون, أما جواب (17,90%) منهم فكان الموافقة نوعا ما, وأجاب (10,10%) إنهم لا يوافقون نوعا ما على أن يكون للمرأة دور في عملية صنع القرار , إلا أن جواب (1,60%) منهم كان بعدم الموافقة على الإطلاق, وامتنع (19,40%) من العينة عن الجواب.

وهذا يدل على تراجع نسبة المؤيدين لوجود المرأة في مراكز صنع القرار وأهميتها وأهمية مشاركتها في هذا الموقع عما كان عليه في سنة 2005 وهذا مؤشر خطير ممكن أن يكون السبب ورائه عدم كفاءة النساء الموجودات الآن في مراكز صنع القرار ومواقع السلطة وإنهن لم يقدمن شيء لا للنساء العراقيات ولا للشعب العراقي .

الــتــوصــيــات

1- -ضمان احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كافة وحمايتها, وهذا يقودنا إلى الدعوة إلى التصديق ومن دون تحفظات على المواثيق الخاصة بحقوق الإنسان كافة لاسيما المتعلقة بحقوق المرأة.

2-العمل الجاد والهادف على ضمان معرفة النساء كافة لحقوقهن وتمكينهن من المطالبة بتوفيرها وتعزيزها وممارستهن لها . ولكي يتحقق هذا الأمر فلا بد من تثقيف الجميع , رجالاً ونساءاً أولاداً وبناتاً , على موضوع حقوق الإنسان للمرأة ومسؤولياتهم عن احترام حقوق الآخرين.

3-تعزيز ونشر ثقافة الجندر على المستويات كافة وفي مؤسسات الدولة كافة لضمان أن لا تؤدي السياسات الاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك التخطيط الإنمائي إلى إدامة العنف ضد المرأة وزيادة حدته وإنما يأخذ اتجاهاً ومنحاً آخر وهو منع العنف ضد المرأة والقضاء عليه. مع ضرورة التأكيد والتركيز على الاستفادة من خبرات النساء وتجاربهن مع العنف.

4- جعل القوانين والسياسات والممارسات الوطنية تتفق مع الالتزامات الدولية, وهذا يتطلب إلغاء كافة التشريعات التي تتضمن تمييزا ضد المرأة وضمان أن تتفق التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

5- وضع خطط وبرامج عمل تتابعها الحكومة وتحدّثها بانتظام, وبالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني لاسيما المنظمات غير الحكومية والشبكات والحركات النسائية.

6- وضع إستراتيجية جديدة للنهوض بالمرأة تأخذ في اعتبارها المتغيرات الجديدة وتستفيد من الخبرات الدولية وتؤكد دعم وتعزيز ثقافة التكافوء والمساواة ومناهضة التمييز ونبذ العنف. والحرص على إيجاد آلية وطنية ذات مستوى عال من القدرة على اتخاذ القرارات والقدرة على التنسيق لتنفيذ الإستراتيجية ومتابعة معوقات تنفيذها ويكون كل ذلك بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني الفاعلة.

7- إنشاء مركز وطني للدراسات الخاصة بالمرأة وبما ييسر إجراء دراسات متكاملة وذات نفع عن المرأة ومتابعة أحوالها ورصد المظاهر السلبية والايجابية التي تطرأ على وضعها.

8- تعزيز مشاركة المرأة في مواقع السلطة العليا وفي مراكز صنع القرار ولجان ووفود المفاوضات من اجل إحلال السلام ولجان المصالحة الوطنية, عن طريق إزالة أشكال المعوقات التي تعترض تلك المشاركة, ومنح الفرص بالتساوي بين المرأة والرجل وعلى أساس مبدأ الكفاءة لا غير وجعل فرصة الترقية في الوظائف ذات مضامين عادلة. كما لا بد من تفعيل قرار مجلس الأمن رقم (1325(200)) بشأن المرأة والسلام والذي أكد عليه قرار مجلس الأمن بشأن بالعراق رقم (1483(2003)). والعمل على أن تشارك النساء مشاركة فاعلة وعلى قدم المساواة مع الرجل في المفاوضات التي تجري بشأن اتفاقات السلام والمصالحة الوطنية وان تشارك في اللجان والبعثات الدبلوماسية, وان يتم تعزيز قدراتها في هذه المجالات بكافة الأشكال كالتدريب وبرامج بناء القدرات.

9- تخصيص بنود في ميزانية الدولة خاصة بمعالجة وتطوير وتنمية وضع وواقع المرأة العراقية بما يحقق القضاء على التمييز والعنف الممارس ضد المرأة, وتخصيص مشاريع تنموية وتحقق لها الأمن والاستقرار على الصعد كافة, وهذا الأمر بحد ذاته يسترعي إرادة سياسية هادفة وحقيقية للنهوض بواقع المرأة وتنمية وتطوير قدراتها.

10- تشجيع عمل المنظمات غير الحكومية لاسيما التي تعنى بشؤون المرأة وتهيئة الوسائل المناسبة للتعاون ما بينها وما بين المؤسسات الحكومية للتنسيق معها.

11- حث الحكومة على الالتزام بمواعيد تقديم التقارير الدورية الخاصة بمدى التزام العراق بتطبيق اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ومناقشة هذه التقارير مع الجهات الدولية والاستعانة بالخبراء وذوي الاختصاص في إعدادها وتقبل المساعدات الاستشارات الدولية للنهوض بواقع المرأة العراقية وتعزيز حقوقها وحرياتها واحترامها.

المصدر

الدكتورة بشرى ألعبيدي\ دكتوراه في القانون الجنائي الدولي استاذة في كلية القانون / جامعة بغداد