ضريح الامام ابو حنيفة النعمان

نسبه

أبو حنيفة النعمان بن ثابت، رأس المدرسة الحنفية التي تعتبر أحد المذاهب الأربعة للمسلمين السنة.

تختلف المصادر في أصله، فهناك من يقول إنه فارسي، وهناك من يقول إن جده جاء من كابل بأفغانستان، إلا أن مؤرخي العصر الحديث مثل المؤرخ العراقي الدكتور مصطفى جواد والدكتور ناجي معروف رأوا أنه ينحدر من عرب الأنباط الذين سكنوا العراق قبل الإسلام، وبالتحديد من بني يحيى بن زيد بن أسد.

حياته

ضريح الامام ابو حنيفة النعمان

ولد أبو حنيفة في الكوفة بالعراق عام 80 للهجرة (699 للميلاد)، كان أبوه تاجرا، وعمل مع والده، وكان من الميسورين.

ورغم عمله بالتجارة فإنه كان منجذبا للعلم منذ سنين صباه الأولى، وكان دائم البحث والتعلم، وعندما التقاه الفقيه والإمام عامر الشعبي توسم فيه العلم والقيادة وقال له "عليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء.. فإنني أرى فيك يقظة وحركة".

التحق أبو حنيفة بحلقة حماد بن أبي سليمان، أحد كبار فقهاء الكوفة، في العام 102 للهجرة، وتتلمذ على يده مدة 18 عاما، وأسمى ابنه الأكبر حماد تيمنا بأستاذه. وعندما توفي حماد عام 120 للهجرة ترأس أبو حنيفة حلقة الفقه وصار كبير الثقات.

جامع الإمام الأعظم شاخصا منذ أكثر من ألف عام وتقام فيه الصلاة (الأوروبية)

أفنى أبو حنيفة عمره في البحث والتدريس، وكانت حلقته مثل خلية نحل تعمل ليل نهار نقاشا وبحثا علميا. ولاحظ الإمام أبو حنيفة أن فقهاء المسلمين يجتهدون عند الحاجة فقط، لذلك فقد هدف إلى وضع نظام قضائي شرعي ينظم حياة المسلمين في كل الأزمنة والعصور، ويستند إليه القضاة في حل قضايا الناس والفصل في النزاعات.

ويعتبر أبو حنيفة من الأئمة الذين اعتمدوا الرأي والقياس، ووضع الأسس النظرية للفقه الإصلاحي، وساعده بُعدُه ورفضُه الانخراط في سلك القضاء على نظرة أشمل فيما يتعلق بأحكام ومقتضيات التطبيق.

ويعتبر المذهب الحنفي بصفة عامة مذهبا مجددا احتوى على الكثير من الأفكار الجديدة، واعتمد على الإمعان في التعقل، من دون أن يخرج عن الحد المألوف عند مدارس الفقه الأخرى في الاجتهاد والرأي.

وقد تعرض أبو حنيفة وخاصة بعد وفاته إلى هجمات عدة تنتقص منه وترميه بالمجون والخروج عن الملة والإسراف في الرأي، إلا أن تلامذة الإمام ومريديه الكثر دافعوا عنه وعن آرائه، وفندوا الهجمة على إمامهم بالحجة والمنطق، ومنها الادعاء بأن أبا حنيفة قال بعدم خلود النار، وهو قول من أقوال الجهمية التي عارضها أبو حنيفة في حياته جهارا نهارا.

رفض أبو حنيفة منصب القضاء مرارا وتكرارا في أيام بني أمية وثبت على موقفه مع الدولة العباسية، الأمر الذي عرضه إلى غضب الخلفاء والسجن أكثر من مرة. وكانت وجهة نظره أن الإمام لا يجب أن يصير قاضيا، وقد مات الإمام أبو حنيفة في السجن نتيجة رفضه تولي القضاء.

ومن آيات إيمانه وإخلاصه لرسالة العلم أنه كان ينفق على تلاميذه المعسورين، مثل أبي يوسف الذي ترك الدرس والتحق بأبيه ليعيل أسرته فما كان من الإمام إلا أن استدعاه وأعانه، وعندما كبر الفتى أصبح الإمام الكبير وقاضي قضاة بغداد الشهير (أبي يوسف).

يقول أبو يوسف عن دعم أبي حنيفة له "دفع لي صرة وقال: استمتع بها. فنظرت فإذا فيها مائة درهم وقال: الزم الحلقة وإذا فرغت هذه فأعلمني، فلزمت الحلقة فلما قضيت مدة يسيرة دفع إلي بمائة أخرى (...) وما أعلمته بقلة قط، ولا أخبرته بنفاد شيء وكأنه يخبر (يعلم) بنفادها وظل كذلك حتى استغنيت".

توفي أبو حنيفة عام 150 للهجرة (767 للميلاد) ودفن في بغداد في مقبرة الخيزران نسبة إلى الخيزران بنت عطاء زوج الخليفة العباسي المهدي، وفي عام 375 للهجرة (985 للميلاد) أي بعد وفاة أبي حنيفة بأكثر من قرنين، بني بجوار قبره مسجد سمي مسجد الإمام الأعظم الذي هو أحد ألقاب أبي حنيفة النعمان، ولا يزال المسجد الجامع شاخصا إلى يومنا هذا وتسمى المنطقة التي بجواره منطقة الأعظمية وهي تسمية مشتقة من لقب الإمام الأعظم، وهي من أعرق الحارات البغدادية.

جامع الإمام الأعظم

جامع الإمام الأعظم أو جامع أبو حنيفة النعمان هو أحد المساجد والمدارس التاريخية في مدينة بغداد. المنطقة حول الجامع تدعى الأعظمية نسبة إليه وتقع في شمال بغداد على جهة الرصافة ويقابلها منطقة الكاظمية نسبة إلى موسى الكاظم الذي يقع فيها. بني المسجد عام 375 هـ (1065 ميلادية) بجوار قبر أبو حنيفة النعمان. تعتبر جامعة الأعظمية واحدة من الثلاثة أقدم الجامعة على مستوى العالم ، حيث سبقها جامع القرويين بالمغرب (بني في عام 859 م) و جامع الأزهر بمصر الذي أسس في عام 972 ميلادية . وبنيت أول الجامعات الأوروبية بعدهم في عام 1088 م وهي جامعة بولونيا في إيطاليا.

تاريخه

توفي أبو حنيفة في بغداد زمن ابي جعفر المنصور عام 150 هـ. ودفن في شمال بغداد في مكان سمي بعد حين بمقبرة الخيزران نسبة إلى الخيزران بنت عطاء زوج الخليفة المهدي ووالدة الهادي وهارون الرشيد، والتي توفيت ودفنت هناك عام 173 هـ. والإمام أبوحنيفة النعمان بن ثابت بن النعمان ،من عرب العراق الذي استوطنوه قبل الإسلام .

بني جامع عام 375 هـ، وبنيت عنده مدرسة كبيرة، ثم في عام 459 هـ (1066م)، بني مشهد وقبة على القبر وعرفت المنطقة الواقعة في جوار المشهد باسم محلة الامام أبي حنيفة. وكان التدريس في المدرسة قاصرا على العلوم الدينية فقط.

وقد وصف ابن جبير في رحلته إلى بغداد سنة 580 هـ (1184م) الجانب الشرقي من بغداد بما يلي:

"وبأعلى الشرقية خارج البلدة محلة كبيرة بإزاء محلة الرصافة كان باب الطاق المشهور على الشط وفي تلك المحلة مشهد حفيل البنيان له قبة بيضاء سامية في الهواء فيه قبر الإمام أبي حنيفة وبه تعرف المحلة."

ووصف ابن بطوطة مدينة بغداد بزيارته عام 727 هـ (1327م) وذكر المساجد التي تقام الجمعة فيها وهي جامع الخليفة وجامع السلطان وجامع الرصافة بالأعظمية وبينه وبين جامع السلطان نحو الميل وبقرب الرصافة قبر الامام أبي حنيفة. ولولا وجود مشهد الامام أبي حنيفة ومدرسته في بغداد لكانت المنطقة أندثرت وزالت بعد سقوط بغداد ودخول هولاكو كما أندثرت مناطق عديدة منها.

أثناء وجود الصفويين في بغداد تمت ولمرات عدة هدم مشهد الامام أبي حنيفة وتحطيم المدرسة بسبب الفتنة الطائفية.

وقد لقي المشهد والمسجد بعض العناية من قبل الملك محمد بن منصور الخوارزمي بعد مجئ العثمانيين إلى بغداد عام 1534م. وشهد ذلك العام إصلاحات من قبل السلطان سليمان القانوني، فعند عودة السلطان من زيارته لكربلاء والنجف زار قبر الامام ابي حنيفة الذي كان مهدما فأمر بإعادة تشييد القبة وإعمار الجامع والمدرسة وأمر كذلك بتعمير دار ضيافة وحمام وخان وأربعين إلى خمسين دكانا حوله..ثم أمر بتعمير قلعة لحراسة الجامع والمدرسة والمنطقة ووضع جنودا بلغ عددهم نحو 150 ومعهم معدات حربية ومدافع لحماية المكان.

وكانت بعد ذلك إصلاحات أخرى على يد السلطان مراد الرابع عند دخوله بغداد عام 1048 هـ (1638م) حيث جاء معه إلى الاعظمية بعض من قبيلة العبيد وسكنوا حول ضريح الإمام أبو حنيفة لحمايته.

وفي عهد المماليك وتحديدا الوالي سليمان باشا (أبو ليلة) جدد المرقد وأنشئت المنارة والقبة عام 1757م. وعام 1291 هـ (1874م) جدد بناء الجامع بأمر السلطانة والدة السلطان عبد العزيز.

وقد بقيت مدرسة الإمام الأعظم المدرسة الوحيدة في الأعظمية إلى جانب بعض الكتاتيب لتعليم القراءة والكتابة والقرآن حتى سنة 1911م حيث أعيد إعمار الجامع وتنظيم المدرسة التي سميت كلية الإمام الأعظم، وتم بنائها في عهد الدولة العثمانية، حيث طالب الشيخ العلامة نعمان الأعظمي السلطان العثماني بما لجامع أبو حنيفة من حقوق مغدورة وكانت مجلته التي يصدرها (تنوير الأفكار) تنطق بلسانهِ فحصل بجده وسعيه على موافقة السلطان لإنشاء كلية في الجامع، وكان للشيخ نعمان الفضل الأكبر في السعي لإنشاءها وبناءها، وتعتبر من مآثره وجليل أعمالهِ. ثم سماها دار العلوم الدينية والعربية، ثم كلية الشريعة ثم سميت مرة أخرى بكلية الإمام الأعظم. وكانت هناك بعض أعمال الترميم خلال العهد الملكي. وفي عام 1923م، صدر الأمر بإعادة (الكلية الأعظمية) وجعلها تابعة لديوان وزارة الأوقاف وصارت أكبر مدرسة دينية في العراق.

وبعد 14 تموز 1958 تم بناء برج أسطواني بارتفاع 25 م وكسي بالفسيفساء الأزرق والأبيض ليكون جاهزا لاستقبال ساعة الأعظمية التي نصبت عام 1961م وبقت تعمل بانتظام. وفي عام 1973 قامت وزارة الأوقاف بكساء البرج بصفائح من الألمنيوم المضلع باللون الذهبي.

وكانت هناك كذلك بعض إعمال الترميم خلال العهد الجمهوري، وكذلك خلال ثمانينيات القرن العشرين.

معركة الأعظمية

وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م حدثت معركة عسكرية في الأعظمية يوم 10 نيسان 2003م، تم على أثرها تدمير جزء من منارة الجامع والساعة والضريح وأجزاء أخرى داخل الجامع، وتحطمت المباني حول الجامع ومنها مبنى جمعية منتدى الإمام أبي حنيفة.

وتعطلت صلاة الجمعة بعدها لمرة واحدة، ثم قام جمع خير من أهالي الأعظمية بتنظيف المكان وإزالة الزجاج المتهشم وآثار المعركة وحماية الجامع والمرقد وكلية الإمام الأعظم من محاولات ذوي النفوس الضعيفة للسرقة أو التخريب . وأقيمت الصلاة في الجمعة التالية و قام ديوان الوقف السني وبالتعاون مع عدد من الشركات الساندة، وكذلك مع عائلة السيد محسوب الشهيرة بالأعظمية ومساعدة بعض شباب المنطقة ، منذ عام 2003م بترميم الجامع والمرقد وإعادة نصب ساعة الأعظمية إلى برجها. وإلى يومنا هذا تتواصل الجهود في تحديث وترميم المكان.

وثائق محفوظة

في مكتبة الجامع وثائق قيمة مهداة وموقوفة من قبل بعض المتبرعين تشمل:

مصحف كبير ومذهب ومزخرف هدية من الحاج حافظ محمد امين الرشدي سنة 1236 هـ للسلطان محمود. وقد طبعته وزارة الأوقاف ثلاث مرات في الأعوام 1379 هـ، 1386 هـ، و1391 هـ. والطبعات الثلاث بإشراف الخطاط هاشم محمد البغدادي.

المصحف المشهور ب(قرآن أنور باشا) بخط إسطنبولي محلى بالذهب، غلافه من الذهب مرصع بالألماس، أهدي خلال الحرب العالمية الأولى.

مصحف كبير الحجم مزخرف ومذهب جميعه، كل صفحة سطران كبيران بخط كبير، كتب بماء الذهب، وبعضها بحروف اصغر. يقال لهذا النوع ياقوتي. أوقفه مصطفى أغا القابولي سنة 1073 هـ.

مصحف زخرفته قليلة (بخط ياقوت) وليس عليه تاريخ.

مصحف كتب بماء الذهب للسطر الكبير، وبقية الأسطر بالحبر الأسود، وفي أطرافه دوائر مزخرفة بالذهب والألوان. أهداه مصطفى أغا سنة 1073 هـ وكان موضوعاً على صف مزخرف بالصدف.

مصحف كتبتهُ امرأة.

مصحف ضخم جداً مذهب ومزخرف على أطرافه تعليقات كوفية مزخرفة بالذهب، كتب سنة 1048 هـ. أهداه مصطفى باشا.

مصحف مذهب ياقوتي سطر كبير والبقية اسطر صغيرة، كتبه سنة 1100 هـ محمد الكاتب. وهو النسخة الخامسة والعشرون مما نمقه.

مصحف كبير الحجم، تذهيبه قليل وزخرفته قليلة أيضاً، كتبه عمر بن الشيخ حسين سنة 1095 هـ.

مصحف كبير جداً كتب سنة 1160 هـ أوقفه محمود خان مصطفى.

مصحف كبير وضع داخل صندوق كبير من الفضة المزخرفة والمطعم بالأحجار النفيسة، وهو هدية ملك الأفغان محمد ظاهر شاه سنة 1950م.

وهناك مصاحف كثيرة جداً بعضها مزخرف ومذهب في بدايته ونهايته والبعض الآخر بلا زخرفة أو تذهيب.

ثالث جامعة عالمية

يعتبر جامع الإمام الأعظم هو ثالث جامعة عالمية لا تزال تعمل حتى الآن حيث أسس في عام 1065 ميلادية . وكان قد سبقه جامع القرويين بالمغرب الذي بني في عام 859 م و الجامع الأزهر بمصر والذي أسس في عام 972 م . وكانت جامعة بولونيا هي أول جامعة تبنى في أوروبا ، حيث بنيت بعدهم في عام 1088 .

من الخمسة أقدم الجامعات ، لا تزال ثلاثة جامعات في العالم الإسلامي تعمل : جامع القرويين و الجامع الأزهر بمصر و جامع الإمام الأعظم بالعراق . ثم بنيت بعدها جامعة بولونيا في إيطاليا عام 1088 م ، و جامعة أكسفورد في إنجلترا وبنيت في عام 1096.

المصدر

ويكيبيديا, الموسوعة الحرة

الجزيرة نت