البهائية
الدين من منظور علم الاجتماع يركزعلى السلوك الديني في الحياة اليومية وذلك بناء على محتواه الاجتماعي . والمجتمع العراقي في هذه المرحلة من تاريخه يعيش صراعات يمكن وضعها ضمن الاطار الديني العام ، لذلك فأن تحليل السلوك الديني لاي طائفة دينية يمكن ان يتم من خلال الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تتواجد فيه .
البهائية في العراق طائفة دينية خلاصية تبشيرية ، ظهرت في القرن التاسع عشر، بين المسلمين الاثني عشرية الشيخية في ايران ، ولكنها تجاوزت حدودهاعندما جمعت بين انتمائها الديني وبين اراء منحرفة وغالت فيها حتى اصبحت فاضحة وواضحة البعد عن العقيدة الاسلامية ومذاهبها.
انتقلت البهائية الى المجتمع العراقي واعلنت عقائدها وممارساتها ، لكن تنوع الامكنة والازمنة والانظمة والحاجات الاجتماعية وغيرها يعد مفسرا لتسويغها من قبل البعض واستسهال اعتناقها ورفضها من قبل البعض الاخر بل معاداتها. وفي اطار علاقات التناقض بين الاسلام كدين والبهائية التي نسخت الاسلام والتناقض بين حلول اله جديد يتوجب الايمان به الغاء ( الله) الذي لايقبل الاشراك والتعدد فنسخت العقائد وتجددت ضمن حركة الزمان والمكان ، وعرضت نفسها بديلا نموذجيا للاديان المعروفة السائدة في محاولة لاضفاء صفة التكامل والقبول عليه او بمعنى اخر توظيفه لاحداث التغيير في المجتمع ، لذلك سمي الدين البهائي بدين العصر الحديث . اما موقف الانظمة السياسية المتعاقبة في العراق من الطائفة هذه هو منع و ايقاف انشطتها .
بعد عام 2003 منحت الحرية لهم كسائر الجماعات الاخرى بممارسة شعائرها و عقائدها الضامنة لاستمرارها وبقاءها، و تمثل لنا هذه الحرية الممنوحة لهم، اعترافا بها كدين . لذا يعتبر هذا الدعم للطائفة البهائية يتضمن مصالح سياسية مما يفاقم موضوع الطائفية ويبلورها ، لان الواقع السياسي والاجتماعي العراقي اقرب للطائفية منه الى الواقع الديني العام . وان جذب الجماعة هذه هو تحديد لهويتها السياسية .
ان عودة الطائفة البهائية الى الظهور على سطح الاحداث في المجتمع العراقي ، يمثل مشكلة هذا البحث لما تتضمنه عقائدهم من نسخ صريح للعقائد الاسلامية واخلاقياته وتدعو عقيدتهم للتبشير ، مما يتعارض والحفاظ على ثقافة المجتمع وسلامته لاسيما وان اساليبها في العمل سرية وتستهدف المرأة والطفل والمراهق وهي الفئات المنسية والمهجورة في المجتمع . لذلك فأن اهمية البحث يتضمن رؤية اجتماعية معاصرة لعقائدهم ، ذلك بعد وضعها بين قطبي الرفض الديني و القبول الاجتماعي ،مما يستدعي الوعي لفهم المحركات لسلوكهم (الديني والاجتماعي) ضمن الواقع الحالي للمجتمع العراقي لاسيما وانهم يعملون في الظل ليس في العلن ونحاول الكشف عن اسبابه لذا يعد هذا البحث بحثا اصيلا حيث لم تدرس البهائية كدين وفقا لهذا المنظور المعاصر للاديان ، وتوظيفه داخل المجتمع العراقي من وجهة نظرنا هو توظيف سياسي . هدف البحث يتمثل بالكشف عن الفكر البهائي وعقائده وتوصيفه كمعطيات تحلل سوسيولوجيا للكشف عن حركيتها الزمنية كأساليب عمل وتوظيفها كسلوك ديني دنيوي وسياسي معاصر داخل المجتمع العراقي . ومحاولة تلمس ماوراء السرية المعتمدة في عملهم .
تم استخدام المنهج الوصفي التحليلي والمنهج التاريخي والمنهج المقارن في الدراسة ، واعتمدنا التحليل الوظيفي وفقا للنظرية الوظيفية الذي يفسر وجود الاشياء في ضوء اشباعها لحاجات البناء الاجتماعي . وحيث الوظيفة هي الاسهام الذي يقدمه الجزء للكل وهذا الكل قد يكون المجتمع او الثقافة . واعتمادا على نظرة علماء الاجتماع والانثروبولوجيا الى المجتمع على انه نسق واحد يتألف من عدة عناصر متفاعلة ومتساندة يؤثر بعضها في بعض وبذلك اصبح هدف هذا الاتجاه هو الكشف عن كيفية اسهام (البهائية) كجزءمن اجزاء النسق كله لاستمراريته او الاضرار بهذه الاستمرارية .
- 1 مفاهيم البحث
- 2 الباب والبهاء – مراحل الدعوة وانواعها
- 3 الواقع الاجتماعي ومعطيات النشأة
- 4 البابية من الشيخية
- 5 قرة العين في بغداد
- 6 نقطة التحول ..نسخ الشريعة الاسلامية في مؤتمر بدشت
- 7 ظهور البهائية
- 8 الدعوة في العراق
- 9 اسباب عدم انتشار الدعوة في العراق
- 01 لماذا سرية العمل ... حركة باطنية ام منظمة سرية
- 11 المصدر
مفاهيم البحث
الدين
- الدين ظاهرة اجتماعية . وهي نوع من رد الفعل او الهجوم المعاكس ضد ما يأتي عن استعمال العقل فيؤدي الى انحطاط وتفكك في المجتمع . او كما عرفه ماركس ( تعبير عن البؤس الانساني واحتجاج على هذا البؤس في ان معا ) الدين وظيفيا يعرف على انه نظام معتقدات وممارسات يخول مجموعة ما من تحمل المشاكل القصوى في حياة الانسان .و نجد بين التعريفات الوظيفية للاديان ما يسمح للبدائل الوظيفية للديانات التقليدية على احتلال هيئات خيالية مكان التقاليد الدينية الاصلية للقيام ببعض الوظائف ، وربما هذه تتشكل في عوالم اخرى منها العوالم السياسة ، مما يعني فقدان الاديان الاولى مكانتها في اثناء اتمام وظائف اجتماعية مختلفة فيكون الدين بذلك ظاهرة سياسية ويتشكل ما يسمى بالديانات الخفية والديانات البديلة. مما يكسبه الطابع المتغير بشدة في الزمان والمكان وفي وظائفه كدين .رغم ان علم الاجتماع والانثروبولوجيا تعامل مع الدين بصفته 'واقعة اجتماعية ' وانسانية تتحدى كل الاختزالات حتى ولو كانت قابلة لاشكال متنوعة في المكان وفي الزمان . ولان العقيدة حدث اجتماعي وهي تعبر عن معتقدات تخص جماعة ما في زمن ما ، عليه فان معرفة الاسباب التي دعت الى الايمان باحدى العقائد الجديدة يدعونا الى الرجوع الى المكان والزمان الذي اظلها وعادة ما تكون العقيدة منتزعة من صميم المجتمع لان العامة تضع العواطف بمرتبة اعلى من الافكار .وفقا لدراسة الديانة البهائية اجتماعيا التي اقحمت فيما بعد فكرة توحيد الرسالات و وحدة الاديان وتوحيد الانسانية السياسي – الديني وتنظيم حكومة عالمية ضمن عقائدها مؤخرا فهي محاولة لتخيل ديانة تحل محل الديانات التقليدية ، وهي بالمنطق الاسلامي تسمى ( بدعة ) او (ردة) اوهي (زندقة ) كما في فتنة (خلق القرآن ) ، اما بمنطق الفكر الديني في الغرب هي (حركة دينية مجددة) او كما ذكر روجيه باستيد( 1898-1974) ان الدين بنية ثقافية حقيقية دائمة التحول . تطبيقا لفكرة ماركس على اعتبار ان الدين ظاهرة اجتماعية بالية ، وهي نفس خيبة الامل التي اصابت ماكس فيبر عند تحليل العوالم الدينية فظهر الدين له وكانه من المخلفات الايلة الى الزوال في المجتمعات الحديثة بفعل العصرنة . اي ايجاد دين معاكس للخيارات المعروفة او ما يمكن ان نسميه دين تحت الطلب ، كحل للاخطاء الاساسية للاديان في زماننا هذا ، من خلال تصلبها واعطاءها صورة للتعارض فيما بينها ،وهذا يحلل الاديان ويذيبها ويغيب المقدس ويؤدي الى ظهور مؤمن جديد من دون دين محدد ومعروف ، لاتسمية له ولا تعريف . وربما يحقق اهداف معينة قد تكون مرتبطة بمؤسسات اخرى غير دينية .
اما الدين الخلاصي( البهائية) الذي يحاول اتباعه اظهار تواجده على حيزا كبيرا في المساحة الدينية و المساحة الجغرافية في العالم وهو الداعي الى التوحد فيما بين الاديان هو محاولة لتمدين فكرة الخلاص او طرق الوصول اليه او تحويل فكرة الخلاص من بعدها الشعبي الى البعد المدني ،وبمعنى اخر محاولة لالغاء الجوانب العاطفية المفاجئة عند الاحداث المفاجئة واضعاف جوانبه الروحية ، مما يحوله من دين الى منظمة او حزب ينتمي الى عالم الايديولوجيات الحديثة . او هي مشروع ديني تنظيمي يؤكد امثولة فيبر المزدوجة بأهمية التوجهات الدينية في عمل المجتمعات الحديثة ، ولكنها ترفض الاشكال الاكثر سذاجة للنشوئية التي تتصنع رؤية لشكل متخلف للوعي الجماعي في الدين . (ابتدأت البهائية باعلان ساذج عن المهدوية والنبوة والالوهية سرعان ما تحول الى مفاهيم حديثة في بناء المجتمعات استكملته اواسط الستينات من القرن العشرين .) خلال القرن العشرين ظهرت في المجتمعات الغربية انماط دينية سميت 'الاديان الدنيوية اللامركزي' اي انها متوجهة الى الحياة الدنيوية وليست الاخروية ، وهي تطمح لاعادة الوحدة الروحية للغرب ، فخلال الستينات تطورت انواع من الحركات الاجتماعية دفاعا عن حقوق الاقليات الاثنية والحقوق المدنية والنساء وحرب فيتنام والطاقة الذرية وغيرها وهذه يصعب وصفها بالدينية ومع ذلك تبدو متميزة ببعد مزدوج من الريادة والنبوة فالرسالة التي تنشرها هذه الحركات تظهر كبشارة جديدة ودعوة للاتقياء وغيرهم ليرحلوا عن عالم الفساد ، ولكن تبقى هذه الحركات غامضة الى حد كبير سواء بالنسبة الى الاغراض التي تلاحقها او بالنسبة للاسلوب وطرق التدخل ، ولا مركزيتها هو الاستعداد للتطور الذي تتضمنه التجربة الدينية, ونجد ان البهائية احد هذه الحركات ، ونعتقد انه مشروع يحضر لشيئ ما في المستقبل وهذا هو ما يهمنا في هذا البحث . التنبي والالوهية (الربوبية) - التنبي او ادعاء النبوة ظاهرة اجتماعية عرفت في كافة المجتمعات والديانات ، وهي ظاهرة قديمة ترتبط بتاريخ الاديان وظهور الانبياء ، وهي تعد احيانا جزء من الحراك الديني في المجتمعات .
التنبي تعبير عن ضعف الوعي الاجتماعي أمام التحديات التي يواجهها الناس فما يزال ضيق الحياة وعنتها يغلفان حياة السواد الأعظم من أهل البلاد، دون أن يبصروا مخرجاً منها. فلم يبق أمامهم إلا اللجوء إلى “صاحب الوقت' أو المنقذ، الذي يأتيهم بقوى خارجة عن قدرتهم، فيركنوا إلى كنفه ويستكينوا إليه . وهي تعبير عن أشواق المأزومين للحلول الدينية . وظاهرة ادعاء النبوة، ، ما كان يمكن لها أن تتفشى لو لم تكن هناك بيئة صالحة وعوامل مساعدة، سواء من حيث الإرث الحضاري أو من حيث الفهم الأوسع من ما يتداوله الناس اليوم عن مفهوم النبي.لاسيما وأن بعض المؤرخين والكتاب يرى أن ادعاء النبوة يعود إلى مفاهيم نزول النبي عيسى، وعودته الثانية القريبة في تقديري ان ظاهرة ادعاء النبوة تعبر عن حالة التدين ومدى تمكنه في نفوس افراد المجتمع . فمن واقع الخريطة المكانية للذين أدعو النبوة، فإنهم كانوا من بقاع فعالة اجتماعيا تجاه الدين و تبدو متمثلة بمعتقداتهم وممارساتهم .
وتعد الفكرة المهدوية وما فيها من تفاصيل هي سد لفراغ النبوة ، بعد ان ختمها الاسلام بنبيه ، فغياب المهدي وظهوره عقيدة دينية ، وحكم وجودها هو التشبث بامل الخلاص ، وتعد فكرة المهدي فكرة دينية واجتماعية عامة اختصت بها اغلب الاديان حتى قبل الاسلام فلكل دين وشعب مهديه ومنقذه . ودراسة البهائية وفق المنظور المهدوي التي تعتمد على فكرة تأويل الشيعة بظهور الامام الثاني عشر ( المهدي بن الحسن العسكري) الذي كان قد اختفى عن الانظار منذ الف سنة وهم يعتقدون انه حي وانه سيظهر بجسده الاول وفسروا النبؤات الخاصة بسلطنته و مجده وفتوحاته وعلامات ظهوره بالتفاسير المادية الحسية ، ويعتقد البهائية ان عدم ظهور العلامات سبب رفض الشيعة قبول دعوة الباب ، اما البابيون فأنهم يفسرون النبؤات بتفسيرات مجازية واعتبروا سلطنه الموعود سلطنة باطنية و روحية ، ووضع البهائيون تقويما اعادوا فيه العمل بالسنة الشمسية وبدأ تاريخ العهد الجديد من سنة اعلان الدعوة البابية 1844م.
ارتفعت المهدوية عند البهائيون الى مستوى ادعاء النبوة (النقطة) كمثل النقطة المحمدية وعد المهدي نفسه من كبار مؤسسي الاديان وانه معصوم عصمة كبرى ( عصمة ذاتية) لانه صاحب تشريع ، كذلك ابنه الذي خلفه وحفيده الذي جاء بعد ذلك . ثم جاءت فكرة الالوهية المطلقة التي ادعاها البهاء حيث اصبح هو الله في الارض بعد ان كان مظهرا من مظاهره ، اما مرجعيتها تعود الى اول من جاء بها عبد الله بن سبأ ( مشكوك بوجود مثل هذه الشخصية ) الذي قال ان محمدا لايموت فمحمد اله وما كان الانبياء جميعهم الا مظاهر الالة وهي من ادم الى نوح الى ادريس الى موسى الى عيسى الى محمد ، فلما مات محمد قال : ان الالوهية حلت في علي فلما قتل قال لم يقتل بل هو حي يجيئ في السحاب والرعد صوته والبرق خنجره وانه سيرجع وانتشرت هذه الافكار وكان متبعيها معظهم يؤمن بالحلول اوالتجسد اوالرجعة اوالغيبة والخ..... قد تفرقوا الى فرق واكثرهم قالوا بالامام الثاني عشر الذي سيظهر اخر الزمان
من الباب الى المهدي الى النقطة ( النبوة) ثم الالوهية ( الربوبية ) وهذه الاخيرة يعتقد الباب والبهاء في الله ( يعنيان نفسيهما ) ان تمام الموجودات مخلوقاته ، وهو موهوم خيالي ومخلوق ضعيف . يقول البهاء ( لا اله الا انا المسجون الفريد )* الكتاب المبين تجعلنا نطرح سؤالا هل تعتبر تلك الحركات الاجتماعية هي حركات دينية عابرة، ام هي حركات دينية مجددة ؟ وهل ان ارتفاع سقف الادعاء الى الالوهية و الربوبية ، يمثل اقصى التطرف لتلك الاديان او الحركات ولاسيما وانها تحمل الحنين إلى الماضي أكثر مما تحمل هموم الحاضر والنظر الى المستقبل ، مما يدفعنا الى عدم اعتبارها حركات مجددة . يقول بودون لكي نعطي وصف ملائم لتفسيرها يقتضي الامر اضافة سمات اولها اعتبارها تعرض فظيع للعزة الالهية والثانية ما يمثل جزء من التراث العقلاني وهو انها تنزع الى تجاوز الحقل الديني المحض والى اجتياح مجالات تتعلق بالخصوصية الشخصية . مما يجعل ادعاء النبوة كذبة تقف وراءها غاية الانتفاع .
كما يبدو لحركات التنبي صلة بقضايا الهوية وفقدانها عبر استيعاب الاديان في مجتمع عالمي . وهو ما سمي ( بتآكل الهوية ) ، من خلال ميل المتنبي الى التاليفية الدينية والتداخل المتعدد بين التقاليد الدينية كوجه من اوجه الدين المعاصر ، فلا تمض تلك الحركات دون أن تترك بعض الآثار في مجرى الحركة السياسية في مكان ظهورها لاسيما بعد التحولات التي اجريت على عقائدها ، فدعم الحركة البهائية من قبل روسيا وبأسناد بريطاني في بدايات تاسيسها كان له تاثيره في المجتمع الايراني الذي لا يخلو من الاطماع السياسية وكسب الولاء المطلق . غير اننا يمكن ان نعتبر حركة التنبي البهائية هي حركة تهدف الى اضافة معان جديدة الى الاديان التقليدية وتقريب المعتقدات لتتعايش نظرات مختلفة حول العالم لدى فرد واحد ، فتصبح طريقة خاصة لبناء الحياة والعالم وكانت تلك محاولة منها لايجاد تكامل وظيفي ،كما ان وعودتها الى الساحة العراقية في مثل هذه الاوضاع قد ينتج المزيد من الصراعات والمشكلات الثقافية و تعزيز فقدان الهوية باشكالها المختلفة ، واضافة قوائم جديدة من الأصدقاء الدوليين لهذه الجماعة ، وأصدقاء لكل منظمة يعملون من خلالها ..
الباب والبهاء – مراحل الدعوة وانواعها
الباب
شاب من اهل شيراز اسمه السيد علي محمد ابن الميرزا رضا الشيرازي ولد في 20 (اكتوبر) تشرين اول عام 1819م وكان قد درس على يد السيد علي الرشتي في كربلاء عام 1840م ، وهو الذي لقب بالباب فسمي اتباعه بالبابيين ومنه انبثقت الدعوة البابية وكان ذلك في ليلة الخامس من شهر جمادى الاولى من عام 1260 الموافق 23 ايار من عام 1844م وقد اعتبر البابيون ومن بعدهم البهائيون هذا اليوم هو عيد اذ هو عيد 'المبعث' بالنسبة لهم ، وهم يقدسونه ويحرمون تعاطي الاشغال فيه . ادعى البابيون بداية اصلاح الدين الاسلامي عن طريق تصحيح العقائد النظرية والتطورات الروحانية المتعلقة بوجود الله وحقيقة النفس لذا حصر الباب دعوته بالشيعة الامامية بمعنى اخر تستر البابيون بالاسلام حين ادعى الشيرازي الاتصال بأمام العصر والزمان (عج) ونيابته و ادعى انه المهدي الذي سيظهر بعد الف عام من غيبته سنة 260 هجرية ثم ادعى النبوة ، واخيرا ادعى ان الله حل فيه وانه هو الذي به يظهر الله لخلقه وانه السبيل لظهور عيسى وموسى ، ثم اظهر امور اعتقادية اخرى منها عدم ايمانه باليوم الاخر وان الجنة والنار هي رموز روحية وانه يمثل جميع الانبياء ولديه تتجمع الرسالات والاديان كما ان الرسالة المحمدية ليست اخر الرسالات ، معتقدا ان للارقام تاثير في عقائده ، وقد اودع اراءه كتابا كتبه وسماه ' البيان ' ، جاءت التسمية بناء على ما جاء في سورة الرحمن ( الرحمن علم القران خلق الانسان علمه البيان ) اعدم رميا بالرصاص في 1266هجرية الموافق عام 1850م ولم يكن قد تجاوز الثلاثين من عمره وذلك في ساحة العرض في تبريز بعد اقراره بالبراءة مما ادعاه .فسكتت بعده اصوات البابية .البهاء
هو حسين علي بن الميرزا عباس المازنداني الملقب ( بالبهاء ) والبهاء مولود في اسرة نبيلة في طهران عام 1817م عرف البابية على يد احد دعاتها في طهران واصبح فيما بعد من اكبر دعاتها واستطاع فرض زعامته على البابيين بعد اعدام الباب الشيرازي. فسمي اتباعه بالبهائيين ، و اعلن البهاء انه مثل المسيح وان الباب الشيرازي كان مجرد مبشرا به تماما مثل يوحنا ( يحيى) الذي بشر بالمسيح ، ثم قام بأعلانه حلول الاله فيه وانه المظهر الكامل وكان اعلانه لذلك عام 1863م عندما كان بمنفاه في العراق . وعندما نفت الدولة العثمانية البهاء من بغداد الى عكا دون مذهبه هناك فعارض ' البيان ' الذي كتبه الباب ، واشهر ماكتبه هو ' الكتاب الاقد س' وزعم انه موحى اليه ، واكد ان ما يدعو له ديانة جديدة توحد الجنس البشري جاءته بوحي وهي ليست الاسلام ، بل تحول الى النزعة الاصلاحية وادعى فكرة دين عالمي جديد، فأرسل كتبه الى الحكام في مشارق الارض ومغاربها يعلمهم بحلول الاله فيه وانه يعلم الغيب معلنا عقيدته التي نبذ بها القيود الاسلامية وجعل القبلة وهي الكعبة حيث المكان الذي يقيم فيه فالقبلة حيث يحل الاله واحل العقل محل الشرع الاسلامي . وانتهى عهده بموته في 16( مايو) ايار عام 1892م . يمكن حصر التاريخ البهائي في القرن الاول بمراحل اربع :المرحلة الاولى ( 1844-1853) ( العصر الحزين) تبدأ من اعلان الدعوة البابية وتنتهي بأعدام الباب وشهدت مذابح ومجازر دينية امتدت لتسعة اعوام بين الباب واتباعه وبين الحكومة القاجارية .
المرحلة الثانية ( 1853-1893) ( عصرالظهور) وهو عصر 'بهاء الله ' يبدأ في طهران حيث سجن البهاء في سجن الحفرة السودا وانتهى باعلان بهاء للملوك والرؤساء ورجال الدين دعوته ثم موته بعكا.وتمتد هذة المرحلة 39 سنة انتشرت فيها الدعوة في العراق وتركيا وروسيا ومصر وسوريا والهند .وقد تضمنت منافي وسجون ومواجهات عديدة مع العامة ورجال الدين والحكومات.
المرحلة الثالثة (1893-1921)(عصر اعلان الميثاق) وهي مرحلة عبد البهاء 'عباس افندي' و تمثل وثيقة لتطور التاريخ الديني للبهائية واعلان العهد والميثاق ومركزه اي وضع النظام والدعوة ورسم معالمها ، امتدت 28 سنة وتنتهي بموت عبد البهاء .
المرحلة الرابعة (1921 -1944)(عصر التكوين البهائي) وهوعصر' شوقي افندي ' يتمثل بأمتزاج الشريعة الالهية بعقل حامل الشريعة ومبينها وفيها تم تأسيس النظام الاداري للدين الذي يقوم مقام النواة او وضع هيكل مؤسسات الحركة البهائية الادارية والدينية ، امتدت هذه المرحلة 23عاما وتميزت بظهور صراعات وعداوات بطابع مغاير ولكنها كانت السبب بانتشار الدعوة بمناطق اخرى اوسع في قارات العالم اجمع .
امتدت المراحل هذه لقرن من الزمان وتميزت بتماسك داخلي وانتشار افقي انجز عملية التحرر من الديانات السابقة وهي معتمدة على منعطفات تمثلت ببعثة مبشرة ، وظهور الموعود ، وابرام ميثاق ، ومن ثم ميلاد النظام العالمي
الانشقاقات في البهائية ظهرت بقوة ، فهم على انواع وعلى النحو التالي :
1- البابية الخلص: وهم من رفضوا الحركة البهائية وبقوا مخلصين لتعاليم الباب على محمد الشيرازي .
2- البهائية : وهم من بقوا أتباع للبهاء وحده ورفضوا أي خليفة له.
3- العباسية من أتباع عباس أفندي.
4- الموحدون وهم يدعون إلى وحدة البابية والبهائية.
ولا تختلف البهائية من حيث تجزئتها وتوجهاتها إلى كونها محض جماعات لها بعد سياسي ، وهي مختلفة ومتضاربة المصالح والغايات هي لا تمت بأية صلة إلى كونها ديانة سماوية مجددة هي تظهر نفسها على أنها حركة فكرية وضعية يختلف أفرادها بحكم تضارب مصالحهم الخاصة وهي بذلك النمط لا تعدو أن تكون محض حركة سياسية دينية عادية.
و يذكر عبد الرزاق الحسني في كتابه البابيون والبهائيون في حاضرهم وماضيهم ، انهم كانوا ثلاث فرق قبل موت البهاء وهم البهائية والازلية والبابية ثم بعد موته اصبحوا خمس فرق هم الثلاثة المذكورة والفرقة الرابعة المسماة البابية البهائية العباسية اتباع عبد البهاء ، اما الخامسة فهم جماعة محمد علي اخ العباس ويطلق المؤرخون اسم 'الناقضين ' على اتباع المرزا محمد علي واسم ' المارقين ' على اتباع المرزا عباس .
الواقع الاجتماعي ومعطيات النشأة
ان معطيات اي فكر ما هي الا انعكاس للواقع الاجتماعي الذي يحتويها لذلك لابد من دراسة ذلك الواقع الاجتماعي خلال حقب تاريخية محددة ، ومنها الحقبة التي ينتج الفكر فيها حيث يرتبط شكل هذا الفكر ومضمونه بالبناء الاجتماعي المؤسسي الذي يضمه ، اي ان الفكر البهائي لايمكن فهمه كيانا مستقلا وانما يتحدد فهمه بالشرط التاريخي الذي انتجه ، وبهذا تعزيز للمقولة التنظيرية لعلم اجتماع المعرفة التي تقول ( ا ن اي فكرة ينبغي ان تدرس في سياقها الاجتماعي والزمني ) .
كانت ا وضاع المجتمع الايراني في القرن الثالث عشر للهجرة (التاسع عشر للميلاد )، تعاني من جور الحكام القساة والظلم وشيوع التشتت وتسلط الاجانب والتعدي ، واخذ كل امير يعلن تمرده على السلطان واستقلاله عنه فتعرضت ارواح الناس واعراضهم واموالهم للتلف والخسران ، وعلى المستوى السياسي كانت خسارة مدن القفقاز وبلاد الافغان مع ضغط حكومة بريطانيا ومحاصرتها سنتين قد طأطأت رأس السلطان ، وبنفس الوقت كانت سياسة الروس والانجليز تحاول تأمين مصالحها الاستعمارية وتتصيد بالماء العكر وتعتدي على حريم ايران امعانا في تسلطهم فظهرت موجة اعتراضات كبيرة من الشعب الايراني لما يحدث لهم.
فخلال حكم آل قاجار كان وجود المجتهدين وبالأخص في مدينتي إصفهان وتبريز محاطين بما يمكن أن نسميه رجال حماية خصوصيين، بل كانت المجموعة تضم قطاع طرق ولصوصًا أكثر من رجال دين، و تعمل على دعم القوى الدينية التي تتحدى الدولة وتقوم بتنفيذ الفتاوي، وفي المقابل سمح لهؤلاء الأشخاص بالنهب والسرقة والالتجاء إلى المساجد ومساكن رجال الدين عندما كانوا يطاردون ويهددون كما راج سوق الخرافات والخزعبلات و السحر والشعوذة وانتشار للعقائد الباطلة فكان من الطبيعي لهذا الفراغ السياسي الذي عادة ما يحدث في المنطقة نتيجة الفوضى وانحلال القيم و فساد رجال الدين ان يكون المجتمع مهيئ لتقبل جماعة خلاصية يحاول التوحد من خلالها ومنحها عصبية جديدة . لاسيما وان ايران حينها كان اكثر اهلها ينتظرون ظهور الامام الغائب او الزرادشتية الذين ينتظرون 'بهرام شاه' او يهود ينتظرون عودة 'المسيح ' كانت كل فرقة تنتظر غائبا . والفكرة الاخيرة تقترب من فكرة دوركايم عندما اعتبر( روح الدين) هي ( فكرة المجتمع)
البابية من الشيخية
كانت البداية من جماعة الشيخيين وسموا نسبة الى الشيخ احمد الاحسائي وقد جاء المذكور من الاحساء ثم هاجر الى كربلاء لطلب العلم وتجول في ايران ، وقد تميزت اراء هذا الشيخ بالعقائد التي ادت الى ظهور انقسام في الطائفة الشيعية وكان يكثر من الاشارة الى قرب ظهور الامام الغائب بمناسبة انقضاء الف سنة على غيبته وكان مما اوحاه للناس ان الامام الغائب سوف يبدل الكثير من العقائد فأوصى بان يكون السيد كاظم الرشتي خليفة من بعده .وقد التزم الاخير بما اوصاه شيخه و واصل التبشير بقرب ظهور الامام الغائب ، وبعد وفاة الرشتي عام 1843م انقسم الشيخيون الى ثلاث فرق كان على راس احد تلك الفرق شخص اسمه الملا حسين البشروئي .حيث خرج من الكوفة ومنها الى بوشهر ثم ذهب الى شيراز بحثا عن الامام الغائب.
العثور على الباب و ظهورالبابية
اثناء تجوال البشروئي في شيراز التقى شاب وسيم في الرابعة والعشرين من عمره يلبس عمامة خضراء هو السيد علي محمد ، وبدون سابق معرفة اندفع نحوه وحياه كانه يعرفه ثم دعاه الى منزله وفي تلك الليلة اعلن له انه الموعود فكان اول من آمن به والسؤال الذي يطرح نفسه كيف كان ترتيب تلك الصدفة الغريبة ، وكيف ذهب البشروئي مع شخص لايعرفه الى منزله ؟
لم يمض وقت طويل حتى سمع الايرانيون ان امام الزمان قد ظهر ، و وعدهم ان تتحول ايران بل العالم كله الى جنة من الزهور وتستأصل جذور الضيم والظلم الى الابد فتبعه البسطاء والمعذبون من اهل ذلك الزمن ، وصدقه الاخرون ، وانعتاقا من الظلم والجور توافد الناس عليه اعتقادا منهم ان من يسبق اللحاق به يكون من انصاره الاوائل ويبدو ان اوضاع المجتمع المتردية كانت بحاجة الى وسيط حسي يصل بينهم وبين الله كما يقول ( ديفد هيوم ) في ان المجتمعات تنتقل من التوحيد الى التعددية عندما يصبح مفهوم الله شديد التجريد وكان من الطبيعي ان تلجأ الفئات المحرومة التى تعاني في قسوة الحياة الى من يجد لهم حلولا لمشكلاتهم اليومية وهي محاولة لتجاوز حالة الاغتراب والعجز بسبب الاوضاع السائدة حينها في ايران وحالات القهر والظلم حيث لم يجد الفقراء في المجتمع ومؤسساته وجماعاته وافراده من يرفع عنهم ذلك ، هذه الحالات وغيرها هي التي دفعتهم الى مثل هذه الحلول وبهذا تكون تلك الحقبة الزمنية التاريخية وما كان من الاوضاع السائدة فيها ، هي مبررات لظهور الفكر وطبيعته وما حدث ويفسير ما ساد حينها .
اصبحت الدولة الايرانية بوضع مزر بعد ان عم اللغط والشغب في المجتمع .وقد ادت فتنة الباب الى مساوئ واضطرابات واشتباكات ، فتم اعتقاله واحتجز بشيراز ثم اخرجه حاكم اصفهان (وهو ارمني تظاهر بالاسلام ) بدعم من السفارة الروسية وانزله بيته معتذرا منه ومشجعا له الاستمرار بدعوته . ويبدو هنا ان سياسة ظهور (امام الزمان الشيرازي ) واثارة الفتنة في المجتمع الايراني ، جزء من ادارة الصراع التي استخدمتها روسيا في ايران ، حيث كان سكرتير السفارة الروسية في طهران المدعو (كينياز دالكوركي )قد ادعى الاسلام وتزوج من ايرانية مسلمة ولبس ثياب الحوزة وذهب الى كربلاء وجلس تلميذا لدى الرشتي باسم ( عيسى اللنكراني ) باحثا عن شخص يصلح لهذه المهمة ،حيث كانت الدولة الروسية تتطلع آنذاك إلى حدوث الفتن والضوضاء في إيران كي ما يسهل عليها احتلال المناطق التي هي مطمع لها إذ لم تتوفق في أخذ كل تلك المناطق من خلال الحرب التي خاضتها مع الدولة القاجارية في إيران حين ذاك، ولذا كانت السفارة الروسية وبعض السفارات الأجنبية الأخرى كالسفارة البريطانية في تمام الأشواط مساندة لتلك الفرقة البابية ومحامية عن زعمائها الذين توالوا زعامة البابية وجد دالكوركي ان ( علي محمد الشيرازي) خير شخص واصلحه لادعاء البابية واظهار ارتباطه بأمام الزمان ومنتظر الشيعة هناك من اولاد الحسين بن علي (رض) من زوجه 'شهر بانو' ابنة يزدجرد الثالث من ال ساسان. الذين ما برحوا ينادون في ليلهم ونهارهم (عجل ، عجل) لينقذهم من اوضاعهم السيئة ...ثم راح يعمل دالكوركي على اصطياده وهذا ما يفسر لنا السر وراء لقاء الصدفة (المدبر له ) الذي جمع بين السيد علي محمد( الباب) والبشروئي في شيراز، وبنفس الوقت يتأكد توفر البعد السياسي في حماية هذه الطائفة الدينية الذي لعبت دورا في ايران .
قرة العين في بغداد
في عام 1843 وصلت كربلاء قادمة من قزوين امرأة جميلة تدعى 'زرين تاج' او 'ام سلمى' في التاسعة والعشرين من عمرها تاركة عائلتها ، وهي من اوائل المعتنقين للبابية واصبحت من حروف الحي الثامنة عشر وكانت تعطي الدروس ونشطت بالاتصال بالناس للتبشير بالدعوة البابية فتبعها الكثير من الرجال اعجابا بها ، وفي 1846 انتقلت من كربلاء الى الكاظمية وفيها صعدت المنبر وكانت غير متزمتة بحجابها و اعلنت نفسها بمقام فاطمة الزهراء وكانت بمعظم دروسها تنادي بحلول ليوم الذي تجدد فيه الشريعة وتنسخ التقاليد البالية ، ويزعمون انتهاء زمن التكليف بالصلوات الخمس وان الوحي غير منقطع فقد يوحى للكامل لكن لاوحي تشريع بل وحي تعليم .وهي في بغداد اعلنت سر الظهور واعلنت نسخ التقليد وبينت تجديد الشريعة . وحين استفهموا من الباب عاد الجواب قائلا: ( انها امراة صديقة طاهرة ولا ترد الطاهرة في حكمها .....) بعدها تم حبسها في دار احد الوجهاء ثم اخرجت من العراق الى ايران بعد توسط عمها لدى الحكومة ، وفي همدان تأثر بها البعض من احبار اليهود فتبعوها ، وهذا يدلل ان هذه الدعوة البابية استخدمت المراة كاحدى وسائلها لتحقيق اهدافهم ،و هذا الاستخدام كان وفقا للرؤية الاجتماعية التي ترى الدين على انه نشاط اجتماعي يتضمن علاقة مع سلطة جاذبة شعبيا ، حيث يذكر ماكس فيبر( الدين طريقة تصرف في المجتمع) وعبر التواصل الرمزي المنتظم طرحت جاذبيتها ، فكانت قرة العين عبر شكلها الجميل وجرأتها استطاعت ان تكون لها فاعلية اجتماعية ومما اكد عليه ماكس فيبر وهي النقطة الاهم كما يقول : طريقة تنفيذ السيطرة الروحية وهنا يبدو انها مارست سلطة مرتبطة بالجاذبية الشعبية المؤسسة للفكر البهائي .نقطة التحول ..نسخ الشريعة الاسلامية في مؤتمر بدشت
في هذا المؤتمر الذي عقد في حزيران (يونيو) من عام 1848م بعد اعتقال الباب وكان المعلن هو البحث في انقاذ الباب غير ان ما دار في المؤتمر هو حول نسخ الشريعة الاسلامية وكانت قرة العين على راس المطالبين بنسخها مبررة ان الباب اعظم مقاما من جميع الانبياء وان له الحق في نسخ الاحكام الاسلامية القديمة والاتيان باحكام جديدة وبعد خلاف عنيف قررت ان تحسم الامر فدخلت عليهم سافرة الوجه متزينة ناسخة بذلك حكما من احكام القران وهو تحريم التبرج وكان واضحا من خطبتها انها تدعو الى حرية المراة حيث كانت تضرب على اوتار قلوبهن وتظهر منزلتهن لدى الرجال من الدين القديم وما سيحققه لهن الدين الجديد من حرية ورفع شأن ، ويبرر اندفاع قرة العين لنسخ الشريعة لاسيما ما يخص المراة بسبب بغضها لزوجها و عدم امكانيتها التخلص منه بالطلاق لان الشريعة الاسلامية لم تعطها الحق فاندفعت لنسخها ، كما دعت الى رفع التكاليف كافة واعتبرتها لغو وفعل باطل وبذلك كتب لقرة العين الخلود لجرأتها وليس لما جاءت به من دعوة . وهذا يذكرنا بسقراط حين شعر بعقم الحياة الروحية القديمة فكتب له الخلود من خلال فلسفته ، وبعد المؤتمر اعتبر الدعوة البابية دين جديد نسخ ما قبله فمرت الدعوة بفترة نسخ اندفعوا فيها نحو الشهوات لحين ظهور الشريعة الجديدة ، واخيرا اعتبرت قرة العين مرتدة واعدمت بشكل شنيع
ظهور البهائية
تشير المصادر الى ان البهاء ( بهاء الله ) لقب اطلقته قرة العين على الميرزاي حسين عل المازنداني ، كان مؤمنا بالباب ولكنه ليس من حروف الحي ، وحين القي القبض على الباب واتباعه واعدموا كان مختبئا بالسفارة الروسية ورفض الوزير الروسي المفوض تسليمه قائلا ان الحكومة الروسية ترغب الا يمس بسوء . يعترف البهاء بذلك في كتابه لوح بن ذئب ص42 ( يا ملك الروس لما كنت اسيرا في السلاسل والاغلال في طهران نصرني سفيرك) .المصدر السابق ص65وفي رواية اخرى انه سجن معهم وقد تشفع له ( دالكوركي ) الروسي واخرجه من السجن ابعد مع اسرته الى العراق وفي الروايتين تاكيد لحمايته من قبل روسيا.لاسيما وانه يقول بكتابه اشراقات (خرجنا من الوطن ومعنا فرسان من جانب الدولة ، ودولة الروس الى ان وردنا العراق بالعزة والكرامة .) وفي بغداد قدمت له الحكومة الانجليزية عن طريق سفيرها الجنسية الانجليزية لحمايته . ونتيجة لخلافاته مع اخيه صبح الازل المنافس له في خلافة ابيه نقلته الدولة العثمانية الى اسطنبول ثم الى ادرنة واخيرا نفي الى عكا في فلسطين
الدعوة في العراق
لم تجد البابية الترويج والقبول الا في ايران لذا لم تنتشر في العراق مثل انتشارها هناك غير ان الكثير من الايرانيين لجاوا الى بغداد هربا من الاضطهاد في ايران فتكاثر عددهم في بغداد حتى ذكر سائح الماني زار بغداد عام 1854م ان عددهم بلغ خمسة الاف تقريبا ، وعندما وصل بهاء الله بغداد سنة 1853م (1269هجرية ) نزل بلدة الكاظمية ثم في محلة العاقولية ثم انتقل إلى دار واسعة في محلة الشيخ بشار تعود الى ثري إيراني هرب مع والده من إيران عام 1821 لاجئاً إلى الدولة العثمانية فاشترى عدداً من الأملاك في بغداد والكاظمية وديالى ، اعتنق هذا البهائية وصار يبذل في سبيلها الكثير من ماله فكان من العوامل التي ساعدت على تفشي البهائية في العراق وقد وهب داره الواسعة في محلة الشيخ بشار الى بهاء الله فسكن هذا فيها نحو احدى عشرة سنة ونيف الى حين اخراجه من العراق في أواخر نيسان 1863 وكانت. بمثابة كعبة البهائيين، وصار البهائيون يفدون لزيارتها والتبرك بها
اسباب عدم انتشار الدعوة في العراق
يذكر الوردي ما يعتقده الاسباب الاجتماعية وراء عدم الاندفاع لاعتناق العراقيين للبهائية ، مشيرا الى ان الاوضاع في المجتمع العراقي لم تكن مضطربة ولم يكن افراد المجتمع تحت الاضطهادد وبحاجة الى مخلص مثل ما يحدث في ايران ، فضلا عن طقوس التعازي الحسينية منتشرة في ايران وهذا ما لم يكن منتشرا في العراق حينها فكان دفاعهم عن مخلصهم والموت في سبيله بنظرهم اعادة لمعركة كربلاء او كانهم يقتدون بانصار الحسين لكن القرائن تشير ان الدعوة البابية اانتشرت في كربلاء بين الشيخيين وان كانوا يتبعون مبدا التقية ولا يعلنون عن ذلك .ويتكلمون بالرموز وكان يسمى الباب ( الذكر) بمعنى اخر وحسب 'نظرية برغسون 'ان العقل لايخضع للواقع بل يخضع لما يشبه الواقع من اوهام وتصورات تثيرها فيه الوظيفة الاسطورية ( ( function fabulatriceفتجعلها في مصاف الامور الراهنة ، لذلك فان الوظيفة الاسطورية تاتي بالتصورات الدينية على حسب احتياجات المجتمع أي انها خاضعة للمحيط الاجتماعي(44)وهذا ما يؤكد ان المجتمع العراقي لم يكن في تلك الفترة بحاجة لتحقيق الاسطورة وان المحيط الاجتماعي لم يكن مهيا لتقبلها ، لذلك كانت وظيفتها في ايران اكثر مما هي في العراق لاختلاف الوقائع .
كما تبدو طبيعة المجتمع العراقي مرتبطة بأرثها الاجتماعي وروابطها الاجتماعية المتماسكة دينيا وطائفيا وعشائريا مما يصعب التخلي بسهولة عن تلك الالتزامات والروابط وبسبب تلك الموانع و على المستوى الفردي او الجماعي لم يكن للبابية من تأثير واضح ربما بسبب اسلوبهم التبشيري الذي فشل في المجتمع العراقي كما فشل من قبل التبشير بالمسيحية فيه عدا أستثناءات قليلة لها مسبباتها . وهنا تنطبق فكرة ماكس فيبر الصريحة ( لكل تجربة اجتماعية بعدا دينيا خاصا ) .
النشاط البهائي في العراق (1917 -1970 )
لم يظهر النشاط البهائي واضحا في العراق الا بعد الاحتلال البريطاني 1917م،حيث قام عبد البهاء عباس افندي بتأليف محفل في بغداد وترميم الدار التي في محلة الشيخ بشار، فقاموا بشراء دار في محلة عباس أفندي في جانب الرصافة ليكون محل اجتماعاتهم، ودار أخرى في قرية العواشق في ديالى. في 1931 تأسست ما يسمى ( الجامعة البهائية في القطر العراقي )
وفي 15 حزيران 1936 تأسس أول محفل مركزي للبهائيين في محلة السعدون قرب القصر الأبيض، وهذه اول ممارسة قانونية لهم، وتشكلت أول هيئة إدارية للمحفل ومن أنشطة هذا المحفل شراء قطعة ارض في منطقة بغداد الجديدة لتكون مقبرة وذلك في عام 1952 وسموها (الروضة الأبدية)
وفي التعداد السكاني لسنة 1957 سجل البهائيون كدين مستقل وتم تسجيل ديانتهم البهائية ضمن نفوس تلك السنة وفي 6 آب 1963 قررت السلطة إلغاء العقود المسجلة لمحافل البهائية وان هذه الطائفة ليست مذهباً وفي تعداد سنة 1965 وجد أن منطقة الكرادة الشرقية يتواجد فيها اكبر عدد من البهائية في بغداد حيث بلغ عددهم 241 شخصاً.
منع النشاط البهائي في العراق حيث كانت الحكومة العراقية قد أصدرت في نيسان 1965 امراً بغلق المحافل البهائية ووضع اليد على ممتلكاتها في جميع انحاء العراق استناداً الى قانون السلامة الوطنية رقم(4) لسنة1965. صدر القانون رقم 105 لسنة 1970 وينص على حظر تحبيذ او ترويج البهائية او الانتساب لاي محفل او جهة تعمل على نشر البهائية او الدعوة اليها بأي شكل من الاشكال واغلاق جميع المحافل البهائية وإيقاف نشاطها وتصفية اموالها وموجوداتها وان تحتفظ دوائر الامن لجميع مستنداتها ووثائقها ويعاقب المخالف بالحبس مدة لاتقل عن عشر سنوات. واسدل الستار على البهائية
النشاط البهائي في العراق بعد 2003
انتشر البهائيون بعد ذلك في مختلف مدن وبلدات وقرى العراق من الشمال وحتى الجنوب واستقر كثير منهم في السنوات الاخيرة في كردستان العراق ، لاسيما في السليمانية ، بسبب الاستقرار الامني والاجتماعي هناك .وبعد عام 2003 تغيرت احوالهم وانتشروا ثانية في المدن والقرى العراقية غير انهم مازالوا يعيشون حياة يكتنفها الغموض حتى ان الناس يجهلون وجودهم الا القلة القليلة ممن يرتبطون بهم بالقرابة او الصداقة ، وعاد نشاطهم على نحو غير واضح لا يجلب الانتباه ولا يظهرون للعلن .
لماذا سرية العمل ... حركة باطنية ام منظمة سرية
لا يمكن فصل قيام الحركة البهائية عن الاحداث السياسية التي رافقت مرحلتها التاريخية في ايران والعراق ،والتي كانت تتمثل في حدة الصراعات الدولية في اطار الاطماع الاستعمارية ، عدا ما كان الاستعمار يسعى اليه لخلق قاعدة مادية وفكرية للقوى المتصارعة كل حسب ولائها ، ليستخدمها في الوقت المناسب معتمدا على التيارات الفكرية التي تميزت تلك المرحلة التاريحية بظهورها ، وكل ذلك كان جزء من تكثيف وتصعيد لنشاط البعثات التبشيرية الدينية والغزو الفكري الاجنبي . ويؤرخ لتلك المرحلة ظهور حركات دينية بأهداف مختلفة مثل 'الوهابية' في الجزيرة العربية ، و 'المهدية' في السودان ، و 'السنوسية ' في ليبيا ، وغيرها مقابل ظهور حركات وتيارات من نوع اخر تحاول الجمع بين الاديان والفلسفات ، وتعد البهائية كما ذكرنا سابقا ،من النوع الاخير بنظمها وطقوسها وعباداتها وعاداتها ومحافلها وجماعاتها السرية تارة والعلنية تارة اخرى حسب ما تتوفر السلامة لاتباعها كما ان تبليغهم الدعوة يكون في الخفاء والسر وان كتبهم الاولى غير متوفرة وما كتب عنهم لا يظهر الا باعداد معدودة قليلة تعد السرية والغموض التي تحيط بالبهائية واضحة من حيث طبيعة ما كتب عنها والذي لايتجاوز معلومات مكررة عن تاسيسها وما رافقها من احداث تاريخية فضلا عن سرية تعدادهم وحركيتهم الزمنية والمكانية مع استعراض غير رسمي لتكيفها و تحولها الى حركة عالمية لها وجودكبير في اغلب البلدان خاصة اوربا والولايات المتحدة الامريكية ورغم اهتمام و ولع الاوربيين والامريكان بالاحصاءات لكننا لم نجد رقما رسميا لاحصائيات حديثة يحدد اعدادهم ودقة في تحديد مواقع تواجدهم .ولكن تشير احصائيات غير رسمية الى تواجد اتباعهم في 247 دولة و يمثلون اعرق متعددة وأقليات قبلية.ويقدر الكتاب السنوي لعام 2005 م التابع لموسوعة بريتانكا لعام 1992 اتباع الدين لبهائي بــ 6 مليون نسمة وبأن كتبه مترجمة إلى أكثر من 800 لغة وتعد طائفة مهمة في ايران ويشكل عددها هناك 300 الف نسمة واكثر منهم في الهند وهي عمليا موجودة في البلدان العربية .
البهائية التي تميزت بسرية عملها ،هي وجود له شكل تنظيمي لم يكشف عن حقيقته و تمارس اساليب عمل سرية او شبه سرية لتحقيق اهدافها مستفيدة من الجوانب المعروفة والمكشوفة عنها لصرف الانظار عما تنفذه من مهمات رغم توفر الفرص لممارسة انشطتهم بشكل علني وما يؤكد ذلك نشاطهم غير المرئي في العراق حاليا لاسيما بعد عام 2003 م حيث تحولت الى طائفة سرية او شبه سرية من جديد ، و تفضيل اتباعها البقاء في الظل والخوف من الظهور للعلن رغم ما توفر لهم من فرص النشاط العلني حيث يعقدون مجالس تعبدهم بحرية ، كما ان ظهور فتوى عام 2009م في قم والنجف تتضمن تسامحا معهم وضرورة مراعاة حقوقهم في المواطنة تجعلهم اكثر امنا على انفسهم وانشطتهم ، لاسيما وقدعرض عليهم تعويضهم عما حصل لهم في السابق لكنهم رفضوا معللين ذلك برغبتهم لاكتساب قيمة روحانية عليا ! ويعمل البهائيون الان في العراق بنشاطات تطوعية في موضوعات مهمة منها محاربة الفقر والتعليم والقيادة الاخلاقية ( وفق عقيدتهم) متوجهين الى فئات عمرية مختلفة كالاطفال وصغار الشباب والمرأة وهي الفئات الاكثر نسيانا وهجرا في المجتمع العراقي ، ودون الاشارة الى طريقة ممارسة تلك الانشطة والمنظمات التي شكلتها لهذا الغرض و الاعلان عنها صراحة والكشف عن مصادر تمويلها ،وارتباطاتها يسعى اصحاب هذه الطائفة الى استغلال ذوي الحاجات المادية على وجه الخصوص ، كمدخل للنفوذ من خلاله الىهم ليعملوا فيما بعد على تغيير اتجاهاتهم وافكارهم . فعلى سبيل المثال ، فانهم يوفرون للشباب فرص عمل مميزة ولكنها مؤقتة مقرونة بانتماء الشخص اليهم ، او رفضه فيما بعد. وتعرض المساعدات المادية المباشرة على الذين افترستهم الفاقة ، كما ان اصحاب هذه الحركة يتخذون من ممارسة بعض الانشطة الاقتصادية عموما، والتربوية خصوصا ، سوقا لترويج افكارهم ومطبوعاتهم كمحلات تصوير الحفلات ، اكشاك بيع الجرائد والصحف، معاهد تقوية الطلبة ، المدارس الخاصة .. ، وهو الامر الاشد خطورة ، حيث ان هذه الاجواء توفر لهم سهولة محاكات الاطفال والمراهقين والتأثير عليهم في ظل غياب تام لمعرفة الاسرة بالاهداف الحقيقية لتلك الانشطة ، مما يجعلنا نطلق على هذه الانشطة (التبشير بالبهائية) ، فهي جماعة دينية كما تدعي تنشر دينها و فكرها سرا . اذن هي كحركة لا تزال اهدافها الفعلية سرية ، ويمكننا بذلك ان نضعها كاحد اثنين :
اولا - سريتها كدين وبذلك يكون شأنها شأن المذاهب الباطنية ، فالباطنية يُظهِرون من المعتقد ما لايبطنون ،فلهم ظاهر يقابلون العامة من غير ما هم به ،وباطن خاص بهم
ثانيا - سريتها كمنظمة من المنظمات الدولية السرية كالماسونية ، حيث تتداخل الافكار بتسميات مختلفة ، ومما تجدر الاشارة اليه ان ظهورالدعوة البهائية كان متزامنا مع تاريخ تغلغل الماسونية في الدولة العثمانية واستغلال صراعاتها الدولية ، كما ان دخول البهائية الى العراق كان بنفس تاريخ دخول الماسونية اليه بعد الاحتلال البريطاني له عام 1917م، لذلك كثيرا ما اتهمت البهائية بانها ذراع من اذرع الماسونية او احدى واجهاتها . لاسيما وأنها تتخذ التسمية نفسها المتعلقة بالمجالس الروحانية الماسونية باستخدام كلمة محفل ومحفل رئيس وفرعي ومحفل عالمي اكبر) مثل ( المحفل الروحاني المركزي العالمي والمحافل الروحانية المحلية للبهائيين) ويسميه البهائيون( حضيرة القدس) مما يؤشر ارتباط البهائية بالديانة اليهودية في وقت مبكر من نشؤها لاستخدامها المصطلحات الخاصة باليهود فهي تأخذ صفة الألواح من الفكر التوراتي المتعلق بألواح موسى ووصاياه وكذلك من ألواح بابل أيضا.