السدارة العراقية
تميّز العراقيون وتحديدا البغداديين بارتداء ما تسمى قبعة "السيدارة- السدارة" أو السدارة الفيصلية منذ منتصف عشرينيات القرن الماضي، وهي القلنسوة بلا أصداغ، ولباس للرأس، في العهد الملكي بالعراق، وبدأت بالاحتضار مع صعود الجمهوريين إلى الحكم بانقلابهم على الملكية عام 1958، وكانت تلبس في المناسبات الوطنية والرسمية.
وتتميز السدارة بشكلها النصفي المقوس، والمدبب تقريبا من الوسط، وتكون مطوية إلى طيتين للداخل ويغلب عليها الأسود وهو اللون الرسمي، إلى جانب ألوان أخرى.
أبرز من ارتداها
وتُشير المصادر التأريخية إلى أن أصل كلمة "السدارة" آرامي، فهي معربة من الألفاظ الفارسية المعربة حيث كانت عند ملوك الفرس القدماء تعنى غطاء الرأس، ورددت بنفس المعنى في معجم المنجد للغة الآباء الكاثوليك.
وبرز ارتداء "السدارة" مع تولى فيصل الأول عرش العراق كأول ملك للمملكة العراقية الحديثة في 23 أغسطس/آب 1921، والذي أدخل عددا من التقاليد والنظم السياسية والاجتماعية الحديثة للبلاد لتميزها عن العهد العثماني الذي كان يسيطر على العراق لمئات السنين.
ومن جملة هذه التغيرات إيجاد لباس وطني للرأس بدلاً من الطربوش أو الفينة ليكون زيا رسميا لموظفي الدولة، أو الأفندية كما كانوا يعرفون، فأوجدت السدارة، ووزعت أول مرة للوزراء من قبل رستم حيدر أحد مستشاري الملك حينها.
وكان الملك فيصل الأول هو أول من ارتدى السدارة في خطوةٍ منه لتشجيع الناس على ارتدائها، ومنها سميت باسمه "فيصلية" وفقاً لمصادر تاريخية.
وتوجد عدة أنواع للسيدارة، ففي بداية ظهورها كانت تصنع من الچبن (الصوف المضغوط) وتسمى سدارة الجبن وعرفت بحجمها الكبير، وتميزت بارتدائها من الشخصيات المهمة بالمجتمع من أمثال ياسين الهاشمي رئيس الوزراء في العهد الملكي، والشاعر البغدادي الشعبي الملا عبود الكرخي، والشاعر جميل صدقي الزهاوي.
وأما النوع الثاني هو السكوجية وكانت تصنع من القماش، وتفصل من نفس قماش الملابس، حيث بعد تفصيل البدلة الرجالية تأخذ قطعة من ذات القماش لغرض تفصيل سدارة، وكان حجمها أصغر من سدارة الچبن، وأغلب من كان يرتدي هذا النوع أفراد الشرطة والجيش بالعهد الملكي وكذلك الجمهوري حتى عقد سبعينات القرن الماضي. وبعدها استبدلت بالبيرية لأغلب صنوف الجيش والشرطة.
وفي سلسلته بغداديات، ذكر الباحث عزيز الحجية أن السداير الأجنبية (الايطالية والإنجليزية) بدأت تغزو العراق في الثلاثينيات، وكانت تصنع من مادة الجوخ اللماع، ولكن ظلت السدارة الأولى المصنوعة من الچبن محل اعتزاز الكثيرين من أهل بغداد وأطلق عليها السدارة الوطنية، وكان الشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي قد ذكر السدارة الوطنية في شعره، حيث أنشد قائلاً:
مني كل أجنبي ويفهم
بالسدارة (الكرخي) مغرم
حيث للمواطن شعاره
شعار أوطاني وهيه
الليبسوها الوطنية
عربية عراقية
صايرة ابراسي اشــارة
محاولة إلغاء السيدارة
لماذا في بغداد؟
وبعد انقلاب بكر صدقي في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1936، ظهرت محاولات لإلغاء السدارة، حيث أصدرت حكومة الانقلاب، التي ترأسها حكمت سليمان، قانوناً يقضي بإبدال السدارة (الوطنية) بالقبعة الأوروبية لكون الأخيرة من مظاهر التطور والاتصال بالعالم الخارجي.
استمر ارتداء السدارة، وأصبحت تمثل الأفندية والمثقفين والطبقة المدنية حتى قيام انقلاب 1958 الذي أنهى الحكم الملكي إلى الجمهوري، وانتهت معه كل رمزيات الملكية بما فيها السدارة.
معرض سنوي
ويُنظم سنويا معرضا في أربيل بكردستان العراق لعرض "السدارة" بأنواعها المختلفة، تعبيرا عن التمسك بهذا التراث التقليدي الخاص بالأزياء القديمة، كما يقول شيرزاد رسول مسؤول قسم الصور والوثائق بمتحف تربية المدينة.