المملكة العراقية

المملكة العراقية أول حكم عراقي في العهد الحديث، بدأ رسميا منذ تعيين الملك فيصل الأول ملكا في عام 1921، إلا أن البلاد لم تنل الاستقلال إلا بعد عام 1932 لتكون من أوائل الدول العربية التي استقلت عن الوصاية الأوربية، وتحديدا الانتداب البريطاني.

تم تأسيس المملكة العراقية على إثر تداعيات الثورة العربية الكبرى حيث كان للشريف حسين بن على والد الأمير فيصل طموح العائلات المالكة الزعيمة الكبرى في المنطقة لتولي زعامة دولة العرب ونقل نظام الخلافة الذي انهار في إستانبول إلى إحدى العائلات العربية المتنافسة وهي: العائلة السعودية في نجد والحجاز كونها الأسرة الحاكمة في الأراضي المقدسة الإسلامية مكة والمدينة، والعائلة الهاشمية زعيمة الثورة العربية الكبرى في شمال الجزيرة وبلاد الشام والعراق، والعائلة العلوية من سلالة محمد علي في مصر.

استمرت هذه الحقبة حتى فبراير 1958، حيث دخل العراق مع الأردن في كيان غير اندماجي أطلق عليه (الاتحاد الهاشمي العربي) في مقابل اتحاد مصر مع سوريا (الجمهورية العربية المتحدة)، لكن هذا الاتحاد لم يدم سوى لإشهر، حيث قام عبد الكريم قاسم بانقلاب على الحكم الملكي في العراق، وأعلن الجمهورية في البلاد بعد ثورة 14 تموز 1958، والتي كانت نهاية لحكم الهاشميين للعراق.

الثورة العربية وثورة العشرين

علم المملكة

من جراء انتفاض أغلب الولايات العثمانية، مثل ثورة العشرين في العراق، على الدولتين العظميين يومذاك وهي كل من بريطانيا وفرنسا بسبب نكولهما بقطع الوعود بدعم الثورة العربية وما تلتها من سياسة الاستعمار والهيمنة، عمدت الدول العظمى تلك على تنفيذ مقررات مؤتمر القاهرة عام 1921، والذي حضرة ونستون شرشل وزير المستعمرات البريطانية آنذاك والذي قرر تقسيم الولايات العربية وفصلها عن بعضها بمنحه كل منها الاستقلال عن الأخرى وعن الإمبراطورية العثمانية، بعد أن رفضت الدول العظمى تلك بحزم ثلاثة معيير على العرب اتباعها بعد خسارة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وهي تقسيم الولايات العربية التي كانت تحت الحكم العثماني إلى دول مستقلة ومنع توحدها في دولة واحدة، والغاء نظام الخلافة وعدم تطبيقه في أي من الدول العربية الجديدة، وأخيراً عدم اعتماد الشريعة الإسلامية في التشريع والنظام الحكم.

مؤتمر القاهرة

بعد أن عقد مؤتمر القاهرة عام 1920 على اثر ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال البريطاني ،اصدر المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس اوامره بتشكيل المجلس التاسيسي الذي تولى من ضمن العديد من المهام تشكيل حكومة وطنية عراقية انتقالية برئاسة نقيب اشراف بغداد عبد الرحمن النقيب الكيلاني وانتخاب ملكاً على عرش العراق، وتشكيل الوزارات وامؤسسات والدوائر العراقية، واختيار الساسة العراقيين لتولي المهام الحكومية.

المجلس التأسيس الملكي

تشكل المجلس التاسيسي من بعض زعماء العراق وسياسية وشخصياته المعروفة، بضمنها نوري السعيد باشا ورشيد عالي الكيلاني باشا وجعفر العسكري وياسين الهاشمي وعبد الوهاب بيك النعيمي الذي عرف بتدوين المراسلات الخاصة بتاسيس المملكة العراقية. حيث انتخبت نقيب اشراف بغداد السيد عبد الرحمن الكيلاني النقيب رئيسا لوزراء العراق والذي نادى بالامير فيصل الأول ملكاً على عرش العراق حيث تم تتويجه في 23 أب من عام 1921.

المملكة العراقية

وقد مرت المملكة العراقية بظروف موضوعية قاهرة منذ تأسيسها جراء النشأة الفتية للدولة والقوى الدولية الطامحة للسيطرة على مقدراتها والهيمنة على سياساتها وعلى رأسها بريطانيا. اما على الصعيد الداخلي فيكن ان نطلع من خلال مراسلات عبد الوهاب النعيمي عضو المجلس التأسيسي، على الصراع السياسي المترتب على التناقض الفكري بين مراكز القوى المنشطرة إلى تيارين مختلفين في التوجهات والتي تمثل اللاعب الرئيس في المسرح السياسي فهنالك طبقة النخبة الوطنية التي لعبت دوراً في تأسيس الدولة العراقية من السياسيين والضباط المنتمين للجمعيات السرية التي كانت تنادي باستقلال العراق عن الدولة العثمانية كون ارتباطه مع الولايات العربية الأخرى أكثر من ارتباطاً مع الدولة التركية كما عمل هذا التيار على استقلال العراق عن السياسة البريطانية وهيمنتها على مصالحه الاقتصادية. اما التيار الآخر فيتمثل بمجموعه أخرى من السياسيين والضباط الذين يرون بضرورة ارتباط العراق ببريطانية وشجعوا على هيمنتها على اقتصاده وسياسته والمتأثرين بالمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس وممثلة المصالح البريطانية في العراقية المس بيل والتي لعبت دوراً كبيراً في رسم السياسة العراقية من خلال ولاياتها بغداد والموصل والبصرة قبل الاستقلال عام 1921 وتتويج الملك فيصل الأول على عرش العراق، والمعارضين لها من أعضاء المجلس التأسيسي ورئيسه عبد الرحمن النقيب الذي أصبح أول رئيس وزراء للعراق فيما عرف بالحكومة الانتقالية. وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم فترة حكم النظام الملكي إلى حقبتين متعارضتين في التوجهات السياسة والعقائدية والبنى الإستراتيجية:

المملكة العراقية الأولى

تمثلت الحقبة الأولى- أو المملكة العراقية الأولى بزعامة الملكين فيصل الأول وغازي الأول بكونها فترة تأسيس الدولة العراقية وبناها التحتية وتميزت بالنزعة الوطنية والطموح لبناء دولة تستظيف عاصمة الخلافة بعد سقوطها في تركيا متنافسة مع الأسرة العلوية في مصر والاسرة السعودية في الحجاز ومن أهداف هذه الدولة إعادة الوحدة مع الولايات العربية المنحلة عن الدولة العثمانية والتي تشكلت منها دولا حديثة ناقصة الاستقلال وقد عرف الملك فيصل الأول برجاحة عقلة ودبلوماسيتة وابتعاده عن المواقف الحادة في سياسته الداخلية والخارجية خصوصا مع الإنجليز إلا أن توجهات الملك غازي الأول 1933 – 1939 الوطنية والاكثر صرامة ومن ثم وزارة رشيد عالي الكيلاني باشا 1941 المناهضة للمد البريطاني كان لها الأثر والصدى لدى الشارع العراقي الذي أصيب بإحباط كبير عند دخول الجيش البريطاني وإسقاط الحكومة بغية تنفيذ استراتيجيات الحرب العالمية الثانية في العراق والمنطقة.

الملك فيصل الأول

وتم في 23 أب من عام 1921 تتويج الأمير فيصل الأول ملكا على العراق وتنصيب عبد الرحمن النقيب رئيسا للوزراء الذي خلفه بعد عام عبد المحسن السعدون لتولي هذا المنصب، ولغاية 8 ايلول 1933 حيث توفي فيصل الأول جراء ازمة قلبية المت به عندما كان موجودا في بيرن بسويسرا.

الملك غازي الأول

ثاني ملوك العراق وفترة حكمه من 1933 ولغاية 1939. سمّي ولياً للعهد عام1924 فتولى الحكم وهو شاب يتروح عمره 23 عاما، كان الملك غازي ذو ميول وحدوية عربية حيث عاش في طفولته وحدة الأقاليم العربية ابان الحكم العثماني، قبل تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الوطن العربي إلى بلدان تحت النفوذ اما البريطاني أو الفرنسي. ناهض النفوذ البريطاني في العراق واعتبره عقبة لبناء الدولة العراقية الفتية وتنميتها واعتبره المسؤول عن نهب ثرواته النفطيةوالاثارية المكتشفة حديثاً، لذلك ظهرت في عهده بوادر التقارب مع حكومة هتلر قبل الحرب العالمية الثانية.

المملكة العراقية الثانية

أما الحقبة الثانية – أو المملكة العراقية الثانية فتتمثل في مرحلة ما بعد خروج القوات البريطانية استهلت بتشكيل نوري السعيد باشا لوزارته وهو المعروف بحنكته وشكيمته وبوطنيته وحبه للعراق وولائه للعائلة المالكة الهاشمية ، عاقدا العزم على تأسيس حلف يظم الوصي على العرش سمو الأمير عبد الإله الهاشمي وبعض مراكز القوى من الوزراء والشخصيات التي تمثل الطوائف والأعراق المختلفة.

الأمير عبد الإله الهاشمي الوصي على العرش

الملك فيصل الثاني

بدات البلاد عهدا جديدا مع تولي الملك فيصل الثاني حكم البلاد في العام 1953 اثر وصوله للسن القانوني واستلامه العرش رسميا من خاله الامير عبد الاله الوصي على العرش . وتميزت الفترة التي قضاها الملك فيصل الثاني بكثرة مشاريع الاعمار وذلك بعد تأسيس مجلس الاعمار الذي وضع خططا مستمرة لتطوير العاصمة بغداد وبقية المدن العراقية . و على الصعيد العسكري بدأت اثار حلف بغداد تظهر للوجود بدخول المعونات العسكرية الامريكية في صفوف الجيش العراقي . كما ان الجيش العراقي نجح في تجاوز احدات ثورة 1941 وحرب فلسطين 1948 واستطاع اعادة تتظيم صفوفه مجددا . على الصعيد السياسي شهدت البلاد استقرارا بسبب عدم وجود منازعات حزبية او مشاكل بين السياسيين . وشهد فبراير 1958 اعلان الاتحاد العربي الذي اصبح بموجبه ملك العراق هو ملك الاتحاد واصبحت بغداد وفقا لقرارات الاتحاد العاصمة الدورية للاتحاد في حين تصبح عمان العاصمة لمدة ستة اشهر اخرى . وشهد ايضا نفس العام تكوين الحكومة الاولى للاتحاد العربي . و في منتصف تموز 1958 حدث انقلاب الرابع عشر من تموز الذي انهى النظام الملكي بقتله للملك فيصل الثاني . ثم الغى الاتحاد العربي وخرج من حلف بغداد .

نهاية حقبة الحكم الملكي

تداخلت مجموعة العوامل الداخلية والإقليمية والإستراتيجية في لعب دور كبير في تهيئة الظروف الموضوعية المؤاتية للإطاحة بالنظام الملكي، أكثرها أهمية تكمن في أن الحكم الملكي كان يثق بالجيش العراقي وحرص على ابعاده عن النزعات السياسية إلا أن هذا الجيش يحمل بين جنباته النقيضين النزعة الوطنية من جهة وضباط كانوا يريدون السلطة بأي طريق ولو بالاستلاب وبناؤهم النفسي لم يكن محصنا تتضح آثاره بالإبادة البشرية البشعة التي وصلوا بها إلى السلطة وتخريب الدولة المدنية وانهاء الارادة العامة والتداول السلمي للسلطة ابتداء من مجلس النواب وانتهاء بمجالس القرى ويتجاذب هاذين النقيضين استناداً لاهواء هذا الضابط أو ذاك. تحركت ثلة من ضباط الجيش، الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف والنقيب عبد الستار العبوسي والمكلفين بواجب الدفاع عن الحدود الغربية واعتقلت الضباط الذين رفضوا الحنث باليمين الذي اقسموه والتمرد العسكري وأثناء مرورهم بالطريق الذي يمر من مقابل قصر الرحاب أبادوا العائلة المالكة نساء ورجالا واستلبوا السلطة في صبيحة يوم14 يوليو/ تموز 1958.

المصدر