ثورة 14 تموز 1958

هي ثورة 14 تموز 1958 الباسِلة؛ أو حركة؛ أو حتى انقلاب 14 تموز 1958، كما يُسمِّيهِ البعض؛ التي حملت العراق، فوق جسور الثائرين، من المملكة العراقيَّة، إلى جمهوريَّة حُرَّة. أعلنت هذه الثورة قيام الجمهورية العراقية، وأنهت حقبة العهد المَلَكي، عبر البيان الأول للحركة، والذي أذاعه عبد السلام عارف من دار الإذاعة، وذلك بعد نجاحه في قلب نظام الحكم بالسيطرة على القيادة العامة للجيش، إلى جانب دار الإذاعة، ومجمَّع بدالة الهاتف المركزي، وبفِعل قطاعات اللواء العشرين التابع له، وبمساعدة من زملاء عارف، أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين (الضباط الأحرار).

قصة الثورة

بدايةً؛ كان للثورة مُدخلات، أثارتها، وأثرت في تاريخ العراق بجملته.

وعن العوامل التي ساعدت في قيام حركة 14 تموز 1958، فكانت بتسلسُل تأثيرها:

ـأزمة الحكم الملكي في العراق، والتي تتلخص في طبيعة البنية التحتية التأسيسية للحكم الملكي، والتي ولّدت تيارين متناقضين في الأيدولوجية والمرجعية الوطنية والسلوك السياسي، في مواقفهما تجاه ما كان يعصف العراق والمنطقة العربية من أحداث جسام، كالحروب العالمية والمعاهدات مع الدول الكبرى والأحلاف التي كان الغرض منها جر المنطقة العربية إلى سياسة المحاور والاستقطاب الدوليين، وأخيرًا تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين.

ـ إخفاق الحكومات العربية في حرب فلسطين عام 1948

ـ دخول حكومة نوري السعيد في سلسلة من المعاهدات ، كان آخرها حلف بغداد التي كبلت العراق ببنود هيمنة جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي

ـ بروز المد الوطني والقومي العربي المعادي للهيمنة البريطانية والفرنسية والأميركية، والتأييد الجماهيري الكاسح لهذا المد الذي تزعمته القيادات الثورية الشابة في بعض بلدان الوطن العربي

ـ أدى نجاح حركة الضباط الأحرار في مصر، خلال "ثورة" 23 يوليه/ تموز 1952 التي ادت إلى تقويض النظام القائم في مصر

ـ ثورة 1948 في اليمن ضد الحكم الملكي الامامي والتي قادها الضابط اليمني العراقي جمال جميل رغم إسقاطها بعد نجاحها واعلان الجمهورية ومقتل الامام، ادت إلى تشجيع الضباط العرب عموما والعراقيين بشكل خاص بالثورة على نظام الحكم.

ـ تصاعد المد الجماهيري المؤيد للحركات الثورية الوطنية والقومية ليشمل دولا عديدة مثل الأردن الذي رفض الدخول في حلف بغداد، واضحت حكومة نوري السعيد ورقة محروقة متهمة بما سمي "بالعمالة " لبريطانيا.

ـ من وجهة نظر الدول الغربية؛ فإن سلسلة المعاهدات مع العراق وبعض الدول العربية وآخرها حلف بغداد ما هي إلا صفقة استراتيجية الغرض منها هيمنة بريطانيا وفرنسا ومن ثم لاحقاً أمريكا على المنطقة لدواعي استراتيجية أهمها الوقوف بوجه الإتحاد السوفيتي والسيطرة على منابع النفط واستيلاء الولايات المتحدة على أرث بريطانيا وفرنسا على الأخص بعد حرب السويس أو ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر، ووقوف حكومة نوري السعيد بشكل معلن مع دول العدوان.

ـ ردة الفعل الجماهيرية الغاضبة على احتلال بريطانيا للعراق بعد إسقاط ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 م

ـ إعدام الضباط الأحرار والوطنيين من الضباط المشاركين في الثورة

ـ جملة من العوامل الداخلية ، كتردي الأحوال المعيشية والاجتماعية

ـ الاعتقاد بالهيمنة البريطانية على السياسة والأحلاف ومعاهدات الانتداب

ـ هيمنة الشركات الأجنبية على الاقتصاد بضمنها شركات النفط التي لعبت دوراً كبيراً في تقويض الاقتصاد العراقي لاسيما بعد ربط الاقتصاد العراقي بالكتلة الاسترلينية مما أدى إلى تضخم العملة العراقية وغلاء الأسعار.

ـ حملات تقويض الجيش العراقي حيث تنبه الإنجليز إلى حالة السخط والغليان بين صفوف الشعب والجيش بشكل خاص بعد الضربة الموجعة بعد احتلال العراق ابان الحرب العالمية الثانية وإسقاط الثورة الشعبية التحررية التي قام بها رشيد عالي باشا عام 1941، وتنبهوا إلى ذلك فاشعروا السراي الحكومي بضرورة تقليص عدد وحدات الجيش العراقي، وتسريح أعداد كبيرة من ضباطه ومراتبه ونقل الضباط الآخرين إلى وحدات نائية، وأشغال أفراده بالتدريبات، طوال فصول العام

ـ تكوين خلايا سرية من الضباط في العمل بين صفوف الجيش، ومحاولة التكتل لإنشاء تنظيم سري للضباط.

لقد كان الملك فيصل الثاني ملكاً على العراق، واختلف المؤرِّخون في تقييم نظام الحكم الملكي ، إلى جانب تسمية الحركة ما بين الانقلاب والثورة.

فيما ذاع نجم ثلاثة من أكبر الشخصيات، إبان الحكم الملكي في العراق؛ كانوا :

الملك فيصل الثاني

عبد الإله بن علي الهاشمي

الفريق أول نوري السعيد باشا

أما عن قادة ثورة العراق الباسلة؛ فكانوا :

-       عبد الكريم قاسم

-       عبد السلام عارف

دور الضباط الوطنيين

أدت قيادة عبد الكريم قاسم للجنة العليا للتنظيم، إلى عمل عبد السلام عارف المشترك مع قاسم على برنامج إحداث تغيير في العراق. وإثر انكشاف أمر التنظيم السري للبطلين سالفا الذِكر، سارعت الحكومة بإصدار تعليماتها لقيادة الجيش بأحداث حركة تنقلات شمل بها العميد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف إلى المنصورية في محافظة ديالى .

ولاستدراك غضب الضباط على الحكم وإحداث تفرقة في صفوف الضباط المشتبه بانضمامهم للتنظيم قام الوصي على العرش الأمير عبد الاله مع الملك فيصل الثاني برفقتهما الفريق نوري السعيد باشا رئيس الوزراء بزيارة عدد من القطاعات العسكرية بضمنها معسكر المنصورية، حيث عرض نوري باشا على عبد الكريم قاسم منصب نائب القائد العام للجيش الذي اعتذر عنه ولعبد السلام عارف منصب وزير الدفاع والذي كان مرشحا قريبا لرتبة عميد ركن الذي اعتذر عنه هو الآخر.

هنا نقل ديوان سراي الحكومة عبد السلام عارف مع عدد من الضباط المشتبه بانتمائهم للتنظيم إلى الأردن وهم من المعروف عنهم استيائهم المعلن أو مشاركتهم بثورة رشيد عالي الكيلاني باشا عام 1941، حيث استغلت الحكومة قيام الاتحاد الفدرالي الهاشمي بين المملكتين العراقية والأردنية عام 1958 وتوتر الحدود الأردنية الإسرائيلية بسبب قيام الاتحاد من جهة وبسبب قيام الجمهورية العربية المتحدة من نفس العام من الجهة الأخرى.

دفع صدور الأوامر بتحرك القطاعات للمفرق بالأردن، مروراً ببغداد، كل من قاسم وعارف لعقد اجتماع عاجل للتنظيم. أبلغ قاسم وعارف التنظيم الذي تلكأ كثيرا بالقيام بالثورة بأنهما سيقودا عدداً من ضباط التنظيم لاستغلال هذه الفرصة للإطاحة بالنظام الملكي.

وسرعان ما اتفق عارف مع قاسم لإعطاء التنظيم فرصة أخيرة للتحرك من خلال ضم الفرق الأربعة العسكرية الموزعة في المحافظات العراقية الأخرى لمساندة تحرك قطعات المنصورية فذهب عارف لوحده قائلا "انا والزعيم نخبركم لاخر مرة بانه في حالة عدم الاشتراك معنا فنقول لكم هذا حدنه وياكم ".

اجتمع حول قاسم وعارف بعض أعضاء قيادة التنظيم، ما ساعد على قيام الحركة، ودفع هذا التيار إلى الاقتراب أكثر من العد التنازلي للتنفيذ وعلى شكل خطوات مدروسة تعبويا وسوقيا لامناص من اتخاذها إذا ما اريد للقيادة الجديدة لتحقيق أهدافها.

عمل الزعيمان وقتها على استقطاب أعضاء القيادة التقليدية للتنظيم وأعضاء الحلقة الوسطية أو تحييدها. لضمان عدم انشقاق التنظيم من جهة ولضمان عدم تسرب الخطط للاستخبارات العسكرية والحكومة ونوري باشا من جهة ثانية.

ثم بحث الزعيمان عن دعم عربي أو دولي لموازنة الدعم العربي والدولي الذي تتمتع به الحكومة والنظام الملكي المتمثل ، ذلك "بإسناد المملكة الأردنية الهاشمية عربيًا وبريطانيا دوليًا. فبعد سلسلة من الاجتماعات السرية الهامة للقيادة المصغرة لتنظيم الضباط الوطنيين والتي شملت تيار القيادة الجديدة لقاسم - عارف، توصلوا إلى قرار بضرورة مفاتحة الجمهورية العربية المتحدة " سوريا ومصر المتوحدتين ضمن إطار الاتحاد العربي" حيث وأثناء زيارة ميدانية لتفقد القطاعات العراقية في الأردن سافر كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف إلى الأردن وبعد اتصالات سرية مع حكومة عبد الناصر زارا أثناء إجازة نهاية الأسبوع سرا مدينة الرمثة الحدودية الأردنية، ومنها عبرا خلسة إلى الجانب السوري حيث اجتمعا في مدينة درعا الحدودية السورية مع موفد حكومة عبد الناصر وزير الداخلية عبد الحميد السراج ووزير المواصلات أمين النافوري وأحمد عبد الكريم وزير البلديات, حيث سلماهم رسالة سرية وعاجلة إلى الرئيس جمال عبد الناصر طالبين دعم وإسناد الجمهورية العربية المتحدة لحركة الضباط الوطنيين في العراق".

نص الرسالة

كان نص رسالة عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف إلى حكومة الجمهورية العربية المتحدة ، إلى الزعيم جمال عبد الناصر، كما يلي:

"رسالة من تنظيم الضباط الوطنيين العراقي إلى سيادة الرئيس جمال عبد الناصر المحترم

نود تفضل سيادتكم باطلاع بان هناك تنظيماً سرياً في الجيش العراقى، وإن ضباط هذا التنظيم قد فاض بهم الألم وما عادوا يطيقون الصبر أو يقدرون عليه، وإنهم سوف يتحركون مهما كلفهم الأمر ضد نورى السعيد وكل من يمثله، ابتداءً من حلف بغداد، إلى التآمر على القومية العربية.

وكان الجواب كالآتي:

"من ثوار مصر إلى ثوار العراق: 1- برغم التقدير العالي لحكومة الجمهورية العربية المتحدة للثقة العالية من الضباط العراقيين ان اي تدخل بالأسلوب الذي يطلبه الضباط العراقيين يعد هيمنة من حكومة عبد الناصر على حركة العراق.

2- يمكن التنسيق العسكري في مجال المعلوماتي والسوقي والتعبوي.

3- تدعم حكومة عبد الناصر بشكل كبير الحركة عسكريا وتسليحيا واعلاميا, كما ستدعمها سياسيا ودبلوماسيا وفي المحافل الدولية كحركة عدم الانحياز الناشئة حديثا ومع الدول الكبرى كالاتحاد السوفيتي.

4- ان يتبنى الضباط العراقيين أسلوب الكتمان الشديد في تحركاتهم وانتقاء أفضل العناصر المهنية والمؤمنة والكتومة في صفحة التنفيذ.

5- من المهم جدا أن يتبنى أمر اللواء الذي سيقوم من جانبه بمهمة التنفيذ ان يضع خطة تنفيذ الحركة لأنه هو الادرى بقطاعاته ونقاط قوتها ومراكز ضعفها، ولانه هو المعني بتحركات قطاعاته وبمسارها وتوقفها.

ثم عقدت قيادة تنظيم تيار قاسم - عارف اجتماعا حاسما اتفقوا بموجبه أن يضع عبد السلام عارف خطط تنفيذ الحركة طالما ان لوائه، اللواء العشرين هو المكلف بالتحرك للاردن من قبل رئاسة اركان الجيش والقيادة العامة للقوات المسلحة.

ساعة "س" ساعة الصفر

وجاءت ساعة "س" ساعة الصفر؛ فقد "تولى القيادة الرئيسية للعمليات منذ ذلك الحين رجلان مع دعم من هم بمعيتهم من ضباط أعضاء التنظيم، هما كل عبد الكريم قاسم امر اللواء التاسع عشر وعبد السلام عارف امر اللواء العشرين، وقد أخفيا الموعد المحدد لقيام الحركة، لضمان عدم تسرب الأخبار وفي يوم 13 تموز قام كلاهما بزيارة بغداد وتحديد مسار الحركة ومهام التنفيذ. وفي 10 تموز وبعد عطلة عيد الأضحى مباشرة صدرت الأوامر العسكرية من القيادة العامة للجيش بتحرك اللواء العشرين في 14 تموز إلى الأردن وكان اللواء العشرين أحد تشكيلات الفرقة الثالثة التي يقودها الفريق غازي الداغستاني في معسكر المنصورية، للوقوف في وجه التهديدات الإسرائيلية على الأردن، وكان قائد الجحفل أو القاطعات المنتخبة من معسكرات مختلفة والمتجهة إلى الأردن، هو اللواء أحمد حقي. وعند ذلك اعتبر قادة الحركة بأن الفرصة مناسبة لتنفيذ حركتهم أو ثورتهم ضد الحكم الملكي. ووضع الرجلان خطط التحضير والقيام بحركة تموز 1958 وأعطيت لخلية التنظيم من الضباط ممن تقرَّر أشراكهم في تنفيذ الحركة، حيث كان توجس العميد عبد الكريم قاسم من تصرفات الحكومة وأي عملية ثورة مضادة فاتفق مع العقيد عبد السلام عارف بإنشاء غرفة عمليات سرية يديرها قاسم من مقرة في معسكر المنصورية في مدينة المقدادية، وأوكلت لبقية الضباط تنفيذ العمليات داخل وخارج بغداد مستغلين فرصة قيام الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن وتحرك القطاعات العراقية لإسناد الأردن ضد التهديدات الإسرائيلية لقيام الاتحاد. كما اتفق التنظيم على عدم إخبار القوات الزاحفة من غير أعضاء التنظيم بما ستقوم به في بغداد من إعلان للثورة ؛ خشية من تسرب أخبار ذلك إلى الحكومة وقيادة الجيش. وإصدار التعليمات للضباط أعضاء التنظيم، الذين سيقومون بمهام تنفيذ الحركة بعدم أخبار أي ضباط آخرين؛ للمحافظة على السرية والمباغتة، ومنعاً لتسرب أخبار الثورة.

خطة ثورة 14 تموز 1958

خطَّ التاريخ خطة ثورة 14 تموز 1958 ، بمنتهى الصِدق ، عندما "عبد السلام عارف لنفسه تنفيذ عدد من العمليات وهي السيطرة على مقر قيادة الجيش في وزارة الدفاع والسيطرة على مركز اتصالات الهاتف المركزي والسيطرة على دار الإذاعة إضافة إلى أهدافًا أخرى حيوية كالسيطرة على القصر الملكي وقصر نوري السعيد ومعسكري الرشيد والوشاش".

وفي يوم 14 تموز، "تهيأ اللواء العشرين بقيادة عبد السلام عارف للتحرك لبدء تنفيذ الحركة. حيث درس الأعضاء البارزين للهيئة العليا لتنظيم الضباط الوطنيون وبحضور العميد الركن عبد الكريم قاسم خط سير الرتل المزمع سلوكه عبر بغداد، كما استمعوا إلى إيجاز قدمه العقيد الركن عبد السلام عارف عن الخطة التي وضعها ضمن تحرُّك لوائه للسيطرة على بغداد".

وكانت خطة عارف وخط سير القطاعات كالتالي: "تقع على خط سير القطاعات الذاهبة للأردن المواقع المهمة التي تشكل أهدافًا استراتيجية لتنفيذ الحركة ونجاحها فيما إذا تمت السيطرة عليها.

فيمر خط السير المخصص للقطاعات، بضمنها اللواء العشرين الذي سيقوم بتنفيذ الحركة والذي يتكون من أربعة كتائب أو أفواج وذلك عبر عدد من النقاط والمواقع الاستراتيجية الهامة والتي لامناص من السيطرة عليها حيث كان الرتل الذاهب أصلا للأردن سيمر قاطعا بغداد من الشرق إلى الغرب، أتيا من لواء "أو محافظة" ديالى في الشرق حيث معسكر المنصورية ومتوجها عبر جنوب بغداد نحو الطريق الدولي الموصل للحدود الأردنية. بدئا بالتحرك من معسكر المنصورية يمر خط السير عبر طريق بغداد - ديالى القديم مرورا بشرق بغداد من جهة منطقة المشتل المؤدي إلى بغداد الجديدة المجاورة لمعسكر الرشيد في الزعفرانية وهو المحطة الهامة الأولى التي سيسيطر عليه باحد الكتائب الأربعة، ومن ثم التوجه إلى الباب الشرقي حيث جسر الملكة عالية "جسر الجمهورية حاليا" وهو المحطة الثانية المهمة لتامين تدفق قطعات اللواء للعبور إلى جانب الكرخ.

ومن هنا يجب أن تتقسم الكتائب المتبقية إلى ثلاثة ارتال للاستكمال السيطرة على قاطع الرصافة قبل العبور إلى الكرخ، فيذهب الرتل الأول للسيطرة على قاطع مديريات شرطة باب الشيخ وهو أحد أهم مراكز الشرطة الذي يتضمن غرفة حركات الداخلية المكلف بمهمة الاتصال بوزارة الداخلية ورئاسة الوزراء عن أي تهديد امني ومنها يتم قطع الاتصالات الهاتفية للبدالة المركزية، ثم يتوجه لاحتلال وزارة الدفاع وهي أيضا مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الباب المعظم ثم يسطر الرتل نفسه على معسكر الحرس الملكي في الكرنتينة المجاورة وبعد ذلك يسيطر على مقرات البلاط الملكي في الكسرة المجاورة أيضا.

وبعد عبور جسر الملكة عالية يوجد موقعين هامين يجب السيطرة عليهما واحتلالهما الأول قصر الزعيم البارز نوري السعيد ومحطة دار الإذاعة العراقية في منطقة الصالحية المتاخمة للجسر، وهي أهم النقاط التي يجب السيطرة عليه لاذاعة البيان الأول للحركة وتوجيه القطاعات والجماهير عبر الإذاعة. ومن جسر الجمهورية يستمر خط السير للتوجه عبر كرادة مريم " المجمع الرئاسي أو المنطقة الخضراء حاليا" ثم الحارثية حيث معسكر الوشاش المسيطر على قاطع الكرخ ويليه قصر الرحاب مقر اقامة الملك وولي العهد عبد الاله وهو أحد أهم النقاط الاستراتيجية ليأخذ شارع اليرموك المتوجه إلى غرب بغداد إلى الطريق الدولي نحو الحدود الأردنية.

اتخذ عبد السلام عارف عدد من الإجراءات داخل اللواء العشرين الذي بامرته هدفها ضمان نجاح تنفيذ الحركة منها، أصدر أوامره باعتقال كل قادة القطاعات العسكرية والتي ستشارك في الجحفل والتي ستمر عبر خط سير القطاعات الذاهبة للأردن، أي القطاعات المزمع تنفيذها للحركة من غير تنظيم الضباط الوطنيين وعين بدلاً عنهم ضباطًا من التنظيم ثم أصدر عدة أوامر هامة، وهي:

أ ـ يتسلم العقيد عبد اللطيف الدراجي قيادة اللواء العشرين مع عبد السلام عارف لكي يتمكن الأخير من التحرك بمرونة لقيادة العمليات والسيطرة على القطاعات والوحدات الأخرى ومعالجة أي طاريء، إضافة إلى قيادة الكتيبة الأولى من اللواء التي تكلف بعدد من المهام على رأسها، الاتصال بأعضاء تنظيم الضباط الوطنيين في معسكر الرشيد ودعمهم للقيام بتنفيذ الخطة التكميلية وهي السيطرة على وحدات المعسكر والانطلاق مع وحدات اللواء العشرين لاتمام المهمة، وفي حالة فشلهم يستمر اللواء العشرين بالمهمة لوحده الذي سيتوجه لاحتلال قاطع شرطة باب الشيخ وقطع الاتصالات الهاتفية المركزي ثم السيطرة على جسر الملكة عالية في الباب الشرقي. وعند مرورها في منطقة الصالحية تحتل القطاعات دار الإذاعة.

ب - يتوجه الرائد بهجت سعيد إلى قصر نوري السعيد رئيس الوزراء للقبض عليه.

ت ـ تكلف الكتيبة الثانية بقيادة المقدم عادل جلال بالتوجه لقاطع الباب المعظم لاحتلال وزارة الدفاع ثم تطويق معسكر الحرس الملكي في الكرنتينة لشله عن الحركة وحصار الديوان الملكي في الكسرة.

ث ـ يعين المقدم فاضل محمد علي قائدًا للكتيبة المدرعة الثالثة المكلفة باحتلال الكرخ بالتعاون مع قطاعات منتخبة من معسكر الوشاش الذي يقوده الزعيم عبد الرحمن عارف " شقيق عبد السلام عارف" المكلف بالسيطرة على الشوارع والنقاط المهمة في قاطع الكرخ.

ج ـ يتوجه الرائد عبد الجواد حامد الجومرد على رأس سرية خاصة للتوجه إلى منطقة الحرثية لحصار قصر الرحاب حيث يقيم الملك فيصل الثاني، وولي عهده الأمير عبد الإله لاعتقالهما.

د – وبعد انجاز المهام الرئيسية والتي روعي ان تتم أغلبها بشكل متزامن يتوجه عبد السلام عارف بنفسه لإذاعة البيان الأول".

تمكَّن عبد السلام عارف بفعل هذه الخطة إحكام قبضته على بغداد، وتوجه إلى مبنى الإذاعة وألقى بيان الثورة.

"وعند بدء تحرك القطاعات الروتيني ببطء كما خططت له القيادة العامة للقوات المسلحة، إلا أن نذر عاصفة عاتية قد هبت بعد مرور القطاعات في بغداد بقيادة اللواء أحمد حقي الذي تجاوز بغداد مارا بالفلوجة القريبة حيث نجح الضباط بتنفيذ الخطة للإطاحة بالنظام، وقد تولى العقيد الركن عبد السلام عارف بفاعلية وشجاعة قيادة القطاعات الموكلة له منفذا جميع العمليات الموكلة إليه والتي أدت إلى سقوط النظام الملكي، وكتب رسالته الشهيرة لوالده عند الشروع بالحركة طالباً رضاه والدعاء له بتحقيق النصر أو الدعاء له ليتقبله الله شهيدا في حالة وفاته حيث أذاع عارف بنفسه البيان الأول للحركة صبيحة 14 تموز 1958.

في هذه الأثناء كان العميد الركن عبد الكريم قاسم يراقب عن كثب سير الأمور ويشرف على العمليات من مقره في معسكر المنصورية في محافظة ديالى المتاخمة لبغداد، حيث كان قائدًا للواء التاسع عشر الذي لم يكن مخططا ذهابه مع القطاعات الذاهبة للأردن، فلما بلغه احتلال عبد السلام عارف لبغداد لحق به وسمع من مذياع سيارته صوت عبد السلام عارف وهو يلقي بيان الثورة، وإعلان قيام الجمهورية العراقية.

وبعد سماع الأنباء بإذاعة البيان الأول، خرجت الجماهير عن بكرة ابيها على شكل موجات هائجة ومظاهرات تأييد ومناصرة تملأ شوارع العاصمة والمدن الأخرى وأصبح العهد الملكي بين ليلة وضحاها من ذكريات الماضي كما أصبح في تلك اللحظات الحرجة مكروها من اغلبية فئات الشعب".

تُليَ البيان الأول للثورة، بعد إذاعة نشيد الله أكبر الحماسي في العراق، ث أناشيد ثورة رشيد عالي الكيلاني؛ وكانت لاحت رؤوس الحراب، وموطني؛ فيما أهدت أم كلثوم للعراق أنشودة بغداد يا قلعة الأسود. بعدها انقطع البث الإذاعي فجأةً؛ وأعلن المذيع بأن نبأ هاما سيذاع من محطة دار الإذاعة العراقية من بغداد. وكما يقول التاريخ؛ أنه "بعد دقائق من الانتظار انقطعت فيها أنفاس الناس وهي تنتظر اللحظات الثقيلة التي مرَّت ببطء. وإذا بدوي صوت جهوري ذو نبرة حماسية يعلن النبأ الهام. إنه البيان الأول للثورة يذيعه العقيد الركن عبد السلام عارف والذي استهلة بآية من القرآن، ثم بدأ بتلاوة البيان".

بيان الثورة

في صباح يوم الاثنين، الموافق 14 تموز 1958.

كان نص بيان الثورة الباسلة، هو الآتي: "البيان رقم واحد

صادر من القائد العام للقوات المسلحة الوطنية

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الشعب الكريم

بعد الإتكال على الله وبمؤازرة المخلصين من أبناء الشعب والقوات الوطنية المسلحة، أقدمنا على تحرير الوطن العزيز من سيطرة الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار لحكم الشعب والتلاعب بمقدراته وفي سبيل المنافع الشخصية. إن الجيش منكم وإليكم، وقد قام بما تريدون وأزال الطبقة الباغية التي استهترت بحقوق الشعب، فما عليكم إلا أن تؤازروه. وأعلموا أن الظفر لا يتم إلا بترصينه والمحافظة عليه من مؤامرات الاستعمار وأذنابه وعليه فإننا نوجه إليكم نداءنا للقيام بإخبار السلطات عن كل مفسد ومسيء وخائن لاستئصاله. ونطلب منكم أن تكونوا يداً واحدة للقضاء على هؤلاء والتخلص من شرهم. حركة تموز 1958 أيها المواطنون: إننا في الوقت الذي فيه نكبر فيكم الروح الوطنية الوثابة والأعمال المجيدة، ندعوكم إلى الإخلاد والسكينة والتمسك بالنظام والتعاون على العمل المثمر في سبيل مصلحة الوطن.

أيها الشعب:

لقد أقسمنا أن نبذل دماءنا بكل عزيز علينا في سبيلكم، فكونوا على ثقة واطمئنان بأننا سنواصل العمل من أجلكم وان الحكم يجب أن يعهد إلى حكومة تنبثق من الشعب وتعمل بوحي منه وهذا لا يتم إلا بتأليف جمهورية شعبية تتمسك بالوحدة العراقية الكاملة وترتبط برباط الأخوة مع الدول العربية والإسلامية وتعمل بمبادئ الأمم المتحدة وتلتزم بالعهود والمواثيق وفق مصلحة الوطن وبقرارات مؤتمر باندونغ.

وعليه فإن الحكومة الوطنية تسمى منذ الآن (الجمهورية العراقية). وتلبية لرغبة الشعب فقد عهدنا رئاستها بصورة وقتية إلى مجلس سيادة يتمتع بسلطة رئيس الجمهورية ريثما يتم استفتاء الشعب لانتخاب الرئيس. فالله نسأل أن يوفقنا في أعمالنا لخدمة وطننا العزيز انه سميع مجيب.

بغداد، في اليوم السادس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1377 هجرية، الموافق لليوم الرابع عشر من شهر تموز سنة 1958م. العقيد الركن عبد السلام محمد عارف القائد العام للقوات المسلحة الوطنية وكالة".

علنا عندما نقرأ التاريخ، الذي تحدَّث عن هذه الثورة، تهفو أرواحنا لمثل هذا الفِعل الثوري، الذي اقتصَّ أرجل الملكيَّة، وأقام دولتهُ على أرجل ثابتة؛ يقول التاريخ أن الجماهيرَ قد انطلقت بعد البيان، تهتف لقادة الحركة "إحنا جنودك يا سلام"؛ ثم أخذت جموع الجماهير تهتف لهم كما هتفت للثورة، وللعراق، وللوطن العربي، وتَطلِق شعارات عربية أخرى تُذكِّر بأمجادِ العرب، وتنادي بالوحدة مع الاتحاد العربي المسمى الجمهورية العربية المتحدة.

لقد استهلَّ تنظيم الضباط الوطنيين القيام الثورة ، بمقدمات ، تمثلَّت في عِدَّة محاولات للانقلاب على الملك، ولكنها باءت جميعًا بالفشل ؛ كان منها:

1 ـ "محاولة تنظيم الضباط الوطنيين سنة 1949م، أثناء الاحتفال بعودة بعض فرق الجيش من فلسطين ولكنها فشلت لعدم حضور الملك فيصل الثاني والمسؤلين الكبار في الدولة.

2 ـ محاولة العقيد رفعت الحاج سري في سنة 1950م.

3 ـ محاولة في 1950، ولكنها ألغيت لعدم حضور نوري السعيد رئيس الوزراء.

4 ـ محاولة في (11 ذي القعدة) سنة 1955م، وصفها المقدم عبد الغني الراوي بمنتهى الدقة والإحكام، ولكن قادة التنظيم رفضوها".

حتى اكتمل تراكُم العمل الوطني في العراق، بثورة تموز 1958 العارمة، التي حالت دون الاستبداد والتبعية، إلى ساحات جديدة من التحرُّر، والتحرير، والكرامة.

المصدر

انظر أيضا