مصطفى محمود العمري

مصطفى محمود العـُمَري (ولد 1894، بالموصل، توفي 1962 عن عمر 68)، Iraq (السني العربي) الذي أصبح رجل دولة عراقي. خدم كرئيس للوزراء من 9 يوليو 1952 حتى 22 نوفمبر 1952. عينه الأمير عبد الإله ولي عهد الملك فيصل الثاني بعد اندلاع الاحتجاجات ضد الحكومة. بالإضافة لرئاسة الوزراء تقلد العمري العديد من المناصب وشغل منصب وزير الداخلية أربع مرات.

حياته

ولد مصطفى محمود حميد العمري في مدينة الموصل سنة 1894، وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية فيها حتى أصبح معلما في إحدى مدارسها. ثم جاء إلى بغداد سنة 1913 وانضم إلى مدرسة الحقوق وعين في الوقت نفسه كاتباً في دائرة المعارف، ولم تمض سنة على تعيينه حتى نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914.

دعي الى الخدمة العسكرية وأدخل دورة ضباط الاحتياط في سبتمبر 1914 فتخرج فيها وألحق بالقوة المرابطة على الحدود الإيرانية. رقي إلى رتبة ملازم ثان احتياط سنة 1916 واشترك مع القوات العثمانية بالدفاع عن حدود بغداد في منطقة سلمان باك، ثم جرُح أثناء معركة الكوت حيث تقهقرت القوات البريطانية، وبعد تقدم الجيش البريطاني مرة أخرى نحو بغداد، أسُر مصطفى العمري في مدينة العزيزية ونقل إلى الهند وبقي هناك حوالي ثلاث سنوات حتى أطلق سراحه سنة 1919.

عاد إلى بغداد فساهم في الحركة الوطنية واشترك في جمعية العهد السرية. عين مديرا للتحرير في وزارة الأوقاف ثم اصبح معاون سكرتير وزارة الداخلية سنة 1921 , وأثناء عمله في وزارة الداخلية عين قائم مقام قلعة صالح سنة 1923 وتنقل في مثل هذه المناصب حيث عين قائممقام تلعفر ثم مندلي، وبعد خدمة في وزارة الداخلية استغرقت ست عشرة سنة تسلم كرسي الوزارة لأول مرة، فأصبح وزيرا للداخلية في 28 يونيو 1937 في حكومة حكمت سليمان، وبعد استقالة الحكومة عين مصطفى العمري عضوا بمجلس الأعيان، ثم عين وزيراً للداخلية للمرة الثانية في وزارة جميل المدفعي التي شكلها في 17 أغسطس 1937، ثم وزيراً للعدلية في حكومة نوري السعيد الثالثة الذي ألفها في 31 يناير 1938 وتولى مرة أخرى وزارة الداخلية في 2 يوليو 1941 في حكومة جميل المدفعي الخامسة وتقلد هذه الوزارة للمرة الرابعة في 4 يوليو 1944.

رئاسة الوزراء

شكل مصطفى العمري وزارته في 12 سبتمبر 1952 بعد استقالة حكومة نوري السعيد

حكومته

عهد الوصي عبد الاله الى مصطفى محمود العمري بتشكيل الوزارة في 12 يوليو سنة 1952 وقد تألف اعضاؤها على النحو التالي:

1- مصطفى محمود العمري رئيسا للوزراء، ووزيرا للداخلية بالوكالة.

2- ماجد مصطفى وزيرا للشؤون الاجتماعية.

3- عبد الجبار الجلبي وزيرا للزراعة.

4- عبد الله الدملوجي وزيرا للمعارف.

5- عبد المجيد علاوي وزيرا للمواصلات.

6- عبد الرحمن جودة وزيرا للصحة.

7- جمال بابان وزيرا للعدلية.

8- ابراهيم الشابندر وزيرا للمالية.

9- حسام الدين جمعة وزيرا للدفاع.

10- نديم الباجه جي وزيرا للأقتصاد.

11- محمد فاضل الجمالي وزيرا للخارجية.

ورغم أن الوزارة لم تدُم سوى أشهر معدودة، إلا أن أغلب أيامها لم تعرف الاستقرار، حيث سادتها الفوضى والاضطرابات والاحتجاجات.

إضراب عمال ميناء البصرة

بعد صدور قرار حكومي يمُنح بموجبه الموظفون راتب نصف راتب، بمناسبة عيد الأضحى، وصل إلى مسامع عمال ميناء البصرة أن المنحة لا تشملهم، فقاموا بالاضراب وتعطيل العمل في الميناء، وانقطعت المياه وكذلك التيار الكهربائي عن المدينة، وقد سارعت الحكومة بتأكيدها على شمول عمال الميناء بتلك المنحة، غير ان العمال بدأوا بالضغط أكثر، خصوصا بعد أن رأوا أن أثر ومفعول اضرابهم قد شد انتباه الحكومة لمطالبهم، فقاموا بتقديم مطالب جديدة تخص أوضاعهم المعيشية المتردية، ولم تقف الحكومة مكتوفة الأيدي، بل أنها تدخلت هذه المرة بشكل سيء، فقمعت العمال بقسوة شديدة، وذهب ضحية هذا العنف الحكومي عدد من القتلى والجرحى، وقد هاجمت المعارضة أسلوب الحكومة في معالجة الموقف.

حل المجلس النيابي

في 27 أكتوبر سنة 1952، صدر أمر ملكي بحل المجلس النيابي، ولكن الأحزاب السياسية المعارضة أعلنت مقاطعتها للانتخابات الجديدة، عدا حزب الاتحاد الدستوري الذي يتزعمه نوري السعيد، الذي كان طامعا بالحصول على أغلبية مقاعد المجلس، وقد اعترضت تلك الأحزاب على الطريقة التي تدُار فيها الانتخابات، وطلبوا أن يكون الانتخاب مباشرا وليس على مرحلتين كما معمول به سابقا، حيث يقوم الناس بانتخاب ممثلين عنهم يقومون بالتصويت، وقد أزعج موقف المعارضة الوصي عبد الاله، خصوصا وأن المنطقة كانت تتعرض لأزمات حادة بسبب الانقلابات والثورات التي جرت في سوريا ولبنان ومصر وايران، ويبدو ان الوصي كان يشعر بالمخاوف من تأثير ذلك على العراق، وانفجار الاوضاع بشكل يصعب السيطرة عليه، وبناءا على مقترح قدمه رئيس الوزارء مصطفى العمري، ورئيس الديوان الملكي أحمد مختار بابان، يقضي بدعوة السياسيين الى اجتماع تشاوري، قد ينزع فتيل الأزمة، وقد لبى الساسة تلك الدعوة، وعقُد المؤتمر في 28 أكتوبر سنة 1952، غير أن ما دار في الاجتماع جاء على غير ماهو مأمول، حيث شابت أجواء المؤتمر الخلافات والتوترات والاتهامات المتبادلة، وخرج بعض السياسيين من الاجتماع، ثم قدم وزير المالية ابراهيم الشابندر استقالته.

انتفاضة أكتوبر 1952 وسقوط الحكومة

فوجئت الحكومة باضراب طلاب كلية الصيدلة والكيمياء عن الدوام، وكانت البدايات الأولى لهذا الاضراب عندما أعلنت الوزارة عن اجراء تعديل في النظام الداخلي للكلية. فاعتبر الطلاب هذا التعديل اجحافاً بحقهم لانه يقلل من فرص النجاح امامهم فاحتجوا عليه واعلنوا اضرابهم عن الدوام ابتداء من يوم 26 أكتوبر وتضامنت كلية الطب والحقوق مع طلاب كلية الصيدلة والكيمياء، وأعلن الطلاب المضربون عن تأييدهم لمطالب الأحزاب السياسية المعارضة التي وردت في مذكراتهم المرفوعة للبلاط لأنها تمثل الصوت الحقيقي عن مطالب الشعب، وطالبوا الحكومة الاستجابة لها. فقد كان العديد من قادة الطلبة المضربين ينتمون إلى الأحزاب السياسية المعارضة، وقد تجاهلت الوزارة الاضراب في بادئ الأمر، ولما وجد وزير الصحة عبد الرحمن جودة أن الاضراب استمر بضعة أيام، اضطرت الوزارة إلى ادخال تعديل آخر على نظام الكلية ينص على أن التعديل السابق لايشمل طلبة الصفوف المنتهية، لكن المضربين استمروا في اضرابهم فشعرت الوزارة بحراجة الموقف من جديد فاصدرت تعديلاً في 16 نوفمبر الغت بموجبه مواد التعديل السابق فقرر الطلاب انهاء الاضراب والعودة الى كلياتهم اعتباراً من 19 نوفمبر، وفي 19 نوفمبر نشب شجار بين الطلبة، أثر قيام بعض الطلاب الذين كانوا مضربين عن الدوام بتأنيب احدى الطالبات لأنها استمرت بالمجيء إلى الكلية طيلة أيام الاضراب والاستمرار بالدوام، مما دفع بشقيقها الى المجيء للكلية والتفاهم مع اولئك الطلاب بالكف عن مضايقة شقيقته، فتطورت الأمر إلى شجار بين هؤلاء الطلاب من جهة وبين شقيق الطالبة من جهة اخرى اثر قيام الاخير بضرب أحد الطلاب، فثارت ثائرة الطلبة ولم يهدأ لهم بال حتى بعد ان اصدر قاضي التحقيق امراً بالقبض على شقيق الطالبة وايداعه التوقيف، واعتبر الطلاب ان الحادث مدبر من قبل عميد الكلية الذي كان له صلة قربى بالطالبة فأعلنوا اضرابهم من جديد وطالبوا بعزل العميد واجراء تحقيق في الحادث وسارعوا الى الكليات القريبة منهم لحث طلابها على الاضراب والتضامن معهم حتى تستجيب الوزارة لمطالبهم، ويبدو ان الحكومة حاولت تخفيف حدة الازمة، وقررت اعفاء عميد الكلية من منصبه، إلا ان الطلاب لم يكتفوا بذلك بل كانت لديهم مطالب جديدة، فاتسعت الاضرابات وازدادت حدتها. وتم توجيه اللائمة والاتهام نحو السلطة بتنكرها لمطالب الشعب ومحاربتها لكل محاولات الاصلاح واعتبروا ان سياستها نابعة عن ذهنية رجعية، فخرج طلاب الكليات بمظاهرة في يوم الخميس المصادف 20 نوفمبر استنكاراً لموقف السلطة المتشدد، وازدادت الامور توترا مرة اخرى اثر البيان الذي اصدره رئيس مجلس التعليم العالي في 20 نوفمبر مناشداً فيه الطلاب بان لا يستمعوا الى الجماعات الصغيرة التي اضربت عن الدراسة ودعاهم الى العودة لمقاعد الدراسة.

اندلاع المظاهرات الكبرى

بينما كان مجلس الوزراء مجتمعاً في صبيحة يوم السبت المصادف 22 نوفمبر لتحديد زمان اجراء الانتخابات خرجت مظاهرات صاخبة في شوارع بغداد وكان اغلب المتظاهرين من طلبة الكليات والمدارس الناقمين على الحكومة والرافضين للأوضاع المتردية التي تعاني منها البلاد، كانت تلك المظاهرات مقتصرة على منطقة الوزيرية التي تقع فيها كليات الصيدلة والحقوق والتجارة والاقتصاد فاصدرت السلطة امراً بعدم تدخل الشرطة طالما بقيت في هذه المنطقة لكنها شددت على عدم السماح لها بالوصول الى ساحتي باب المعظم والميدان التي تقع بالقرب منها كليات الآداب والطب والعلوم والهندسة كما اندفعت مظاهرات أخرى ضمت بقية الكليات والمدارس والثانويات فتجمع المتظاهرون امام كلية الاداب في الباب المعظم، فاصطدم المتظاهرون برجال الشرطة المنتشرين في المنطقة واستخدمت فيها الحجارة والعصي فسقط من جراء ذلك عدد من الجرحى. وقد واصل المتظاهرون سيرهم نحو جسر المامون (الشهداء حالياً) ونجحوا في عبوره الى جانب الكرخ فانضمت اعداد كبيرة من الاهالي والعمال وبلغت أعدادهم الآلاف، واتجهوا إلى منطقة علاوي الحلة ثم منطقة الصالحية ووصلوا إلى السفارة البريطانية التي كانت تحيطها قوة من الشرطة لتامين حمايتها ومنع المتظاهرين من الهجوم عليها غير انهم تمكنوا من رجمها بالحجارة كما رجموا بالحجارة تمثال الجنرال البريطاني مود قائد الحملة التي دخلت بغداد عام 1917، وفي نفس اليوم اي بعد مرور خمسة ايام على تشكيل هيئة الارتباط التي ضمت الاحزاب السياسية المعارضة، تضامن العمال مع طلاب الجامعات في هذه الانتفاضة. فتوقفوا عن العمل واعلنوا اضرابهم في معامل النسيج الكبيرة اضافة الى عمال شركة الدخان الأهلية الذين استمروا باضرابهم الذي بدأ قبل الانتفاضة كما ساهم فيها عمال النفط وكذلك اعلن عمال المطابع اضرابهم عن العمل.

استمرت المظاهرات على حدتها ورفع المتظاهرون شعارات ضد الحكومة والبريطانيين، وطالبت باستقالة الحكومة واجراء انتخابات مباشرة، وخرجت مظاهرة من كلية الحقوق نحو كلية الاداب وشارك ايضا فيها طلبة دار المعلمين العالية وانضم اليها طلاب كلية التجارة والاقتصاد وكلية الطب والصيدلة والهندسة اضافة لكلية المعلمين الابتدائية والعديد من المدارس الثانوية، الامر الذي جعلها من المظاهرات الكبيرة خلال فترة الانتفاضة، وفي بعض محلات بغداد اصطدمت جموع المتظاهرين مع الشرطة وكانت تهتف (نريد خبزا لا نريد رصاصاً) وهو تعبير عن حالة الغلاء الفاحش التي كانت تجتاح البلاد، وقد ردت الشرطة بقسوة حيث استخدمت السلاح في محاولة لتفريق المتظاهرين ما ادى الى سقوط العشرات منهم.

استقالة الحكومة

في اليوم نفسه اصدرت الحكومة بياناً تطلب فيه من المتظاهرين الانصراف الى اعمالهم، فيما قررت وزارة المعارف ايقاف الدراسة في جميع مدارس العاصمة على اختلافها سواء كانت رسمية أم أهلية أم أجنبية كما قرر مجلس التعليم العالي ايقاف الدراسة في المعاهد العالية ابتداء من يوم 22 نوفمبر وحتى اشعار آخر، ولما تأزم الموقف وعجزت الشرطة عن فض المظاهرات، طلب وزير الداخلية إلى امرية القوة السيارة تهيئة قوة كافية لمعالجة الاوضاع فاتخذت الأمرية في 23 نوفمبر اجراءات لتعزيز قواتها لتدارك الأزمة قبل استفحالها وفعلاً انزلت قوات جديدة الى الساحات والشوارع، وامتدت المظاهرات الى مناطق بغداد الاخرى وبعض مدن العراق فقامت مظاهرات في كربلاء والنجف والحلة والديوانية والبصرة والناصرية وكانت الاحزاب المعارضة كحزبي الاستقلال، والوطني الديمقراطي تشجع على الاستمرار في المظاهرات للضغط على الحكومة، وكانت مظاهرات ذلك اليوم أكثر حدة من سابقاتها وقد ألقت الشرطة القبض على العشرات بينهم عدد من الجرحى، وواصلت تلك المظاهرة طريقها إلى شارع الرشيد وقام المتظاهرون بحرق مكتب الاستعلامات الأمريكي المقابل لسوق الصفافير في شارع الرشيد رداً على الموقف الأمريكي السلبي من قضية فلسطين وهاجم المتظاهرون مقر جريدة العراق (التايمز) التي تصدر باللغة الإنجليزية وأحرقوا مكاتبها كذلك هاجموا مكتب الخطوط الجوية البريطانية، وتعرض المتظاهرون لمقر حزب (الاتحاد الدستوري) الذي يتزعمه نوري السعيد، واحرقوا مركزا للشرطة، ثم هاجموا مجلس الاعمار وأحرقوه وبانتصاف النهار سيطر المتظاهرون على مركز العاصمة، وفي ذلك اليوم بعث السفير البريطاني برسالة شفوية إلى مصطفى العمري رئيس الوزراء، طالباً منه اتخاذ كل التدابير الضرورية لحماية الرعايا والأملاك الأجنبية، ولم تهدأ المظاهرات الا بعد ان قدمت الحكومة استقالتها في أواخر نوفمبر سنة 1952.

وفاته

في 10 سبتمبر سنة 1960 توفي مصطفى محمود العمري بلندن، بعد اصابته بمرض السكري، وتم نقل جثمانه بالطائرة إلى بغداد ثم إلى مدينة الموصل حيث دفُن في إحدى مقابرها.

المصدر

وصلات خارجية